قبيلة بني حسان.. رحلة العرب من الهجرة إلى الهيمنة في صحراء المغرب الكبير
أسماء صبحي – عندما نتتبع مسارات التاريخ في المغرب العربي نجد أن القبائل العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية قد تركت بصمتها العميقة في البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية لشعوب المنطقة. ومن بين هذه القبائل برزت قبيلة بني حسان باعتبارها إحدى أهم القبائل العربية التي امتد نفوذها من المغرب إلى الصحراء الغربية وموريتانيا. بل وصل تأثيرها إلى تشكيل الهوية الاجتماعية واللغوية في مناطق واسعة من الصحراء الكبرى.
أصول قبيلة بني حسان
ترجع أصول بني حسان إلى بني معقل وهم بدورهم فرع من القبائل العربية التي نزحت من الجزيرة العربية خلال القرن الحادي عشر الميلادي. وقد ارتبطت هجرتهم بما عرف بالهجرة الهلالية حيث دفعت الظروف الاقتصادية والسياسية في المشرق مجموعات كبيرة من العرب إلى الرحيل نحو شمال إفريقيا. واستقرت بني حسان في البداية بالمغرب الأقصى بين نهر ملوية ومنطقة تادلة. ثم سرعان ما توسعت نحو الصحراء مستفيدة من طبيعتها البدوية المقاتلة وقدرتها على التكيف مع بيئة قاسية.
لم يكن حضور بني حسان مجرد وجود بشري عابر، بل شكل تحولاً جذرياً في موازين القوى بالمغرب الكبير. فقد اصطدمت هذه القبيلة بالقبائل الأمازيغية الصنهاجية التي كانت تسيطر على طرق القوافل التجارية عبر الصحراء.
رسم ملامح الحياة البدوية
ومع مرور الوقت تمكنت بني حسان من فرض هيمنتها على مساحات واسعة لتصبح اللاعب الأساسي في رسم ملامح الحياة البدوية الصحراوية. وبفضل قوتها العسكرية فرضت على القبائل الأخرى أنماطاً جديدة من الولاء والخضوع. الأمر الذي أدى إلى نشوء نظام اجتماعي هرمي كان له أثر بالغ في تكوين المجتمع الموريتاني لاحقاً.
اللغة كانت إحدى أبرز أدوات هذا التحول. فقد حملت بني حسان معها لهجة عربية خاصة تطورت مع الزمن لتصبح ما يُعرف اليوم باللهجة الحسانية. وهذه اللغة لم تكن مجرد وسيلة للتواصل بل تحولت إلى وعاء ثقافي نقل الشعر والأنساب والتقاليد من جيل إلى جيل حتى غدت رمزاً للهوية في مناطق واسعة من الصحراء الغربية وموريتانيا.
ومن خلال انتشار الحسانية، تمكنت القبيلة من ترسيخ الحضور العربي وتعميق الروابط بين سكان الصحراء والفضاء العربي الإسلامي الأوسع. غير أن التأثير الأعمق لبني حسان لم يكن لغوياً فقط بل كان أيضاً اجتماعياً وسياسياً. فقد أدى نفوذهم إلى تقسيم المجتمع الموريتاني إلى طبقات متباينة حيث شكّلت القبائل الحسانية الطبقة المحاربة المهيمنة. بينما انقسمت باقي المكونات إلى فئات أدنى مثل القبائل الزاوية ذات الطابع الديني والعلمي والقبائل الزراعية، فضلاً عن طبقات المستعبدين. هذا النظام الاجتماعي أرسى دعائم سلطة ممتدة لعقود طويلة، وظل أثره قائماً حتى العصور الحديثة.
حروب القبيلة
خلال القرون اللاحقة خاضت بني حسان صراعات عديدة أبرزها حرب “شرببه” أو “حرب الشواء” في القرن السابع عشر. وهي مواجهة ضروس مع القبائل الزاوية التي حاولت الحد من نفوذهم العسكري. وقد انتهت الحرب بانتصار بني حسان ما رسخ مكانتهم كقوة حاكمة وجعلهم المرجعية العليا في الصحراء. وبهذا النصر، ثتبتت البنية الاجتماعية القائمة على التفوق العسكري والسياسي للقبائل الحسانية، وهو ما منحهم سيطرة شبه مطلقة على المجتمع الموريتاني لقرون متعاقبة.
من الناحية الاقتصادية، استفادت بني حسان من موقعها الاستراتيجي في الصحراء. إذ تحكمت في طرق التجارة العابرة التي ربطت المغرب بالمشرق وإفريقيا جنوب الصحراء. القوافل المحملة بالذهب والملح والعبيد كانت تمر عبر أراضيهم. وهو ما منحهم موارد مالية عززت قدراتهم العسكرية ورسخت هيمنتهم.
كما ارتبطت أنشطتهم الاقتصادية بتربية الإبل والماشية. وهو ما ساعدهم على الاستقرار في بيئة صحراوية قاسية تتطلب صلابة وقدرة عالية على التكيف.



