الملكة صفية.. من جارية في سوق الرقيق إلى حاكمة الدولة العثمانية
أسماء صبحي
ولدت صوفيا بيلوجى بافو (الملكة صفية) عام 1550 في البندقية. وهى الابنة الوحيدة لعائلة غنية من عائلات البندقية. فقد كان والدها حاكمًا لها وحرص على تعليمها تعليمًا جيداً
في الثانية عشر من عمرها اختطفها احد القراصنة العثمانيين لببيعها في سوق الرقيق في اسطنبول. فاشترتها السلطانة نوربو والدة السلطان مراد الثالث بعد أن قامت بتغير اسمها من صوفيا إلى صفية.
افتتن الامير مراد الثالث بالجارية صفية ذات الشعر الأشقر، والعيون الواسعة وقامتها الممشوقة وجمال روحها. ولم يمض عام على دخولها الحريم، حتى أنجبت له ولدًا أطلق عليه أبوه اسم محمد خان (محمد الثالث). ولهذا حظيت صفية بلقب السلطانة دون بقية الجواري والحريم. فقد أصبحت هي الشخصية الثالثة في القصر السلطاني بعد السلطانة الوالدة نوربانو وأخته “أسما سلطان”.
قصة الملكة صفية
وتبدأ قصة الملكة صفية مع وفاة زوجها السلطان مراد الثالث. فعندما دخل مراد في دور الاحتضار، وبدأت الاستعدادات لإعداد جثمانه للدفن وإجراء مراسم العزاء في القاعة الكبرى لقصر السلطنة. أسرعت صفية إلى ولدها محمد خان تطلب منه سرعة الجلوس في صدر القاعة على مقعد العرش ليكون مستعداً لاستقبال المعزّين بصفته السلطان الجديد.
بحث محمد خان حوله فلم يجد أحداً من إخوته الثمانية عشر لمشاركته في تقبّل العزاء. وعندما سأل أمه عن سر تخلفهم عن الحضور، اخبرته بانهم ذهبوا لضريح والدهم ليكونوا في استقبال جثمان أبيهم عند الدفن.
ولم يكن محمد الثالث يدري أن إخوته الثمانية عشر غير الأشقاء قد نزلوا جثثاً هامدة الواحد تلو الآخر مخنوقين. حيث دبرت الملكة صفية الأمر مع عدد من مماليكها ليقوموا بخنقهم في غرفهم في وقت واحد في سكون. ويحملوهم في جنح الليل وينفّذوا أمر السلطانة بأن تسبق أجسادهم جثمان السلطان قبل إنزاله إلى الضريح.
أخرست صفية ألسنة الناس، وقبل أن يواري السلطان التراب نشرت في العاصمة خبرًا تردد الناس في تصديقه. يقول: “أصبح محمد بن مراد صاحب العرش الوحيد باسم محمد الثالث، أما إخوته، فقد اختفوا بعد أن حاولوا قتل السلطان”. وهكذا دبرت صفية ليكون العرش لولدها وحده.
استغـلت السلطانة صفية تعلـق ابنها بها، واستسلامه لها، فجعلت تدس الدسـائس في الخفاء للانتقام من أعدائها ومزاحميها. وأصبحت هي صاحبة الكلمة الأولى في القصر.
عزل الملكة صفية
و استمرت تلك المرأة الداهية مسيطرة على ابنها محمد الثالث وتحكمت بأمور الدولة وتسيرها كيفما شاءت. وعندما توفي حاولت أن تهيمن على حفيدها أحمد الثالث. ولكن الأخير أبعدها عن البلاط وعزلها في قصر منيف شيده لها على البسفور.
اخذت صفية تبحث عن وسيلة تخلد بها ذكراها بعد أن أفل نجمها. فوجدت ضالتها في مسجد بالقاهرة فى منطقة الداودية قرب شارع محمد علي بالقاهرة. يشيده “عثمان أغا بن عبد الله” أحد مماليكها الذي أعتقته بعد خدمته في بلاط الحريم، باعتباره خصيا. فحضر إلى مصر وشرع في تشييد المسجد عام (1019هـ / 1610م ).
توفي عثمان اغا قبل أن يكمل البناء، فسعت السلطانه إلى تمكينها من المسجد برفع دعوى أمام القاضي. بزعم أن عثمان أغا كان عبداً لها ومملوكاً ولم تعتقه. وأنها لم تاذن له ببناء جامع أو وقف أرض، وبهذا لا يحق له تسجيل الجامع باسمه.
تشييد مسجد الملكة صفية
وبالفعل صدر حكم شرعي بتمكينها من المسجد فعينت “إسماعيل أغا” ناظراً شرعياً على أوقاف المسجد. وكلفته بإتمام البناء، ووضع لوحة تأسيسية تخبر زوار المسجد بأنه من تشييد الملكة صفية، تحت إشراف إسماعيل أغا.
عينت صفية للمسجد خطيباً كما عينت له خدما بتولون حفظ المصاحف ونظافة المسجد ومنهم من اختص بالبخور والتعمير والزراعة. ومنهم من اختص بتحفيظ قراءات القرآن الكريم. فضلاً عن قراء يقومون بتلاوة القرآن والدعاء لها بطول العمر، ليزوره ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﻣﻴﺎً.
ويعتبر مسجدها من أهم المساجد العثمانية بالقاهرة. ويعد ثالث مسجد يقام بها على طراز المساجد العثمانية ذات القبة المركزية بعد جامع سليمان الخادم “سارية الجبل” بالقلعة، وجامع سنان ببولاق. وهو من المساجد المعلقة إذ يرتفع البناء عن سطح الأرض بنحو أربعة أمتار. ويتم الصعود إلى أبوابه الثلاثة بواسطة درج دائري من 16 درجة.
وافتها المنية في 10 نوفمبر 1605. ودفنت في مقبرة مراد الثالث في مسجد أيا صوفيا باسطنبول. ولكن لم يعرف سبب وفاتها.