حوارات و تقارير

وفق إحصائيات رسمية.. هجرة 2.5 مليون أوكراني إلى روسيا بسبب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية

دعاء رحيل
 
أسفر عن حرب روسيا في أوكرانيا أبعاد اجتماعية وإنسانية واسعة بحكم تداخل الشعبين اجتماعيا وثقافيا على مدى عقود طويلة، فالروس من أصول أوكرانية يحتلون المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان في روسيا، ووفق إحصائيات رسمية يقدر عددهم بنحو مليوني شخص.
 
لكن بعد العام 2014 انتقل أكثر من 2.5 مليون أوكراني إلى روسيا بسبب الأزمة السياسية وتردي الأوضاع الاقتصادية، قبل أن تبدأ بعدها موجة جديدة من الهجرة بلغت ذروتها مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وشملت إضافة إلى سكان دونيتسك ولوغانسك مواطنين أوكرانيين، ولا سيما من منطقتي خيرسون وزاباروجيا وغيرهما، وتقدر أعدادهم -حسب مصادر رسمية- بنحو مليون شخص.
 
وفي هذا السياق قالت فيرا فاسيلينكو -وهي أوكرانية تعيش منذ العام 2014 في روسيا وتعمل مربية في حضانة أطفال في موسكو- إن “روسيا قد لا تكون الخيار الأفضل من حيث مستوى الدخل وسهولة الحصول على العمل، لكنها الأفضل من حيث سهولة الاندماج في المجتمع نظرا للروابط التاريخية بين الشعبين والتداخل العرقي والتشابه في اللغة والتقاليد والعادات والقرب الجغرافي”.
 
كما أضافتفاسيلينكو في تصريحات صحفية، أن الأوكرانيين الذين انتقلوا إلى روسيا ولا ينوون العودة إلى أوكرانيا يواجهون صعوبات، فرغم محاولة السلطات الروسية تبسيط حياة المهاجرين الأوكرانيين فإنها لا تستطيع تقديم كل ما يحتاجون إليه، لذلك، يتولون بأنفسهم مهمة البحث عن السكن وكسب المال وغير ذلك من ضرورات الحياة، مضيفة أنه “لا شيء يأتي بسهولة”.
 
وترفض فاسيلينكو المزاعم عن وجود معاملة عنصرية أو حالات تمييز تجاه ذوي الأصول الأوكرانية أو تجاه المهاجرين من أوكرانيا، لكنها تشير في المقابل إلى أن “هذا الوضع لا يمنحهم امتيازات خاصة ويعاملون كغيرهم من مواطني الاتحاد السوفياتي السابق”.
 
 

حضور وتداخل تاريخي

يعود الوجود الأوكراني في روسيا إلى مئات السنين، فنسبة لا بأس بها من الروس تعود جذورهم إلى أوكرانيا، وذلك نتيجة منطقية للتجاور الجغرافي والتداخل الثقافي واللغوي والعرقي والوحدة الدينية.
 
وشكلت نسبة القادة السوفيات من الأصول الأوكرانية أو من ولدوا هناك حصة الأسد في منظومة الحكم منذ الثورة البلشفية في العام 1917 وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991.
 
ومن أبرز هؤلاء مؤسس الجيش الأحمر ليف تروتسكي، ولازار كاغانوفيتش (اليد اليمنى لستالين)، والأمناء العامون للحزب الشيوعي: نيكيتا خروتشوف وليونيد بريجنيف وقسطنطين تشيرنينكو، وميخائيل غورباتشوف الرئيس الأول والأخير للاتحاد السوفياتي بعد تحول منصب القيادة من الأمين العام إلى الرئيس.

وجهة مغرية للهجرة

ومع بداية الأزمة واسعة النطاق التي عاشتها أوكرانيا بعد فرار الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في فبراير 2014 ووصول القوى السياسية التي انفتحت على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى السلطة بدأت تطفو على السطح ملامح التحلل الجيوسياسي للدولة الأوكرانية مع خسارة شبه جزيرة القرم واندلاع الصراع المسلح في دونباس، وما رافق ذلك من أزمة اقتصادية عميقة في البلاد ساهمت إلى حد كبير في استفحال ظاهرة هجرة الأوكرانيين إلى الخارج، خاصة روسيا.
 
ولطالما شكلت روسيا إحدى أهم وجهات الهجرة لمئات الآلاف من الأوكرانيين، ولا سيما قبل اندلاع الحرب، وذلك نتيجة للعوامل التالية:
 
تمنح التشريعات الروسية للأوكرانيين فرصة عبور الحدود بدون تأشيرة والإقامة دون عوائق في البلاد لمدة 90 يوما من لحظة الوصول، والشهادات المدرسية أو الجامعية الأوكرانية معتمدة في روسيا دون الحاجة لتصديقها أو معادلتها، لأن التشريعات الروسية تمنح الأوكرانيين الحق في العمل في حال توفر شهادات أوكرانية.
 
وإذا كان الانتقال إلى أي دولة أوروبية -قبل الحرب- يحتاج إلى إتقان لغتها فإن الأمر في الحالة الروسية أسهل كثيرا بالنسبة للأوكرانيين، لأن اللغتين الروسية والأوكرانية متشابهتان جدا، فأغلبية الأوكرانيين يجيدون اللغة الروسية منذ الطفولة، لذلك لا توجد أي مشاكل في التواصل اللغوي، إضافة إلى غياب العوامل التي تعيق اندماج الأوكرانيين في المجتمع الروسي، بسبب توافق العادات والتقاليد والديانة.
 
ويعتبر الشتات الأوكراني في روسيا الأكبر عددا، وحاليا -ووفق تقديرات رسمية- يبلغ إجمالي عدد الأوكرانيين في روسيا (من حملة الجنسية الروسية واللاجئين) نحو 4 إلى 5 ملايين أوكراني.
 
 

حرب أخوة

خلافا للأنباء الواردة من أوكرانيا عن تعامل السلطات في كييف بشكل سلبي مع الأسماء والشعارات والرموز التاريخية والثقافية الروسية لم تتعامل روسيا بالمثل، فما زالت المراكز الثقافية ومراكز تعليم اللغة تعمل بشكل طبيعي، فضلا عن المؤسسات التي تعنى بشؤون الجالية الأوكرانية في روسيا.
 
وينطبق الحال نفسه على المطاعم الأوكرانية العريقة، مثل كورتشما وتيريموك وتيشين بورش وغيرها، ومن المعروف أن المطبخ الأوكراني يحظى بشعبية كبيرة لدى الروس.
 
ومن الصعب الحديث عن وجود تمييز عنصري تجاه المواطنين الأوكرانيين داخل المجتمع الروسي حتى بعد اندلاع الحرب، فالنظرة العامة تجاه الأحداث لدى المواطنين البسطاء توضع -كقاعدة- في خانة النزاعات السياسية، ويقتصر الموقف بدرجة أساسية على انتقاد دور أوكرانيا في المواجهة بين روسيا والغرب، والتعامل مع المواطنين الروس والرموز الثقافية الروسية والسوفياتية في البلد الجار.
 
كما لم تسجل أي مضايقات تذكر ضد الأوكرانيين أو حالات أجبروا فيها على تغيير أعمالهم أو تركها أو مغادرة البلاد، وعلى المستوى الرسمي لم تطرأ أي تغييرات في القوانين والتشريعات الروسية تجاه المواطنين أو الشركات الأوكرانية في روسيا، مع الإشارة إلى قرار جزء من هؤلاء مغادرة البلاد بشكل طوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى