كتابنا

د. صلاح سلام يكتب..

القلب يعشق كل جميل

هو بيرم الحريري ولد بالإسكندرية لأسرة تونسية لم يفلح في الكتاب والتحق بالمعهد الازهري ولم يكمل تعليمه لوفاة والده والتحق بالعمل في محل ابيه والذي استولت عليه زوجة ابيه… وتزوج مبكرا في سن ١٧ عاما وعمل مع زوج امه في عمل شاق وتوفت امه فباع بيت ابيه واشترى منزلا صغيرا وفتح محلا لتجارة السمن وفجع بموت زوجته بعد ٦ سنوات من الزواج وتركت له طفلين فاضطر للزواج ثانية واستمر في عمله إلى أن فوجئ بالمجلس البلدي يحجز على دكانه وتجارته فكتب قصيدته الشهيرة التي كانت سببا في دخوله ديار الادب والشعر…يابائع الفجل بالمليم واحدة..كم للعيال وكم للمجلس البلدي كأن امي بل الله تربتها اوصت…فقالت اخوك المجلس البلدي…ونشرت في جريدة الاهالي وطلب موظفو المجلس ترجمتها حيث كانوا من الأجانب…فوثقها في كتيب..وطبع منها ١٠٠ الف نسخة..وقد فطن إلى أن معظم الشعب لايقرأ ولايكتب فاتجه إلى الزجل والشعر العامي..وكان ناقدا لازعا للأوضاع الاجتماعية..وطلب منه سيد درويش أن يكتب له أوبريت يجسد الشخصية المصرية فكتب “شهر زاد”ومطلعه انا المصري كريم العنصرين..بنيت المجد بين الاهرمين… ومن الطبيعي أن تضيق به السلطة ذرعا فنفاه الملك فؤاد إلى تونس بسبب قصيدته”البامية الملوكي والقرع السلطاني” ..ولم تتحمله أرض الأجداد سوى أربعة شهور فهجرها الى باريس..الفجر نايم وأهلك ياباريس صاحيين..معمرين الطريق داخلين على خارجين …ولم يجد فيها عمل فاتجه إلى ليون المدينة المظلمة واستأجر كوخا خشبية على سطح احد البنايات وكان يأكل يوم ويجوع يوم إلى أن عمل في احد المناجم ولكن العمل كان شاقا فاختصر اسمه في جواز السفر وعاد إلى مصر على متن سفينة لميناء بورسعيد ليجد أن زوجته قد حصلت على حكم بطلاقها… والوضع السياسي محتدم وقد تم نفي سعد زغلول وظل يكتب في مجلة الشباب تحت اسم مستعار ولكنها قصائد نارية إلى أن افتضح أمره وتم نفيه مرة أخرى فقد وشى به اهل الادب..واشتغل شيالا في ميناء مرسيليا ثم في مصنع كيماويات ثم مصنع للحرير وقد مرض مرضا شديدا ففصلوه.. إلى أن ساق له القدر الفنان عزيز عيد لد الذي طلب منه كتابة مسرحية مقتبسة من نص اجنبي فكتب”ليلة من الف ليلة” وقد نجحت نجاحا كبيرا فعهد اليه بكتابة المزيد فانقذه من حافة الهاوية وقد علم أن الشيخ زكريا احمد قادما إلى باريس فقابله وطلب منه أن يتوسط له لدى القصر الملكي أن يعود لمصر ام الدنيا.. ومكث ٩ سنوات ينتظر إلى أن أعلنت فرنسا ترحيل كل الأجانب فركب السفينة إلى تونس ومنها إلى سوريا ومنها إلى بورسعيد متخفيا..وطلب من زوج ابنته أن يوصل خطابا منه إلى احد الصحفيين بالاهرام”كامل الشناوي” وطلب من كامل نشره وكان مطلعه”غلبت اقطع تذاكر وشبعت يارب غربة”فعرضه على رئيس التحرير انطوان الجميل والذي استأذن محمد محمود باشا والنقراشي للنشر ومن حسن حظه أنهما كانا من عشاق بيرم.. فنشره الشناوي في الصفحة الأولى.. فاصدر وزير الداخلية قرارا بكف البحث عن بيرم…والتقى بكوكب الشرق عن طريق زكريا احمد ١٩٤٠ فكان اول لقاء في “كل الاحبة اتنين اتنين وانت ياقلبي حبيبك فين”…وانطلقت الإبداعات فكانت الاهات والتي ترددت في غناها لولا اقناع الشيخ زكريا لها وهي الاغنية التي لاقت اعجابات شديدا حتى امتدت مدة التصفيق لها عشر دقائق متصلة ..أما اهل الهوى التي تجسد جلسة ربما تكون في حانة العشاق إذ يميل الخل على خليله يحكي له لحن الشوق فيرد أما بالاه او بلوعة أشد…فيهم كسير القلب…والمتألم واللي كتم شكواه ولم يتكلم…. وهي جلسة السكارى في الحب والهيام حتى الثمالة بعد أن فاتوا مضاجعهم واتجمعوا صحبة وانا معهم..وشمس الأصيل التي دهبت خوص النخيل في صفحتك يانيل مرة وياجميل مرة اخرى في صورة شعرية على ضفاف النهر الخالد وبصحبة الناي الذي على الشط غنى فرقصت القدود وتراها من طيب الكلام تميل على صفحة نهر النيل…ورائعته”حلم” التي تحلق فيها إلى عنان السماء بطيرنا وعلينا وعلينا لاعوزال بينا ولاحد حوالينا وتكتشف وانت في نشوة القلب التي وصلت بك إلى الشريان الاورطي لتضخ الوجد إلى كل أطراف خلاياك..لتستفيق انه كان مجرد حلم وطار مع الاحلام…وياريته دام ودام النوم…وغنيلي شوي شوي..و٣٣ اغنية للسيدة ام كلثوم رافقه فيها الشيخ زكريا والقصبجي ..وقد حصل بيرم على الجنسية المصرية ١٩٥٤ حيث كان من كبار المؤيدين لثورة يوليو ومنحه الرئيس عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية…بعد رحلة شاقة من الكفاح والصعلكة فقد اتهم بالكفر والالحاد وهاجم شيخ الازهر “محمد بخيت” الذي كان يعارض سفر سعد زغلول إلى باريس حيث كان متفائلا بهذا الوفد فكتب”يابت نلت استقلالك وهل هلالك..جل جلالك.. رغم العزول” وسورة أربعين سعد زغلول وسورة الستات وغيرها والتي كان يحاكي بها سور القرأن…ولكنه عدل عن هذا وقال انه لايقصد ذلك ابدا عندما عرف عدم جوازه وقد سمعت هذه الرواية من الشيخ علي جمعة واستغفر ربه واحرقهم وقد قال فيه احمد شوقي..ان زجله فوق مستوى العبقرية ..وقال طه حسين أخشى على الفصحى من عامية بيرم…ولكنه كان ايضا يؤمن بأن النقد امتداد للنبوة ولولا النقاد لهلك الناس ولطغى الباطل على الحق وامتطى الاراذل ظهور الافاضل وبقدر ماينخفض صوت الحق يعلو صوت النفاق.. وان الاغنية مدرسة تستطيع أن تعطينا قيمة سليمة او تدس لنا سموما خبيثة…وقد من الله عليه بالحج اواخر عمره فكتب القلب يعشق كل جميل وكان قد لحن مطلعها زكريا احمد ولكن اللحن لم يعجب ام كلثوم فتركتها…ويشاء القدر ان يلحنها السنباطي وتغنيها كوكب الشرق بعد نحو عقد من وفاته بلحن عبقري عاش وسوف يعيش ربما لعقود طويلة و كانت آخر اغنياتها على المسرح ١٩٧٢ وقيل انه كتبها وهو في الروضة الشريفة…مكة وفيها جبال النور طلة على البيت المعمور.. فوقنا حمام الحما عدد نجوم السماء…جينا على روضة هالة من الجنة فيها الاحبة تنول..تنول كل اللي تتمناه..فيها طرب وسرور وفيها نور على نور…وتنتهي… بياريت حبايبنا ينولوا مانلنا يارب توعدهم يارب.. يارب واقبلنا.. لتحزم حقائبها إلى عمرة ثم يشد السنباطي الرحال إلى حج بيت الله…وعدنا الله واياكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى