كتابنا

رائـد بن ناصر بن خلفان العامري يكتب:الغـــزِّي والمتصـهيــن

رائـد بن ناصر بن خلفان العامري يكتب:الغـــزِّي والمتصـهيــن

إذا سمعت كلمة (غزة) أو قرأتها – لاسيما في الحروب- تزاحمت عندك معاني العزة والكرامة والشجاعة، وتراءت لك حقيقة الصبر والجلد والرضا بقضاء الله والتسليم له، ولا يشك من رأى حربا في غزة وتقصص أخبارها في أن لأهلها من الصبر والجلد والعزة والأنفة ما يعز نظيره ويندر مثيله، بل ما ليس للناس عهد بمثله حتى تعجبت الأرض شرقها وغربها من غزة وأهلها.

وإذا قيل هذا رجل غزِّي (وهو المنسوب إلى غزة) فكأنك قلت: هذا شجاع صبور أبيٌّ جسور ذو شكيمة لا يلين، (تُطِيف ‌به ‌الأيَّامُ ما يتأَيَّسُ)، وكذلك إذا قلت: هذه امرأة غزِيَّة، وإذا كان الأمر كذلك فلمَ لا تُولَّد ألفاظ جديدة تحمل معاني الصبر والشجاعة والعزة والكرامة من لفظة (غزة)، فاللغة مثل غزة حيَّة ولادة، فإذا كانت غزة قد أمدت العرب بالشرف والعزة والكرامة فليس بعيدا أن تُمدَّ لغتهم بلفظ يجمع هذه المعاني! وتوليد هذه المعاني اعتراف بفضل غزة التي شرَّفت الأمة وأكرمتها، بل غسلت غزة -بجهادها- عار الأمة، وما أكثر ما يُغسل العارُ بالسيف والقتال كما قال الحماسي:

سأَغْسِلُ ‌عَنّي ‌العارَ بالسيفِ ‌جالِباً عَلَيَّ قضاءَ الله ما كان ‌جالبًا

ولهذا ندعو إلى أن يكون (الغزيُّ) لفظا مستعملا بمعنى الشجاع الصبور والباسل الجسور، فيقال: هذا غزِّي لكل شجاع صبور ولكل باسل جسور، وإن لم يكن من أهل غزة، فيعامل هذا اللفظ معاملة ما ليس منسوبا، فلا تكون الياء في (الغزيّ) للنسب حقيقة عند إرادة وصف الشجاع، وليس هذا بدعا في اللغة. قال المرادي: “قد تكون الياء في الأصل ‌للنسب ‌الحقيقي ثم يكثر استعمال ما هي فيه حتى يصير منسيا أو كالمنسي، فيعامل الاسم معاملة ما ليس منسوبا كقولهم: مَهْرِيّ مهاريّ، وأصله البعير المنسوب إلى مَهْرَة قبيلة من قبائل اليمن، ثم كثر استعماله حتى صار اسما للنجيب من الإبل”[1].

وإذا كان الاسم “‌العلم قد ‌يتصور ‌منه معنى ما يتعاطاه المسمى به والمنسوب إليه ثم يشتق منه، نحو قولهم: تَفَرْعَن فلان إذا تحرَّى في فعله الجور الذي كان يتعاطاه فرعون”.[2] وكان معنى العزة قد استقر في لفظ غزة لجهادها وصلابتها حتى جُعِلت لفظة (العزة) صفة لها مقرونة بها، فقالوا: غزة العزة، فإننا ندعو إلى توليد معنى يُشتق فعلُه من غزَّة، فيقال: استغزّ بمعنى: عـزّ واستبسل، وصار ذا جلد وصبر، وصار متصفا بصفات أهل غزة، فإن الفعل (اسْتَغَزَّ) على وزن (اسْتَفعل)، ومن معاني هذه الصيغة الصيرورة كما تقول استرجل الغلام إذا صار رجلا [3]، فإذا أردت أن تأمر أحدا بالصبر وتحثه على الجلد فقل: استغزّ، وإن أردت منه أن يكون رجلا يفعل فعل الرجال فقل: استغزّ كما تقول (استرجِلْ) في اللغة المعاصرة، أي أن (استغَزَّ) في هذا الموطن مرادفة لـ(استرجَلَ) عند المعاصرين.

وغزة مثل الشكيمة في شدتها وتمنعها واستعصائها على المحتل، ومثلها في صلاح الاشتقاق منها، لأن الشكيمة فِي الأصل: “حدِيدَة اللجام المعترضة فِي الْفَم التي عَليها الفأس وهي التي تمنع الفرس من جماحه فَشبه بهَا أَنَفَة الرجل وتصلبه فِي الْأُمُور َما يمنعهُ من الهوادة وَترك الْجد والانكماش فَقَالُوا: فلَان شَدِيد الشكيمة لِأَنَّهُ إِذا اشتدت تِلْكَ الحديدة كَانَت عَن الجماح أمنع، ‌واشتقوا ‌مِنْهَا قَوْلهم فِي صفة الْأسد: شكِـم”[4]، وهل اعترض المحتل شيء مثل غزة؟ وهل وسم الغاصب الصهيوني بشكيمة مثل غزة؟!

وإذا كانت صيغة (تَفَرْعَنَ) تعبِّر عن فعل كفعـل فرعون، فإن الفعل (تصهين) – كما هو مستعمل في اللغة المعاصرة- يعبر عن قبائح الصهاينة وأفعالهم وأفعال من يواليهم ويشايعهم، ويستعمل أيضا مجازا لوصف من يفعل القبائح والرذائل. على أنه لا يُقال: تصهين لكل مجرم جبان أو خسيس لئيم أو رذل حقير بل يقال تصهين لمن بلغ الغاية في تلك الأوصاف لأن الصهاينة غاية في القبائح والرذائل، فإن أُطلق على من هو دون ذلك فإنما هو من باب المبالغة، ووصف الموالين للصهاينة من بني قومنا بـ(الصهاينة العرب) حقيق لكل من أعان الصهاينة وساعفهم وأيدهم، ولو كان تأييدهم بأمر حقير ضئيل، فالله سبحانه وتعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ‌لَا ‌تَتَّخِذُواْ ‌الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ ‌لَا ‌يَهْدِي ‌الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

على أن بعض من تصهين من العرب أو المسلمين كان أشد وطئا وصهينة من الصهاينة أنفسهم، بل الأدهى والأمر أن نجد دولا تزعم أنها تحمل لواء الإسلام، تتصدر دفاعا عن الصهاينة، وترد عنهم كل سوء كاد يلحق بهم، فأي خزي وعار وشنار أشد من هذا الصنيع؟! فالله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى