غالية البقمية: أسطورة الحرب والحرية في وجه القوات العثمانية
غالية بنت عبد الرحمن البقمية، من قبيلة البدارا البقوم الواقعة على حدود الحجاز ونجد، لم تكن امرأة عادية بل كانت زوجة الأمير حمد بن عبد الله بن محي، حاكم مدينة تربة البقوم خلال فترة الدولة السعودية الأولى. لعبت غالية دورًا بطوليًا في التصدي للقوات المصرية التي أرسلها محمد علي باشا إلى الجزيرة العربية في محاولة للقضاء على الدولة السعودية والحركة الوهابية في بداية القرن التاسع عشر.
من هي غالية البقمية
دخلت غالية البقمية صفحات التاريخ بسبب شجاعتها البارزة في مواجهة الجيش التركي المصري، حيث أصبحت رمزًا للمقاومة. الأعداء قبل الأصدقاء تحدثوا عنها، وأطلقوا عليها لقب “وهابية”، بينما البعض اتهمها بأنها ساحرة تستخدم الجن في حماية جنودها. حتى أن الفرنسيين شبّهوها ببطلتهم القومية جان دارك، التي قاتلت الإنجليز بشجاعة فائقة، ليروا في غالية رمزًا مشابهًا للقوة والإصرار.
كانت شهرة غالية تتجاوز الدور العسكري، حيث برزت بعد وفاة زوجها الأمير حمد بن عبد الله. تمكنت من إخفاء خبر وفاته بالتعاون مع هندي بن محيي والشيخ رشيد بن جرشان، وذلك للحفاظ على معنويات القبيلة. استخدمت دهاءها لإبقاء الجيش التركي بعيدًا عن المدينة، ونسقت مع زعماء البقوم لخوض المعركة دون أن يظهر أي ضعف أمام الأعداء.
لم يكن دورها مقتصرًا على المشورة، بل كانت غالية توجه الجنود بنفسها، تدير عمليات توزيع السلاح والتموين، وتبث روح الحماسة في قلوب رجال قبيلتها، لتصبح رمزًا للقيادة والشجاعة. حينما اقترب الجيش التركي من تربة بجيشه الهائل الذي كان يجر المدافع على أنغام الموسيقى العسكرية، وقفت غالية على رأس المقاومة، ودفعت أبناء البقوم للدفاع عن مدينتهم.
الاستخبارات التركية التي تسللت لمراقبة الأوضاع اعتقدت خطأً أن غالية هي الحاكمة الفعلية للبقوم، نظراً لما تمتعت به من سلطة مطلقة واحترام كبير بين أفراد القبيلة. مجرد ذكر اسمها كان يثير الخوف في قلوب الأتراك، فبعضهم زعم أنها كانت ساحرة تستخدم قوى خارقة لجعل جنودها لا يُهزمون. هذه الأساطير التي نسجت حولها أضافت المزيد من الغموض حول شخصيتها، لكنها بلا شك كانت تعبيرًا عن الرهبة التي زرعتها في قلوب أعدائها.
رغم كل هذا الدور البطولي، إلا أن تاريخ غالية البقمية ظل مجهولاً وضحية للإهمال، حيث لم تحظ بالتقدير الذي تستحقه. تم نسيان سيرتها رغم الدور الكبير الذي لعبته في مقاومة الاحتلال العثماني. لقد كانت غالية رمزًا للمرأة القوية التي تقف في وجه القوى العظمى، وتحافظ على عزيمة قبيلتها، مما يجعلها بطلة قومية في التاريخ العربي.