د.عبدالله بن محمد بن يحي الشيخ مستشار الأمن الفكري يكتب : الإرهابية أصل التنظيمات التكفيرية
د.عبدالله بن محمد بن يحي الشيخ مستشار الأمن الفكري يكتب : الإرهابية اصل التنظيمات التكفيرية
من المهم عند الحديث عن ظاهرة التكفير التنبه للعقيدة التي قامت عليها التنظيمات الخارجة عن جماعة المسلمين وعلى رأس هذه التنظيمات
ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين وينبغي التركيز على هذه الجماعة لأنه من رحمها خرجت التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة ومايسمى بداعش وللأسف الشديد أن هذه الجماعة الأم لا يتم الحديث عنها ولا الالتفات لها عند التعرض لقضية التكفير مع أن هذه الجماعة هي الأصل والأساس لأفكار كل التنظيمات التكفيرية كالجهاد والتفكير في الهجرة التي اشتهرت بالتكفير والهجرة ومن بعد ذلك القاعدة وأخيراً وليس بآخر مايسمى بداعش .
نقول وبالله التوفيق بأن هذه التنظيمات المعاصرة إذا دخلت بلداً فيه جماعة وإمام فإن دخولها يؤسس لانفصال أتباعها روحياً عن مجتمعهم باعتقاد أن الجماعة التي يعيشون بينها غيرُ شرعية من الأساس ، ثم يتلو ذلك وضع برنامج لإعادة تأسيس المجتمع على وفق عقيدة تلك التنظيمات ، سواء كانت ممن ينتهج العنف كالقاعدة وداعش أو ممن ينتهج السياسة كالإخوان .
وهناك أمر هام للغاية يتعلق ببيان العقيدة التي تأسست عليها التنظيمات المعاصرة حيث إن الركيزة الأولى التي انطلق منها مؤسسو التنظيمات المعاصرة الخارجة عن جماعة المسلمين هي أنهم لقصور شديد في العلم خاطبوا الناس بخطاب تأسيسي لأمة جديدة هم قادتها ومرجع أهلها وكأن الواحد منهم قائداً أعلى للأمة وهذا لا يكون إلا للرسل عليهم الصلاة والسلام ولذا نجد حسن البنا بعد أن صنف الناس أربعة أصناف تجاه دعوته يقول : (كذلك كان السابقون الأولون ممن شرح الله صدورهم لهدايته فاتبعوا أنبياءه وامنوا برسالاته وجاهدوا فيه حق جهاده) فالبنا يعتقد في نفسه أنه في مقام يؤهله أن يدعو الناس للإيمان بدعوته والتصديق بقوله واتباعه والانضمام إليه والتضحية في سبيل ذلك . وهذه العقيدة التي أسسها البنا هي التي تأسس عليها تنظيم القاعدة ، وتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش ؛ فكلهم يدعو الناس أن يؤمنوا بدعوته ويصدقوا بقوله وينضموا إليه ويضحوا في سبيله فالخطاب الاعتقادي واحد وأساسه خطاب حسن البنا ، والاختلاف هو في توقيت مرحلة التنفيذ . وقد صرح البنا بما يعتقد لنفسه ولجماعته من المنزلة في الدين حيث قال في رسالته (دعوتنا) : (فإن شاء القاريء أن يفهم دعوة الإخوان بشيء أوسع من كلمة إسلامية فليمسك بمصحفه وليجرد نفسه من الهوى والغاية ثم يتفهم ما عليه القرآن فسيرى في ذلك دعوة الإخوان ، أجل ؛ دعوتنا إسلامية ، بكل ما تحتمل الكلمة من معان ) فالمصحف هو دعوة البنا وجماعته ومن هنا اشتق غلاة تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة عقيدتهم في أنفسهم ؛ أن دعوتهم هي القرآن .
من هذه العقيدة التي انطلقت منها هذه التنظيمات الخارجة عن الجماعة والتي أنزلت رؤوساءها منزلة الرسول في أمته فإن المشروع السياسي الذي سلكته هذه التنظيمات هو كذلك محاكاة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه في بناء الأمة بناءً من أول فرد منها ، إلى الانتشار العالمي ؛ ولذا نجد البنا يقول في رسالته (إلى الشباب) ( أيها الشباب ؛ إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل واضح الخطوات ، نريد أولاً الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه ، فهذا هو تكويننا الفردي ، ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وفي عقيدته وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه ونحن لهذا نُعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل ، ونعني بالطفولة عنايتنا بالشباب ، وهذا هو تكويننا الأسري ، ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضاً ، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت ، وأن يسمع صوتنا في كل مكان … ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد …، وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره ، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام . ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوربية ، ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية ولا نسلم بهذه الاتفاقات الدولية ، التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة يسهل ابتلاعها على الغاصبين ، و لا نسكت على هضم حرية هذه الشعوب واستبداد غيرها بها ، فمصر وسوريا والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش ، وكل شبر أرض فيه مسلم يقول : لا إله إلا الله ، كل ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصه وضم أجزائه بعضها إلى بعض ) فالبنا يريد أن يُنشأ أمة هو إمامها وقاعدتها وقائدها العام . وقد شمل كلامه (الحجاز) مكة والمدينة وسائر جزيرة العرب ؛ فذكر أنه يسعى لتحريره وإنقاذه ليضمه إلى أمته الوليدة ، وتلك هي العقيدة التي تأسس عليها تنظيم القاعدة وشَغَلَ بها البلاد والعباد . فهل تبين لنا من أين جاء غلاة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمشروعهم السياسي ؟! وما الذي جعل تحرير الحجاز من أولويات عقيدتهم ؟! وهل تبين من أين جاء إعلانهم أن كل مسلم
لا يؤمن بمنهاجهم لا حظ له في الإسلام ؟!
أما مفهوم إعادة الخلافة عند هذه التنظيمات المعاصرة فقد قال عنه البنا في (رسالة التعاليم) : (إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها ، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة ، والوحدة المنشودة) . وقد فسر مشروع إعادة الخلافة بنظرية سياسية وهمية لا صحة لها شرعاً ،
ولا إمكان لها واقعاً ، وهي أشبه بخرافة نظرية (الإمامة)عند الرافضة الإمامية الاثنى عشرية . وقد قرر البنا بأن الخلافة شعيرة إسلامية وهذا أساس اعتقادي عظيم الخطأ ؛ لأن الخلافة في دين الإسلام هي ولاية أمر العامة (في بلد واحد أو بلدان المسلمين كافة ) ، والخلفاء هم ولاة الأمر الذين يخلف بعضهم بعضاً في الولاية (سواءً سميت خلافة أو إمامة أو إمارة أو ملكاً أو سلطنة أو غير ذلك ) ليست غاية مقصودة قصد الشعائر كالصلاة والزكاة والحج والحكم بين الناس بما أنزل الله ، وإنما هي وسيلة لضبط اجتماع الناس وحسم التنافس على الرياسة .
والفرق بين عقيدة أهل السنة (أن التمكين وسيلة) وبين عقيدة البنا ومن كان على شاكلته (أن الخلافة شعيرة)
هو الفرق بين عقيدة أهل السنة بأن الإمامة وسيلة ، وبين قول الإمامية الاثنى عشرية أن (الإمامة) ركن من أركان الدين . ولذلك قال البنا : (الخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله) فجعل أحكام الإمامة منوطة بصفة محددة من التمكين اسمها الخلافة ، وخالف بذلك إجماع المسلمين أن أحكام الإمامة منوطة بكل من تولى الأمر من المسلمين ، كما في قوله تعالى : ((وأولى الأمر منكم)) ف(أولو الأمر) هم من تولى الأمر واستقر له حقيقة لا افتراضاً ، و(منكم) أي من المسلمين . وأما البنا فنظريته السياسية تجعل أحكام الإمامة معطلة حتى يأتي الخليفة المنتظر وهو عند الرافضة المهدي المنتظر .
ومن هنا نرى كل الجماعات التي تأسست على عقيدة البنا قد تاسست على فكرة خلاص الأمة ب (إقامة الخلافة) فيتخيلون أن ثمة عهداً هم مكلفون بالسعي لتحقيقه ، وأنه إذا جاء فكأنما قامت القيامة وتحقق للبشر مايوعدون ،
وما إعلان تنظيم الدولة إقامة الخلافة وتسميتهم واحد منهم خليفة وقبلهم تنظيم القاعدة بإقامة الإمارة الإسلامية ما ذلك كله إلا استعجال بتنفيذ الخطوة النهائية من عقيدة البنا التي سماها (الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة) وقال :
(إن الإخوان المسلمين يجعلون العمل لإعادتها في رأس مناهجهم ويعتقدون أنها تحتاج إلى كثير من التمهيدات التي
لا بد منها )
فحقيقة الأمر أن البنا أسس نظرية إمامية سماها (إعادة الخلافة) ثم جعلها ركناً أصيلاً ومداراً تدور عليه العقائد والأعمال ، وإليها تساق التضحيات والآمال ، وبانتظارها يُعلق المصير والمآل .
ومع خطورة مثل هذا الطرح وضلاله إلا أن مناهج الثقافة الإسلامية في الجامعات
لا تحصن الطلبة منها بل وجدنا بأن هناك مقررات للثقافة الإسلامية صيغت بفكر تنظيم الإخوان والقائمين على إعدادها من كبار تنظيم الإخوان في المملكة من أمثال د علي بادحدح وهو استاذ بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة(معتقل حالياً) وقد أسس مركزاً لإعداد مقررات الثقافة وهو يحاول جاهداً وتنظيمه من أجل تعميم هذه المقررات على جامعات المملكة . ليس هذا فحسب
بل قد وجدنا كتباً في الدعوة تدرس لكبار تنظيم الإخوان من أمثال علي جريشة وعبدالكريم زيدان وهي كتب تُدرس لعشرات السنين بل إن أصحابها قد درسوا بجامعات الممكلة وخرجوا أجيالاً تشبعت بفكرهم ويكفي أن نضرب مثالاً لكتاب
د علي جريشة (مناهج الدعوة) والذي يدرس في عدة جامعات منها جامعة طيبة وقد تم استبعاده مؤخرا ولله الحمد اشتمل هذا الكتاب على جملة أمور خطرة تنشأ أولادنا على عدائهم لبلدهم ملخص هذه الأمور :
1- أن الدولة السعودية كيان غير شرعي .
2- أن بناء الدولة الإسلامية المأمولة يستلزم تكوين تنظيمات سرية تلتزم بيعة لرؤسائها
3- مشروعية الانضمام إلى الجماعات الإرهابية الساعية لهدم الكيان القائم وإعادة دولة الخلافة .
4- الدعوة إلى الاعداد لخروج مسلح لإقامة الدولة المأمولة .
5- أن المجتمع غير المؤمن بهذه الفكرة هو مجتمع إسلامي بالانتماء وليس مجتمعاً مسلماً .
6- أن الخلاف مع الجماعات التكفيرية المسلحة هو في توقيت حمل السلاح فحسب .
على هذا الضلال والانحراف الفكري يُنشأ أولادنا في جامعاتنا التي هي محاضن الفكر ؛ ولذا فلا غرابة أن كثيراً ممن ذهب إلى مناطق الصراع هم في الأصل طلاب درسوا في الجامعات ، أما من تم استقطابه لتنظيم الإخوان وهو باق كخلايا نائمة فحدث ولا حرج وهم مابين أساتذة جامعات ومحاضرين وموظفين وطلاب .
هذا مالزم بيانه حمى الله بلادنا الحبيبة الغالية من كيد الحاقدين ورد عنها كيد الكائدين إنه ولي ذلك والقادر عليه .