تاريخ ومزارات

معركة القادسية.. بداية غروب شمس إمبراطورية المجوس

أسماء صبحي
 
قضت معركة القادسية على معظم قوة الدولة الفارسية، وكانت إيذانًا بغروب شمس إمبراطورية المجوس، وكان الناس من العرب والعجم والرومان ينتظرون ما تنجلي عنه هذه الوقعة الهائلة حتى قيل إن الجن قد حملوا بشارات النصر في أرجاء المعمورة، وسوف نتناول في هذا المقال أحداث معركة القادسية بالتفصيل.
 

اليوم الأول: يوم أرماث

كان جيش المسلمين يبلغ عدده نحو ستة وثلاثين ألفًا، وكان قائدهم هو الأسد “سعد بن أبي وقاص”، بينما يبلغ عدد جيش الفرس نحو مائتين وأربعين ألفًا و يقودهم “رستم” ومعهم سلاح المدرعات المكون من ثلاثة وثلاثين فيلاً ضخمًا، ووقع الصدام في أول يوم عندما هجم الفرس بكل قوتهم وركزوا هجومهم على قبيلة “بجيلة” التي كانت تمثل خمس الجيش تقريبًا.
 
وكان السبب وراء ذلك التركيز الهجومي من جانب الفرس، هو أن رجلاً من ثقيف خان المسلمين في أحرج ساعاتهم وارتد عن دين الإسلام والتحق بالعدو، ودلهم على أماكن القوة في جيش المسلمين.
 
وأصدر “سعد” قرارًا سريعًا لإنقاذ “بجيلة” فأمر قبيلة “أسد” وقبيلة “بني تميم» برد الهجوم الفارسي على “بجيلة”، وكان لسلاح الفيلة الفارسي أثر بالغ في المسلمين، ذلك لأن خيول المسلمين لم تكن قد رأت الأفيال من قبل، فنفرت منها بشدة، وقد أصدر “سعد” توجيهًا لكتيبة خاصة من أمهر الفرسان، بهدف تحطيم السروج الخشبية المقامة على ظهور الفيلة.
 
وبالفعل نجح “عاصم بن عمرو” في مهمته، وخرج سلاح الفيلة من القتال مؤقتًا، وانتهى يوم أرماث وكان لصالح الفرس تقريبًا بسبب الخيانة وكذلك الفيلة.
 

اليوم الثاني: يوم أغواث

أصدق وصف لهذا اليوم، أنه يوم الخدع الحربية، فلقد أرسل عمر بن الخطاب إمدادات من الشام إلى المسلمين بالعراق، بنحو ستة آلاف مقاتل، وكان في مقدمة هذه الإمدادات “القعقاع بن عمرو” الذي قام بإدخال الإمدادات إلى أرض المعركة على مراحل مع إثارة أكبر قدر من الضوضاء والغبار، ليظن الفرس أن المسلمين قد جاءهم إمدادات ضخمة.
 
وكان لقدوم “القعقاع بن عمرو” مفعول كبير في نفوس المسلمين، فقد كان بطلاً شجاعًا ماهرًا في إثارة العزائم، فكان يوم أغواث هو يوم البطولات ويوم القعقاع كله، وفيه كان قتال أبي محجن الثقفي البطولي، بعد أن خرج من محبسه، وفيه كان استشهاد أبناء الخنساء الأربعة، وفيه كان مقتل أكبر قادة الجيش الفارسي بعد “رستم” وهو “بهمن جاذويه”، وفيه كانت الخدعة الحربية التي قام بها “القعقاع” عندما ألبس جمال المسلمين خرقًا وبرقعها بالبراقع، فصار لها منظر مخيف عندما رأتها خيل الفرس نفرت وفرت هاربة، وكان هذا اليوم كله لصالح المسلمين.
 

اليوم الثالث: يوم عماس

في هذا اليوم قام القعقاع بخدعة حربية جديدة، عندما لاحظ تقدم الفرس بعد أن نزل سلاح الفيلة ميدان القتال مرة أخرى، فأرسل مجموعة من الجيش تسللت خارجة من المعسكر، ثم عادت كأنها إمدادات جديدة، فزادت حماسة باقي الجيش الإسلامي.
 
وكان “سعد” القائد العام للمسلمين قد كلف مجموعة مختارة من خلاصة أبطال المسلمين، للقيام بعملية في غاية الخطورة، ألا وهي قتل الفيل القائد لكل الفيلة وهو فيل سابور الأبيض، والفيل الآخر وهو “الأجرب” وانتدب لهذه المهمة أربعة نفر “القعقاع بن عمرو”، وأخاه “عاصم بن عمرو”، وهما لقتل الأبيض، و”حمّال بن مالك”، و”الربيل بن عمرو” وهما لقتل الأجرب، ونجح الأبطال الأربعة في المهمة، وقد توقف القتال بعد أن قام “طليحة الأسدي” باختراق صفوف الفرس.
 

ليلة الهرير

في هذه الليلة اشتعل القتال بين المسلمين والفرس واشتد القتال بصورة لم ير الناس مثلها من قبل ولا في التاريخ كله، ولم يسمع ليلتها سوى هرير الناس وصليل السيوف، وقاتل المسلمون والفرس قتالاً صار مضربًا للأمثال بعدها، ومقياسًا لشدة الحروب، وشد المسلمون بكل ضراوة على قلب الجيش الفارسي، ومما يدل على شدة القتال في هذه الليلة أن المسلمين قد استشهد منهم قبل ليلة الهرير 2500 شهيد، وفي ليلة الهرير وحدها استشهد 6000 مسلم.
 
ثم جاءت اللحظة الحاسمة في هذه المعركة الخالدة، وذلك عندما قام البطل المسلم “هلال بن علفة” بقتل القائد العام للفرس “رستم”، وبعدها انهارت معنويات الجيش الفارسي ووقعت عليهم الهزيمة، حتى أن الشاب اليافع من المسلمين كان يسوق ثمانين رجلاً من الفرس أسرى، ويشير المسلم إلى الفارسي فيأتيه فيقتله، وربما يأخذ سلاحه الذي عليه فيقتله به، وربما أمر رجلين من الفرس فيقتل أحدهما صاحبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى