سلاحه رمح من قصب الخيزران..الرجل البدوي مقاتل مغوار في الحرب العالمية
دعاء رحيل
تتعارض خصائص البدوي من جوانب كثيرة مع المفاهيم الحقوقية لحضارتنا الأوروبية الحالية» أو مع مفاهيم عرب المدن الراقين. إن السمات الملازمة لحياة البدوي هي الحاضنة التي تطورت فيها أكثر رذائله الأساسية: أعني ريبته» وطمعه غير المحدود وغضبه السريع الاشتعال» وانزلاقه السريع إلى العنف. والحق» فإن البدوي يدرب وهو طفل على القيام بأعمال سرقة» على أن يمارسها تجاه القبائل الغريبة فقط عندما يصبح رجلاً.
رغم هذا يعتبر البدوي شخصاً يعتمد عليه إلى أبعد حد. فهو يحترم علاقة الأخرة» ويفي بوعوده ويلزم نفسه بهاء إلا في حالات نادرة جداً .
حتى الحرب العالمية؛ كان سلاح البدو يقتصر على رمح من قصب الخيزران يصل طوله إلى حوالى ستة أمتار» إلى جانب السيوف والخناجر. أما بنادقهم القديمة الطراز التي يكثر استخدامها دون أن يكون عددها كبيراً مع ذلك» فكانت أقل خطورة من أسلحة الطعن والضرب. آنذاك» كان يوجد عدد قليل جداً من الرماة بين البدو وكانت الأسلحة الحديثة الفعالة» والبنادق» والمسدسات نادرة إلى أبعد حد. أما الآن فيوجد لدى كل بدوي تقريباً بندقية بمغلاق أو بندقية قصيرة الماسورة.
تحتل الغزوات» غزوات القبائل بعضها ضد بعض» أهمية قصوى بالنسبة لحياة البدو منذ أزمنة يصعب التفكير فيها. يرى البدو في ممارسة الغزو حقاً أبدياً. لا عجب أن الغزو يتم اليوم أيضاً بالطريقة عينها التي يصفها شعراء العرب القدماء ومؤرخوهم» وأن نتائجه تسوى وفق قوانين الصحراء الأبدية غير المكتوبة» التي تذكر من بعض جوانبها بتقاليد الفرسان قطاع الطرق في العصر الأوروبي الوسيط .
بذلت حكومتا الإنتداب الفرنسية والإنجليزية جهوداً كبيرة من أجل القضاء على عادة الغزو ولكن دون جدوى. ربما كان الملك الهمام عبد العزيز آل سعود أكثر توفيقاً منهما في الحد منها داخل الجزيرة العربية. ويقال الشيء نفسه عن العراق الان. غير أن تقليد الغزو سيعيش بالتأكيد لفتره طويلة قادمة في نفوس البدو.
حتى الحرب العالمية كان من يقومون بالغزو يقتصرون بالدرجة الأولى على الفرسان المسلحين بالرماح. وكان عبء القتال يقع على أصحاب الجياد. ذلك أن الغزوات الصغيرة كانت تنفذ بصورة حصرية تقريباً بواسطة الخيول بينما الغزوات الكبيرة التي يشارك فيها مئات البدو أحياناً وتتطلب أسابيع من المسير قبل الوصول إلى العدو فكانوا يقومون بها بمعونة الجِمال بينما يقتادون خيولهم إلى موقع الغزو. كان الخيالة يمتطون جملاً لكل رجلين. وحين يظهر العدو كانوا يمتطون الجياد تاركين لراكبي الجمال الاستيلاء على الغنائم وتغطية ظهور وجوانب المقاتلين. وكان الغزاة يميلون إلى الاستيلاء على قطعان المراعي البعيدة» القليلة الحماية . فإن أخفقوا أو أحسن من أغاروا عليهم الدفاع عن أنفسهم،أو لاحقوا المهاجمين تحول القتال. كما حدث طوال قرون عديدة إلى سلسلة اشتباكات
متفرقة هي نوع من المبارزة يتطور إلى أن يصير شيئاً أشبه بألعاب الفروسية. يستطيع الفارس الأضعف الذي يمتطي جواداً أو جملاً منهكاً إنقاذ حياته بأن يتخلى عن سلاحه وجواده للعدو. عندما يقتنع الغزاة أن أعداءهم يفوقونهم قوة يرون أن من حقهم وواجبهم ولا يتعارض بأي حال مع ميلهم التقليدي إلى القتال والإتكال على سرعة جيادهم أو جمالهم» والفرار ‘بشجاعة’ .
إن الغزوات التى لا يحمل البدوي خلالها إلا ما يحتاج أشد الحاجة إليه من غذاء وماء هي عمل يتطلب أعلى قدر من الصلابة والقدرة على تحمل الحرمان؛ يشارك أبناء الشيوخ فيه وهم لا يزالون أطفالاً. إنه لأمر يحتاج دون أي شك إلى قدر هائل من الشجاعة أن يقوم بدو موزعون على مجموعات صغيرة في أغلب الأحيان.
________________________________________
المرجع:
ماكس أوبنهايم آرش برونيلش فرنركاسكل_البدو