قصة سجادة خريطة “القُطر المصري” بقصر الاتحادية التي أزالها الرئيس الإخواني وأعادها السيسي
أسماء صبحي
أثارت سجادة خريطة “القُطر المصري” بلونها الداكن وحجمها الكبير المميز، والتي تظهر دائمًا خلف الرئيس عبدالفتاح السيسي بمختلف اللقاءات الدولية مع رؤساء وزعماء الدول الأجنبية، والمناسبات الوطنية، والخطابات التي يُوجهها إلى الشعب، الكثير من التساؤلات حول حقيقة هذه السجادة والسبب وراء محاولة الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي إزالتها، ويرى الكثيرون أنها ليست مجرد سجادة عادية، إنما هى ذات قيمة تاريخية وسياسية كبيرة، وخلال السطور التالية نوضح بعض المعلومات المهمة عن “سجادة خريطة القُطر المصري”.
بدأت الحكاية، خلال عهد الخديو إسماعيل، والذي عُرف بعشقه للثقافة والفنون، وكان دائمًا يسعى إلى إخراج مصر من عباءة الحكم العثماني من خلال الكثير من الأعمال الوطنية مما جعل البعض يُطلق عليه مُسمى “صاحب النهضة”، وبدا ذلك واضحًا في الاحتفالات الأسطورية لافتتاح قناة السويس، فقد قام بنفسه دون الرجوع إلى السلطان العثماني بدعوة ملوك العالم لحضور الاحتفال، ثم دعا السلطان العثماني ليظهر بمظهر الملك المستقل ببلاده مما أغضب السلطان.
وفي إطار تحقيق هدف الخديو إسماعيل بالانفصال عن الدولة العثمانية، راودته فكرة إنشاء خريطة لمصر تعرض عند الاحتفال بافتتاح قناة السويس، تظهر للعالم الحدود المصرية، وقام برسم وتحديد هذه الخريطة مجموعة من العلماء المصريين والأجانب الذين يعملون في مجال المسح الجغرافي، وحددوا ملامح الدولة المصرية عبر تلك الخريطة، وأرسل الخديو صورة منها إلى الأستانة طالبا صناعة سجادة حريرية يدوية بتفاصيلها، وأبقى الخريطة الأصلية بمصر لكي يطابقها بالسجادة المزمع صناعتها، قاصدًا بذلك إعلان استقلال مصر عن الدولة العثمانية ، ولكن لم تر هذه السجادة النور بسبب تدخل السلطان العثماني الذى أوقف صناعتها.
واستمر هذا الحلم إلى أن تحققت الفكرة بأيدٍ مصرية ، ففي عهد الخديو عباس حلمي الثاني، تم اختيار مصنع في دمنهور وتكليفه بصناعة سجادة “الخريطة المصرية”، وانتهى العمل منها بعد رحيل الخديو عباس حلمي، وظلت في المخازن الخديوية حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى بانتصار إنجلترا، ومناداة زعماء مصر باستقلال البلاد، وأعلنت معاهدة 1936، فخرجت هذه إلى النور، وتم وضعها لأول مرة خلف الملك فؤاد في لقاءاته الرسمية.
وكشف الخبير الأثري الدكتور محمود عباس تفاصيل “سجادة القُطر المصري”؛ حيث أكد أنها عبارة عن سجادة من الحرير تشمل حدود القطر المصري، تم تنفيذها بالأسلوب اليدوي، واتخذ الفنان الصانع لهذه التحفة أسلوب ونوع العقدة وعددها 25 عقدة في السنتيمتر المربع، واتخذت الألوان الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والبني بدرجاتها، مع استخدام اللون اللبني، والسجادة ذات بحر، وكنار البحر يمثل خريطة القُطر المصري، ويظهر عليها الحدود المصرية بمختلف الأركان، ونهر النيل، والقناطر، والسكك الحديدية.
وأضاف الخبير الأثري، أن الجانب الأيسر من السجادة يُعتبر خريطة أخرى تمثل مجرى النيل وفروعه، وأسفلها مفتاح الخريطة ومقياس الرسم لها، أما الكنار فيتكون من إطارين متتاليين، الداخلي منه أرضيته زرقاء، وبأركانه الأربعة علم مصر، أما الخارجي فأرضيته حمراء وقوام زخارفها أشكال نباتية متنوعة.
وظلت هذه السجادة تظهر في مختلف المناسبات الوطنية في عهدي الملك فؤاد والملك فاروق، ثم حُجبت حتى قررت رئاسة الجمهورية أن تتخذ قصر الاتحادية مقرًا لها للاستقبالات الرسمية، وبعد الانتهاء من تنظيم هذا القصر الذي كان فندقًا قبل قيام ثورة يوليو 1952 وإعداده للقاءات الرسمية، قرر المسئولون وضع السجادة الخريطة في صالون الاستقبالات الرسمية لرئيس الجمهورية، وكان لظهورها خلال استقبال الوفود معنى قوميًا هامًا؛ حيث تظهر كل حدود مصر وتبدو منطقة حلايب وشلاتين داخل الحدود المصرية منذ ذلك التاريخ القديم.
وتعاقب رؤساء الجمهوريات السابقون على هذا الأمر، حتى وصول الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي لسدة الحكم، فأمر برفع “سجادة القُطر المصري” من قصر الرئاسة خلال الأسبوع الأول من توليه الحكم، وذلك لأن جماعة الإخوان الإرهابية لا تعترف بالحدود الوطنية للدولة، كما أنها كانت تسعى لإرضاء الرئيس التركى الذى اشترط لحضوره للقاهرة في عهدهم رفع هذه السجادة من القصر الجمهورى لما تمثله من دلالة تاريخية على ظهور نية الخديو المصرى في الاستقلال عن الخلافة العثمانية.
وعقب اختيار الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيسا للجمهورية أمر في اليوم الأول من وصوله للقصر الجمهوري بإعادة السجادة إلى مكانها الطبيعي، لعلمه بمغزاها السياسي والتاريخي، لتعود السجادة مرة أخرى إلى بريقها معلنة استقلال مصر والتمسك بالمحافظة على أراضيها بالكامل.