ملحمة الطائيين: رحلة قبيلة من اليمن إلى قلب العروبة
في أعماق التاريخ، حيث الأرض اليمنية الخصبة، نشأت قبيلة طيئ. تلك السلالة العربية الأصيلة التي انطلقت من رحم الجنوب بعد انهيار سد مأرب العظيم. ينحدرون من نسل طيئ بن أدد. ويحملون اسمًا يرمز إلى الفضاء الواسع، فطيئ تعني الإبعاد والتوسع في الأرض.
تاريخ قبيلة طيئ
بدأت رحلتهم من اليمن، حيث كانت مساكنهم الأولى، متجهين شمالًا حتى استقروا في سميراء وفيدا، بجوار بني أسد. ولم يلبثوا أن تفوقوا على جيرانهم. فسيطروا على جبلي أجأ وسلمى، اللذين أصبحا يعرفان باسم جبلي طيئ، شاهدين على عظمتهم.
مع انطلاق الفتوحات الإسلامية، تناثرت بذور طيئ في أرجاء العالم العربي، لتزهر في الشام والعراق والحجاز وحتى مصر، مكونةً واحدة من أكبر القبائل العربية المعاصرة.
من أبرز أبناء طيئ، الشهير حاتم الطائي. الذي أصبح رمزًا للكرم والجود. شاعر متدفق الإبداع ينثر الشعر بسخاء كما ينثر العطايا، متحليًا بالسماحة واليسر.
عدي، ابن حاتم، كان مسيحيًا كأبيه، لكنه اهتدى إلى نور الإسلام بيد النبي محمد، وظل ثابتًا على دينه الجديد حتى خلال فتنة الردة. وقف إلى جانب علي بن أبي طالب في معاركه الحاسمة، ورفض إغراءات معاوية بعد وفاة علي، متمسكًا بمبادئه.
من الشخصيات البارزة في تاريخ طيئ أيضًا الشاعر الفارس عنترة بن شداد، وأبو زبيد الطائي الذي عاصر الإسلام لكنه لم يعتنقه، والجبير الطائي، أحد فرسان معركة القادسية، وكعب بن الأشرف، اليهودي الذي عارض النبي محمد والإسلام بشدة.
تبقى طيئ، بأفرادها وأحداثها، جزءًا لا يتجزأ من نسيج الهوية العربية. قصتهم، الممتدة من اليمن السعيد إلى أقاصي الأرض العربية، تروي حكاية شعب لم يعرف الاستسلام، شعبٍ حمل الشجاعة والشهامة والشعر على أكتافه، مخلدًا إرثًا يتجاوز حدود الزمان والمكان.