آداب وعادات الضيف عند البدو
حاتم عبدالهادي السيد
للضيف مكانة وأهمية خاصة في مجتمع البادية ، وفي شهر رمضان كذلك حيث يتم الترحيب به بحفاوة ،وتترك له مائدة إفطار خاصة به،كي يتم رفع الحرج عنه، وكنوع من الكرم، كما تقدم له المائدة عامرة باطايب الطعام ،وبعد أن يفرغ الضيف من الطعام، ويشرب القهوة أو الشاي، يقوم بالدعاء لأهل المكان.. ويشكرهم للحفاوة الكبيرة، بينما يقوم أصحاب الديوان بقراءة الفاتحة على أرواح الراحلين، واهداء ثواب الطعام لهم.
كما تقدم بعد الطعام أطباق الحلويات الشرقية من «القطايف والكنافة والزلابية وحلقة الأصبع وبلح الشام وغيرها»، كما تقدم عصائر الفاكهة على المائدة البدوية السيناوية.
كما تجتمع النساء والفتيات لتناول الإفطار فى المنازل، طوال شهر رمضان الكريم.ولقد بدأت تتراجع تلك العادات والتقاليد الجميلة بشكل كبير، لكنها لا تزال موجودة إلي الآن أيضًا .
وعند آذان المغرب يتم توزيع التمر والمياه والعصائر، ثم يؤدون الصلاة ، وبعدها يقبلون علي المائدة. وحين انتهاء الطعام يجلسون لشرب القهوة والشاي الأخضر والأسود.
السامر السيناوي والشعر والغناء
بعد انقضاء صلاة العشاء، ثم صلاة التراويح ، يبدأ البدو في اشعال النار في حطب شجر العادر والزيتون والخوخ، ليبدأ السامر بالشعر والغناء، ويبتدأ السامر بالمديح والشعر الديني، وينشد المنشدون أغانٍ من التراث البدوي الديني،الذي يبدأ فيه البداع أو المنشد بذكر المولى عز وجل، والصلاة علي النبي العدنان محمد بن عبدالله أشرف الخلق والمرسلين ، ثم يبدأ في الإنشاد الجميل، ويتم التصفيق بالأيدي ،وقد يرقصون بالدق علي الأرض كنوع من النشوة والشعور بالسعادة والبهجة ” الرزعة ” أو ” الرزيع “، ويظل السامر ممتدًا حتي قرب موعد السحور، فيرجعون إلي بيوتهم للسحور مع النساء والأطفال
الديوان والمندرة بالمنازل لإستقبال الضيوف
كما توجد في كل بيت من بيوت ومنازل مدينة العريش في الحضر حجرة مستقلة عن المنزل يطلق عليها الديوان أو المندرة أو المقعد ؛ وفي البادية ” الشق ” المصنوع من الخوص ونبات العادر ” عريشة ” ،والمندرة معدة ﻻستقبال الضيوف والزوار، وفيها يتناولون الإفطار فيأتي الضيف إليها دون استئذان وهي مخصصة لذلك طيلة شهر رمضان، وهنا يتجسد كرم الإنسان العربي الأصيل وتستخدم المندرة مكانًا للتسلية والسمر بعد صلاة التراويح مع تناول الحلوى مثل الكنافة واللحوحى والمشروبات والعصائر والقهوة والشاي بالحبق حتى موعد صلاة التهجد، وبعد ذلك ينصرفون إلى منازلهم لتناول وجبة السحور التي تتكون من الفراشيح واللبن الحامض ” الرايب “، والجبن المصنوع من لبن الماعز.
ولا تشارك النساء الرجال في حلقات السامر – في شهر رمضان فقط – بل تقتصر الليالي علي المديح ،وحضور الرجال والشباب والفتيان من الأطفال الذكور، وليس البنات كذلك .
عادات الأطفال في ليالي رمضان
تنتشر في سيناء الفوانيس المصنوعة من الأقمشة الملونة المعروفة باسم ” الخيامية”التي تشتهر بها الأجواء الرمضانية، فيما يظهر الفانوس الخشبي بكثافة؛ كما توجد حديثًا الفوانيس المصنوعة من الصاج والبلاستيك والملحق بها أغانٍ كما في كل الأقاليم المصرية الحديثة .
ولقد كنا كأطفال – قديمًا – في مدينة العريش نضع ” شمعة ” في ” الكوز ” – وهو عبارة عن علبة من علب الصفيح من علب السمن أو المأكولات ونربطها بحبل، أو بسلك مقوى؛ كي نحمل به الفانوس، أو الكوز- ونغني الأغاني المحفوظة في كل القطر المصري :
حالو يا حالو ..حالو ياحالو رمضان كريم ياحالو
فك الكيس وادينا بقشيش نروح ما نجيش يا حالو
كما كان الأطفال يغنون قائلين :
“وحوي يا وحوي إياحة”..
وهي تحريف لجملة هيروغليفية كان الغرض منها الترحيب بالقمر، فكان المصريون يستقبلونه بأنشودة جميلة عند عودته، وهي «وحوي يا وحوي إياحه»، وتعني «إكليلاً وترحاباً بمجيء وعودة القمر»،, فكان المصريون يتغنون بها كل ليلة قبل ظهور هلال كل شهر، ويحتفلون بظهور القمر نحو اثنتي عشرة مرة في السنة.
وكان الأطفال يقفون على أعلى تبة رمال في المنطقة، وعند سماع آذان المغرب فإن الكل يجري إلي بيته ليخبر الأهل بموعد الآذان .
روحانيات رمضانية وقداسة خاصة
ولشهر رمضان قدسية خاصة؛ وروحانيات لا غنى عنها فى البادية السيناوية، لما للشهر الكريم من قدسية مميزة حيث يظهر روح التواصل والتكافل الاجتماعى والوحدة بين أبناء القبائل والعائلات، وتضفى قدسية الشهر الفضيل المحبة والمودة بين الجميع ؛ فضلاً عن حرصهم على نبذ الخلافات جانبًا، والاحتفال بشهر رمضان من خلال عادات وتقاليد بدوية موروثة من أسلافهم وأجدادهم منذ مئات السنين، حيث تؤكد على القيم والسلوكيات الحميدة، وكيفية كرم الضيف، والاحترام المتبادل بين الكبير والصغير، والتعاون، وتلك قيم البادية الأصيلة .