قصر الحمراء بغرناطة.. أحد أروع القصور في تاريخ العمارة الإسلامية
أسماء صبحي
يعد قصر الحمراء بغرناطة من أعظم وأروع الآثار الأندلسية الباقية، وهو قصر أثري وحصن شيده الملك باديس بن حبوس في مملكة غرناطة خلال النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي. ويقع على بعد 267 ميلاً (430 كيلومتر) جنوب مدريد على هضبة على ضفة نهر حدرّه اليسرى شمال شرقي غرناطة. حيث بني باديس بن حموس سورًا منيعًا حول الهضبة، وبنى داخل هذا السور قصرًا أو مركز حكومته، وسميت “القصبة الحمراء”، وصار قصر الحمراء جزءًا منها.
وبعد سقوط دولة الموحدين استوطن بنو الأحمر الذين ينحدر جدودهم من قبيلة الخزرج الأزدية، أسرة حكمت غرناطة في أواخر العصر الإسلامي بالأندلس. واستمرت حتى سقوط غرناطة في عصر آخر ملوك بني الأحمر أبو عبد الله محمد عام 1492.
سبب تسمية قصر الحمراء
احتار المؤرخون في سبب هذه التسمية بـ”الحمراء”، فهناك من يقول إن المادة التي بُني بها كانت حمراء. وآخرون يتحدثون أنه سمي كذلك نسبة إلى مشيّديه بني الأحمر الذين كان يوصفون بهذا اللون.
واتخذ محمد بن الأحمر النصري ثانى ملوك بنى الأحمر مركزه في القصبة عام 635هـ/ 1238م. وأنشأ داخل أسوارها قصره الحصين واتخذه قاعدة لملكه، وأنشأ حوله عدة أبراج منيعة منها البرج الكبير (برج الحراسة). وبنى حوله سورًا ضخمًا يمتد حتى مستوى الهضبة، وبنى مسكنه الخاص في جهة الجنوب الغربي من الحصن (وسميت القصبة الجديدة باسم “الحمراء” تخليدًا لاسمها القديم من جديد).
ولكى يجلب الماء للقصر، قام بتحويل مجرى نهر حدرّه بأكمله إلى “الحمراء”، وقام ببناء سدٍ يحصر المياه القادمة من الجبال. لتجرى مياهه في قناة مائية ضخمة طولها ستة كيلومترات، ثم الساقية الملكية التي تزوّد “الحمراء” بالمياه.
ولأجل الحفاظ على طهارة المياه وقابليتها للاستخدام في الوضوء، بنيت النافورات التي كانت وظيفتها الأساسية تجديد المياه بشكل دائم. وتحسباً لزيادة المياه على الحاجيات، أعطى ابن الأحمر الأمر لتشييد بعض النواعير التي تسمح بتخفيف جريان المياه. وكذلك بعض القنوات التي تصرف المياه الزائدة، دون نسيان بناء خزانات تحتفظ بالمياه تحسباً لمواسم الجفاف.
المعجزة الكبرى
تقول أميمة حسين الخبيرة في التراث، إن المعجزة الكبرى في هذه المدينة المصغرة، هي ساعة الأسود التي تم إتمامها في عهد محمد الخامس. والتي تحتوي على اثني عشر أسداً، كان ماءها يخرج من فم كل واحد منها على رأس كل ساعة، كأنها “بيج بن” الخاصة ب”الحمراء”.
وأصافت حسين، أنه نتيجة لمحاولة الأسبان معرفة طريقة تشغيل هذه الساعة الخرافية بحفرهم لبعض الجوانب من حولها. فقد توقفت الساعة عن العمل بشكلها المعروف، وصار الماء يخرج اليوم من أفواه الأسود جميعها في وقت واحد.
وأشارت إلى أنه في عهد السلطان أبو الوليد إسماعيل زاد في القصر واهتم بجماله. وفى عهد السلطان يوسف أبي الحجاج الذي كان ملكًا شاعرًا وفنانًا موهوبًا. ازدادت الحمراء فخامة ورونقا وجمالا، فقد بنى معظم الأجنحة والأبهاء الملكية. وأغدق عليها من روائع الفن والزخارف، وبنى باب الشريعة المدخل الرئيسي حاليًّا للحمراء.
ولا زال القصر يتحدث عن مملكة غرناطة، التى كانت ذات حضارة متلألئة في سماء شبه جزيرة إيبرية على نحو مائتي سنة. ثم انطفأت مشاعلها فظهرت مبانيها كقبور الموتى دون حياة..