قبائل و عائلات

الأعشي بن قيس.. “صناجة العرب” وأشهر شعراء الجاهلية

أسماء صبحي 

الأعشي بن قيس، هو الشاعر الفحل ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد ابن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. يعود نسبه إلى نزار بن معد بن عدنان، كنيته أبو بصير، ولقبه الأعشي. أحد أفراد الطبقة الأولى بين شعراء الجاهليّة كما صنّفه ابن سلّام الجمحي في كتابه الطبقات. وكان أهل الكوفة يقدّمونه على كلّ شعراء الجاهليّة، حيث قال عنه محمد بن مروان إنّ الأعشى أشعر الناس إذا طرب. كما كان العرب يسمّونه “صنّاجة العرب”، والصنّاجة آلة موسيقيّة كانت معروفة عند العرب في ذلك الوقت. وسمّي الأعشي بذلك لجودة شعره، وقد أدركَ الإسلام إلّا أنّه لم يسلم. وكان عبد الملك بن مروان يحثّ الناس على إنشاد شعره.

حياة الأعشي بن قيس

كان الأعشي من الشعراء الذين يتكسّبون بشعرهم، بل هو أوّل من تكسّب بشعره كما يذهب طائفة من مؤرّخي العرب. كان كثير التردّد على الملوك وذوي الجاه والسلطان يمدحهم لينال ما في أيديهم من مال ونحوه من الأعطيات. وقد كان يتردّد على آل جفنة الغسّانيّين ملوك الشام، ولكنّه كان أيضًا هجّاء. لا يهجو رجلًا إلّا وضعه مهما كانت منزلته عالية. وقد جرّ عليه الهجاء كثيرًا من المتاعب؛ فقد أُسِرَ ذات يوم لأنّه هجا رجلًا من كلب. فصار الناس يعيّرون الكلبي بهجاء الأعشي له. وذات يومٍ أغارَ الكلبيّ على قومٍ كان الأعشى نزيلًا عندهم. فأسرَه في جملة من أسَرَ وهو لا يعلم أنّه قد أسرَ الأعشى الشاعر.

بينما الأعشي عنده مرّ شريح ابن السموأل الشاعر المعروف، فناداه الأعشي وأنشده شعرًا يذكّره فيه بعهد أبيه ووفائه وغيرته. فكان الكلبي يعرف شريحًا، فذهب شريح وطلب الأعشي من الكلبي فأعطاه إيّاه. ثمّ فرّ الأعشي بعد أن أخذ ناقةً من شريح. وعندما علم الكلبي أنّه أطلق الأعشي ذهب إلى شريح وطلب أن يراه، فوجده قد فرّ، فسعى وراءه فلم يدركه. ولكنّ مديح الأعشى قد جلب له من النعم أكثر ممّا لقي من الهجاء بكثير. وكانت العرب تهاب الأعشي لسلاطة لسانه ولأنّ شعره يطير بين العرب وينتشر كالنار في الهشيم.

مسيرته الأدبية

ولد الأعشي في قبيلة من أشعر قبائل العرب، وفي قول لحسان بن ثابت إنّها أشعر قبائل العرب. فقد سئلَ حسان بن ثابت يومًا عن أشعر الناس فقال: “أشاعرٌ بعينه أم قبيلة”؟ فقالوا له بل قبيلة. فقال: “الزّرق من بني قيس بن ثعلبة”، ففي هذه القبيلة التي تعجّ بالشعراء ولدَ الأعشى ونبغَ فيهم. فاتخذ سبيله في الشعر أن يمدح الناس لينال ما عندهم من المتاع والأموال والأنعام والإبل ونحو ذلك من الأعطيات. فصار الناس فيما بعد يقصدون الأعشي ليمدحهم ويعلو ذكرهم بين العرب، فبذلك نال الأعشي منزلة عالية في الشعر، فصار أستاذ الشعراء في الجاهليّة.

لمّا ذاع صيت الأعشى بين العرب كان الناس يقصدونه ليمدحهم. وأكثر ما ذكِرَ في ذلك عنه هو أنّ الناس الذين يكون لهم بنات كثر كانوا يقصدون الأعشي ليشبّب بهنّ فيعلو ذكرهنّ فيتزوّجهنّ الناس. ومن ذلك ما حدث مع رجلٍ يقال له المحلّق الكلابي، وكان المحلَّق هذا عنده ثماني بنات. فأشارَت عليه زوجته أن يذهب إلى الأعشي ويعطيه ناقته الوحيدة، فإذا تزوجت بناته فإنّ الله سيعوّضه عنها. فقام إلى الأعشي وكان في سوق عكاظ، فأخذ بخطام ناقته ودعاه إلى بيته، فأظهر بناته أمامه وحكى له قصّته معهنّ. فخرج الأعشى من داره يجرّ الناقة وراءه حتى انتهى إلى الناس، وجعل يمدح المحلَّق على الملأ.

لم يقم الأعشي من مجلسه في ذلك السوق هو والمحلَّق حتى تزوجت بناته كلّهنّ. وفي ذلك دليل واضح على منزلة الأعشي الأدبيّة في عصره، وبأنّه وصلَ إلى ما وصلَ إليه بعد زمن طويلٍ من قرض الشعر وعرضه على النقّاد. وقيل إنّه كان من الذين يعرضون شعرهم على النابغة الذبياني في سوق عكاظ شأنه شأن الخنساء. فلا شكّ أنّ كلّ تلك التجارب قد صقلَت موهبة الأعشي التي قد ورثها عن قبيلته، وجعلَته في عداد عظماء الشعر العربيّ الذين أثروا المكتبة العربيّة بأعذب الأشعار وأحسنها وأجودها صناعة.

مدحه للنبي

ذكر ابن كثير -وغيره من المؤرخين- في البداية والنهاية أنّ الأعشي في آخر حياته اتجه إلى مدينة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قاصدًا النبي -عليه الصلاة والسلام- ليسلم. وكان قبل أن يتجه إلى المدينة أنشدَ قصيدة في مدح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- . ويضيف ابن عساكر أنّه لمّا كان في مكة أو قريبًا منها إذا بجمعٍ من مشركي قريش يعترضه وقد سمعوا أنّه يريد الإسلام. فسألوه أين تريد؟ فقال إنّه يريد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليعلن إسلامه.

كان معهم آنذاك أبو سفيان بن حرب وكان سيّد مكّة بعد هلاك رؤوس الكفر آنذاك. فقال أبو سفيان للأعشى: إنّ محمّدًا يمنعك الزنا، فقال إنّه قد كبر ولم يعد به حاجة للنساء، فقالوا يمنعك القمار، فقال ربما يعوضني بما عنده. فقالوا إنّه يمنعك الخمر، فقال إذًا أرجع فأنهي ما عندي من الخمر ثمّ أعود عامي القادم. فقالوا له إنّهم الآن في هدنة، والغالب أنّه صلح الحديبية، فقالوا إذا كان العام القادم فإمّا أن نكون قد ظهرنا عليه فتبقى عندك وإمّا أن يظهر علينا فتعود وتسلم.

أمر أبو سفيان بتجهيزه بمئة إبل قائلًا: “يا معشر قريش، هذا الأعشي والله لئن أتى محمدًا واتّبعه ليضرمَنّ عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مئة من الإبل”. فجمعوا له مئة من الإبل وأخذها، ولكن في طريقه قرب اليمامة رمى به بعيره فوقع عنه ومات، ودفنَ في مكانه. فكان الفتيان يخرجون إلى قبره ليشربوا عنده، فكانوا إذا أرادوا الانصراف رمَوا ما كان من فضلات شرابهم على قبره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى