حوارات و تقارير

بَعْبَعة من أمهات أودية سيناء .. و وداي السدرة ملتقى الحضارات القديمة .

محمود حسن الشوربجي

من المعروف أنه لا يوجد بشبه جزيرة سيناء نهر واحد حي على الإطلاق، وإنما حاباها الله بأودية وعيون طبيعية وينابيع ماء وآبار حية تشكل المصدر الرئيسي للمياه، حيث يسيل من جبالها ومرتفعاتها في وقت الأمطار أودية وفروعاً شتى، وتسيل مياهها في بطن أوديتها إلى أن تصب في المنحدرات الطبيعية لها التي ليست من صنع البشر، ومنها من يصب في البحر المتوسط في الشمال، وأخرى في خليجي العقبة والسويس شرقا وغربا، ومنها يصب في صحراء النقب، ويختلف اتساع الوادي الواحد في مجراه من بضعة أمتار إلى ألف متر أو أكثر، وارتفاع جانبيه من متر أو أقل إلى ألف متر أو أكثر، وأعظم الأودية ارتفاعًا من جانبيها أودية بلاد الطور أو المعروفة بجنوب سيناء، فهي تسير متعرجة بين جبال شامخة شاهقة الارتفاع، حتى إنَّ المسافر فيها يرى كأنه في بئر رفيعة الجوانب لا منفذ له منها، ويدوم السيل في الأودية بضع ساعات بعد انقطاع المطر ثم يجف، ونحن اليوم بصدد الحديث عن واديين من أهم الأودية في سيناء هما وادي بعبعة ووادي السدرة.

(وادي بَعْبَعة) ويعرف أيضا بوادي بعبع، وهو من أهم أودية سيناء جغرافيا وتاريخيا لاحتوائه على العديد من النقوش والآثار الهامة لحضارات قديمة العهد ويرجع تاريخها إلى الأسرة المصرية القديمة، وقد اهتمت محافظة جنوب سيناء بهذا الوادي حيث شرعت في بناء سدود لحماية مدينة أبورديس من أخطار السيول، وأنشأت المحافظة وحدات سكنية للإسكان الاجتماعي، وصرح اللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء في مايو الماضي، أنه جرى التنسيق بين وزارة الموارد المائية والري، ومحافظة جنوب سيناء لوضع الدراسات والخطط بشأن حماية منطقة وادي بعبع بمدينة أبورديس، من أخطار السيول، وعمل الدراسات المطلوبة لجميع الأودية التي تؤثر على المدينة.

وأكد فودة على أنه جرى الاتفاق على تنفيذ مشروع حماية مدينة أبورديس من مخاطر السيول عبر ثلاث مراحل، الأولى عبارة عن بحيرات صناعية وسدود ومجري صناعي حتى البحر بهدف حماية وادي بعبع ومنطقة سرابيط الخادم التابعة لمدينة أبو زنيمة.

وأوضح المحافظ أن المرحلة الثانية وهي حماية منطقة وادي فيران، وجرى إعدادها بمعرفة معهد الموارد المائية وتضم إنشاء سدود وحواجز وبحيرات بأودية “الرحبة والنفوس والجزيرة ونسرين”، والمرحلة الثالثة بمنطقة وادي سدري بمدينة أبورديس طبقًا لتحديث الدراسات والإحداثيات الحالية.

أما عن وادي بعبع، فهو من أمهات الأودية، ينحدر في اتجاه مضاد لانحدار سطح الأرض وله رأسان هما: “وادي سُوِّق”و “وادي حُبوس”.

(وادي سُوِّق) وهو وادي قصير ينشأ من شمال جبل سرابيت الخادم وجبل الغرابي، وشرق جبل سرابيت الخادم تقع منطقة غابة الأعمدة الشهيرة.

“غابة الأعمدة” في جبل الفوجا واحدة من أبدع العجائب الجيولوجية الطبيعية التي وهبتها الطبيعة الربانية لسينآء

“غابة الأَعْمِدَة”وإلى الشرق من سرابيت الخادم يقع جبل الفوجا الذي يوجد بداخله غابة من الصخور الكثيرة عمودية الشكل ودائرية ألوانها سوداء وصفراء مائل للإحمرار ، تعرف لديهم بـ “غابة الأعمدة” ، وهي واحدة من أبدع العجائب الجيولوجية الطبيعية التي وهبتها الطبيعة الربانية لسينآء .

غابة الأعمدة في جبل الفوجا

هذا ويختلف حجم صخور غابة الأعمدة عن بعضها ومنها أعمدة طويلة لولبية الشكل يصل ارتفاعها إلى متر أو أكثر ، وتترابط الأعمدة الصخرية مع بعضها وكأنها كتلة واحدة من الصخور ، ومنها أعمدة مكسورة مستلقاه على المنحدر الرملي المحيط بها ، ومن الصعب الوصول إلى جبل الفوجا بسهولة إلا إذا كان يرافقك دليل أو مرشد من البدو وسيارة دفع رباعي لسهولة التنقل بين الجبال. ومازال الباحثون الجيولوجيون يواصلون تنقيباتهم حول هذا المكان وسر تكويناته .

 

(وادي حُبوس) وهو الرأس الثاني الذي ينشأ من نقب ورصاء ويخترق الرملة ماراً بقبر الشيخ حُبوس الذي يقع في منتصف سهل الرملة ، إلى أن يلاقي وادي سُوِّق على نحو 4كم من رأسه.

هذا ومن ملتقى هذين الواديين يسير وادي بَعْبَعة متعرجاً بين الجبال وتصب فيه الأودية الفرعية من اليمين واليسار إلى أن يخرج من الجبال عند خشم اللّقَم ويصب في سهل المرخاء ومنها إلى خليج السويس عند ميناء أبو رديس .

ومن أهم الأودية التي تصب في وادي بَعْبَعة من بداية رأسيّهِ كما ذكرت أعلاه :

“وادي المالحة” وينشأ من نقب الراكنة ويخترق سهل الرملة ويصب في وادي بَعْبَعة على نحو كيلوا متراً ونصف من ملتقى رأسيه . وفي هذا الوادي ثلاث آبار مياه قديمة العهد مبنية الآن من الطوب الأسمنتي يصل عمق الواحد نحو 20 متراً تقريباً ، قيل بأن هذه الآبار قديماً كانوا يستخدمونها العاملين بتعدين المنجنيز والفيروز حول هذا الوادي، والآن يستخدمها البدو كاستراحة للإبل هناك حينما يقومون بالتنقل داخل الصحراء .

إحدى الآبار التي تستخدم كاستراحة للإبل

“وادي النسيب” وينشأ من المرتفعات الجنوبية ويصب في وادي بَعْبَعة تجاه مصب وادي الإخفا ، وفي وادي النسيب على نحو 2 كم تقريباً من مصبه نبع مياه جوفي يدعى “النسيب” وآثار قديمة العهد وبه كتابات باللغة الهيروغليفية، وفي بطن الوادي أنقاض معدن قديم كان مشهوراً في القديم لتعدين النحاس، قيل فيه أن العاملين بالتعدين في عهد الدولة الثامنة عشرة كانوا يقومون بتعدين النحاس منه، ويوجد به أكوام ضخمة من النفايات الناتجة من سبك النحاس التي تقدر بحوالى 100000 طن، وتعرف لدى سكان المنطقة بـ “الخَبَث” ، وبالقرب من مصب الوادي صخوراً كثيرة ونقوش حجرية فرعونية قيل أنها ترجع إلى عهد الفراعنة عام١٢٠٠ قبل الميلاد، وعلى جانبي الوادي منحدرات صخرية على الأرض منحوتة على هيئة أقدام وزخارف نبطية.

“وادي أم بَجْمة” وهو من فروع وادي بَعْبَعة ويصب فيه من ناحية الجنوب، و به مناجم عديدة بها ترسبات كثيفة من المنجنيز تم استغلالها تعدينياً في العصور القديمة، ولا زالت تستخرج حتى اليوم.

“وادي الشلّال” يصب في وادي بَعْبَعة على نحو كيلو متراً تقريباً من “خشم اللّقَم” ، وأُجرِيت الأبحاث حول هذا الوادي واكتشف الباحثون وجود خامات النحاس والذهب والمولبدينم.

وفي مطلع سبتمبر الماضي، عقدت المهندسة إيناس سمير، نائب محافظ جنوب سيناء، اجتماعًا موسعًا بمدينة أبورديس، بحضور رئيس مدينة أبورديس، وعدد من المعنيين بالمياه الجوفية، والإدارة الهندسية، والموارد المائية، لدراسة ومعاينة مجاري السيول ومخراتها بمدينة أبورديس.

وقالت نائب المحافظ، إن بحيرة بعبع التي تقع على حدود المدينة أمام المنطقة الصناعية، انهارت عقب تعرض المدينة لطقس سيئ خلال الفترة من 13 إلى 14 مارس الماضي، من سيول جارفة وأمطار غزيرة، وتسببت أيضًا في أضرار بالغة للمباني والمنشآت.

وأكدت نائب المحافظ، أنه سيجري إصلاح ما حدث من تلفيات بالمدينة نتيجة هذه السيول، وتطوير وترميم بحيرة بعبع لإعادتها لوضعها الطبيعي، وإدخالها الخدمة مرة أخرى، كما سيجرى العمل على إنشاء قناة توجيه بطول 4 كيلو متر، بداية من مخرج وادي بعبع، لتأمين مرور المياه من الاتجاه الشرقي للغربي، دون إضرار بالطريق.

وأوضحت نائب المحافظ، أن ترميم بحيرة بعبع وإقامة قناة توجيه هدفه حماية الطرق الدولية الجديدة والقديمة من أخطار السيول، وسيجري دراسة مقترح لإنشاء 5 بحيرات صناعية، و4 سدود حماية، بالإضافة إلى قناة تصريف للمياه.

وادي السدرة يحتضن العديد من الصخور الهيروغليفية والنبطية و يرجع تاريخها إلى عهد الحضارة النبطية

(وادي السيق) أما عن السيق و السدرة فهما وادٍ واحد، وينشأ وادي السيق من نقب المُرَيخي ويسير في الاتجاه الجنوبي الغربي فيحد سهل الرملة من الشرق ويمر بين الجبال متعرجاً والأودية تصب فيه عن يمينه و يساره ، حتى يلاقى وادي السدرة من الشرق فيأخذ اسمه إلى أن يصب في سهل المرخا عند ميناء أبو رديس جنوبي مصب بعبعة بنحو 15 كم تقريباً ، وله فروع تصب فيه من اليمين والشمال وأهمها مبتدءاً من نقب المُرَيخي :

“وادي المُرَيخي” وينشأ من صحراء نقب المُرَيخي ويصب في وادي السيق، قيل في هذا الوادي مدفون الشيخ حُمَيد من أولياء الله الصالحين من قبيلة الجبالية.

“وادي بَرَق” وينشأ من المرتفعات المحيطة بجبل حُمَيّر شمالاً ويصب في وادي السيق.

“وادي أم جراف” وهو وادي كبير يعرف لدى البعض الآن بوادي النفيعية ، قيل بأن في هذا الوادي قبر يُدعى “قبر النفيعية” وهو مقام لإمرأة صالحة من قبيلة النفيعات.

(وادي السِّدرة) ويأتي وادي السيق من الشرق ويصب فيه على نحو 2كم من قبر النفيعية متعرجاً مع الوادي ومن هنا فنازلاً إلى أن يصب في خليج السويس ، وكما ذكرت أعلاه يأخذ الوادي اسم السدرة ، هذا وقبل مصب الوادي بنحو كيلو متر ونصف تقريباً عين مياه غزيرة تعرف بـ “عين السِّدرة” .

       هذا ومن أهم فروع وادي السدرة :

“وادي لِبْن” ويصب في وادي السدرة على نحو 5 كم من مصب وادي السيق ، وفي هذا الوادي على نحو 2 كم تقريباً من مصبه عين مياه تدعى “عين لِبْن”

“وادي المُكتَّب” وهو وادي قصير ينشأ من مرتفعات فيران ويصب في وادي السدرة على نحو 3 كم تقريباً من مصب وادي لِبْن .

إحدى الصخور المنقوش عليها بوادي المُكتَّب

ويوجد بوادي المُكتَّب صخور كثيرة عليها نقوش نبطية ويونانية وعربية ، قيل بأن أكثر النقوش فيها النبطية ، والرسومات المنقوشة على الصخور غير مرتبة تدل على أن هذا الوادي كان مأهولاً بالسكان في القديم ، ويقول الباحثون أن النقوش النبطية تدل على آثار تجار النبط الوثنيين وترجع تاريخهم إلى 200 أو 300 ق.م ، أما النقوش اليونانية والعربية فتدل على آثار الحجاج النصارى من اليونان والعرب في القرون الأربعة الأولى للسيد المسيح عيسى عليه السلام ، أما الكتابات العربية المنقوشة على الصخور في هذا الوادي فهي مكتوبة بأحرف كوفية ومنها : “يارب ارحم واغفر آثام عبدك الواله عبد الله” ، وأسفلها “ارحم ياالله سعيد يوحنا؟” .

نقوش نبطية ويونانية وعربية على صخور وادي المُكتَّب

هذا والنقوش الموجودة الآن على الصخور تمثل رسومات مختلفة منها :”جمالاً محملة وغير محملة ، وخيولاً بفارس وبدون فارس ، ورجالاً مسلحين وبدون سلاح وغيرها من النقوش.

“وادي إِقنه” وهو وادي قصير يبلغ طوله نحو 5 كم تقريباً ويصب في وادي السدرة من الشمال الشرقي على نحو 3 كم من مصب وادي المُكتَّب ، ولهذا الوادي عين مياه تدعى “عين إقنه” قيل بأن العاملون بالتعدين قديماً في وادي فيران كانوا يشربون منه .

قبر الشيخ سُليّمان بوادي السدرة

هذا وعند مصبه في وادي السدرة مقام لأحد أولياء الله الصالحين مبني من الطوب الأسمنتي مطلياً باللون الأبيض يعرف بـ “قبر الشيخ سُليمان” جَدَّدَ بناؤهُ من مئة سنة تقريباً ربيع بن جمعه القرَّاشي، وحولها عدة قبور أخرى يدفن فيها سكان المنطقة موتاهم، ولا زال قبرهُ موجوداً إلى اليوم.

“وادي قُنَيّ” وعلى نحو 200 متر تقريباً من مصب وادي إقنه في السدرة وهو الفرع الوحيد الذي يصب في وادي إقنه، ويعرف هذا الوادي الآن بـ ” وادي المغارة” وعلى يمين هذا الوادي ويساره جبال الفيروز ويتخلله مغاور كثيرة يستخرج منها معدن الفيروز ويعرف الآن بجبل المغارة، يوجد بهذا الوادي صخور هيروغليفية ونبطية كثيرة يرجع تاريخها إلى عهد الحضارة النبطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى