الخليل: مدينة التاريخ والتراث بين أصالة الماضي ومعاناة الحاضر
تُعد مدينة الخليل واحدة من أقدم المدن في العالم، ذات جذور تاريخية عميقة تمتد إلى 3500 سنة قبل الميلاد. مدينة كنعانية فلسطينية عريقة بناها العرب الكنعانيون على سفح جبل الرميدة، عُرفت في البداية باسم “قرية أربع” نسبة إلى بانيها الكنعاني العربي أربع. تبعد الخليل حوالي 35 كيلومترًا عن جنوب القدس، وتحتل مكانة مميزة في قلوب المسلمين، حيث تضم رفات النبي إبراهيم وأبنائه إسحق ويعقوب، إلى جانب العديد من الصحابة الذين استشهدوا في معركة أجنادين وغيرهم من التابعين.
تاريخ الخليل:
الخليل، التي تُعتبر المدينة المقدسة الثانية في فلسطين بعد القدس، تتميز بوجود الحرم الإبراهيمي الذي يُعد من أقدس المساجد في الإسلام. يحيط بالحرم الإبراهيمي سور ضخم، وهو من أروع الآثار الفلسطينية التي تعود إلى عصر هيرودس الآرومي، الذي حكم في الفترة التي وُلد فيها السيد المسيح.
قضاء الخليل الذي كان يضم قبل نكبة 1948 خمساً وثلاثين قرية وأكثر من مائة مزرعة وخربة وقبيلتين كبيرتين، تقلص إلى 19 قرية و64 مزرعة وخربة بعد النكبة. ومع ذلك، شهدت الخليل تطورًا ملحوظًا بين عامي 1948 و1967، حيث ازدهرت المدينة وزاد عدد سكانها وامتدت إلى أطرافها، ووصلت إلى قمم الجبال المطلة على الوادي، محاطة بأراضٍ زراعية خصبة ومياه وفيرة، تشتهر بإنتاج العنب والزيتون والتين والمشمش والعديد من المحاصيل الأخرى.
إلى جانب الزراعة، برعت الخليل في الصناعات اليدوية التقليدية منذ القدم، مثل صناعة الغزل، والزجاج، والصابون، ودباغة الجلود، وصناعة معاطف الفرو. كما اشتهرت بتجفيف الفواكه وتصنيع الآلات الزراعية وأدوات عصر الزيتون، مما جعلها مركزًا للصناعات التقليدية في المنطقة.
آثار الخليل، وعلى رأسها سور الحرم الإبراهيمي، تشكل جزءًا كبيرًا من التراث الثقافي والتاريخي للمدينة. كما توجد بقايا كنيسة أقامها قسطنطين الكبير في منطقة رامة الخليل، شمال المدينة، بالإضافة إلى عدد من الخرب الأثرية المحيطة بالخليل، مثل خربة النصارى وخربة سبتة.
ورغم هذا الإرث التاريخي العريق، تعاني الخليل من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي الذي أقام مستعمرات حول المدينة وداخلها. من أبرز تلك المستعمرات “كريات أربع”، والتي تعد واحدة من أكبر المستعمرات التي شُيدت على أراضي الخليل. أكثر من 20 مستعمرة إسرائيلية تغتصب أراضي الخليل، لتشكل أحزمة استعمارية خانقة حول المدينة، مما يعكس التحديات الصعبة التي تواجهها المدينة اليوم.
مدينة الخليل تقف شامخة بماضيها المجيد وتراثها الغني، لكنها تعاني من الحاضر تحت وطأة الاحتلال الذي يسعى لطمس هويتها واستغلال أراضيها.