“في عشق البنات .. أنا اخدت نايبي اليوم” .. من هو عبده أبو حديدة رائد فن النميم

“قالتلي بريدك ياولد عمي .. تعال دوق العسل سايل على فمي .. على مهلك عليي مابحمل الضمي .. على مهلك علي ده انا حيلة أبوي وأمي” .. بهذه الكلمات التي ألفها الشاعر العبقري “عبده أبو حديدة” وغناها الفنان محمد منير، اكتسب أبو حديدة شهرته في عالم الفن القبلي، وبالرغم من استفسارات الغالبية العظمى من الشباب الذين لم يجدوا إجابة واضحة عن مؤلف الأغنية وشاعرها الأصلي، إلا أن صوت القبائل العربية فتحت الباب لمعرفة فنوننا القبلية وشعرائنا، والذي يعتبر أبو حديدة أبرز هؤلاء الشعراء والذي تميز خلال مسيرته بفن النميم.

وتشتهر القبائل العربية بفن النميم، وهو أحد أبرز الفنون القبلية التي جاءت إلى مصر مع دخول عمرو بن العاص في العام الثامن عشر من الهجرة، وتحتضن قبائل العقيلات والعبابدة والأنصار والبشرية هذا الفن منذ نشأته، وللنوبة نصيب الأسد في عدد الشعراء الذين اهتموا بفن النميم أمثال شحات عثمان وعبده أبو حديدة، وعمر أبو دياب، وعبدالحميد العوني، وجادو النور.

وأبو حديدة الذي يعد رائد هذا الفن القبلي هو عبده أحمد عوض سالم من قبائل عرب العقيلات . ولد في قرية ” شاترمة ” بالنوبة القديمة عام 1922 و غادرها في عام 1934 إلي الأسكندرية ليقيم عند شقيقه , و امضي بها بضع سنوات و بعدها جاء إلي القاهرة التي قضي فيها ما يقرب من خمسين عاماً إلي ان وافته المنية سنة 1984.

وكانت له صولات وجولات في ليالي العُربان, فلم تكن مناسبة سعيدة إلا وكان علي رأسها.

وكان رحمه الله يستنبط فنه من البيئة التي تعتبر المهاد الطبيعي لهذا الفن. ومن أشهر أعماله :

قالت لي بريدك يا ولــد عمـّى

تعال دوق العسل سايل على فمـّى

على مهلك علي ما بحـْمـَل الضمـّى

على مهلك علي أنا حيلة أبوي وأمّى

وهي التي غناها محمد منير بعنوان «فى عشق البنات». واشتهر أبو حديدة بمدح الرسول (صلي الله عليه وسلم), كما اشتهر أيضاً بالغزل . وكان يتغزل ثم يعلن أنه لا يستبيح محرماً, ولا يأتي بريبة.

وفي السطور التالية نماذج رائعة لشاعر نسج من الخيال واقعاً معاشاً وشهد معاصروه له بالتفوق في فن النميم والمربوع أيضاً .

قال شاعرنا في الرسول (صلي الله عليه وسلم):

صــلوا علــى النبي الـما فيه نــبياً متلو

القــرآن نـزل ليه والصحــابة بيـــتلو

نبي ضمن الغزال وكل الكتب شهدت لو

راحـــت رضعت أولادها وعــادت له

وهنا يفخر بنسبه إلي «بني عقيل» حيث يقول :

نحنا ولاد عُقيل من حامية ما بنحيدو

نتـــضاحك إذا نيران حروبها يقـيدو

تلقـي صغيرنا في الفولاذ تخـرّم إيدُه

ما نـركب بلا الفي الليل يطـمّن سيدُه

وعرب العقيلات لهم عادات متوارثة يحافظون عليها تنم عن أصالتهم, فهم كرماء وويوفون بعهودهم، ويجيرون من يلجأ إليهم, وهذه قيم ترفع قدر الإنسان عند العرب. ويقول عنها أبو حديدة :

نـحــنا ولاد عُـقيل أغلب سعينا جــمال

فــرسان نسند الرَّحــل التقيل لو مـــال

فــي الجـود و الكرم بحراً يغطي رمال

وتشـــهد لينا جـيراننا يمـين و شـمال

ويتفاعل الشاعر مع الأحداث المحيطة، كما حدث أثناء تهجير النوبة بأقسامها الثلاثة (كنوز وعرب وفادجا) عام 1963من الشلال إلي كوم أمبو، حيث يتوسط عرب العقيلات منطقة النوبة جغرافيا، يقول أبو حديدة :

الـوطـن الجديد الِّلي العباد راحوا لُه

شدُّوا ولاد عقيل أول عرب فرحوا لُه

قالوا المنـطقة الوسطى إحنا ما بنحو له

ووجود أولاد أعمامه وأهله وذويه حوله في جلسات السمر التي كانت تعقد في أي مناسبة كان يسعده:

من ولدونا قعدات التماسـيح حُزنـا

وبـى مشــياتهم قبل الخلايـق فٌزنـا

النـــاس التشـابه للدهـب في وزنــا

معرفة الرجال شبه الكنوز في خـزن

و قلما نجد شاعراً لم تمتلئ حياته بالحسناوات الملهمات و الجميلات و إن تغيرت معايير ذلك الحسن وذلك الجمال من شاعر إلي آخر .

و إذا تحدثنا عن الغزل عند ابو حديدة فقد كان مبدعاً في هذا اللون , مع امتزاج مفرداته البيئية التي تعطي المتلقي صورة جمالية فائقة الإبداع , و تحتوى على موسيقي لها وقع خاص لدي المستمع . و من الغزليات التي استمتعنا بها من أبو حديدة :

ولا خرجت وسط حلّتها مرقت حايمي

غير ليلها و نهار جوه المسيكات عايمي

حـرام تقتلي الناس اللي جــواك هايمي

دقة لغـمك اللوبه العلي النــيل قايمى

ومن الدرر الجميلة التى تركها لنا أبو حديدة هذا الدور الذى يحتوى على «جناس كامل»

حيث تتحد جميع القوافى فى نفس اللفظ , وكل لفظ منهما له معنى مختلف عن الاخر

الخَـلاّن السنين فوقى البرود والـوارد

أم خـداً مندّى على الفُــلل والـوارد

من أول دربهن منعوا الصّدر والوارد

تلقى حرسها من أهل السّبح والـوارد.