تاريخ الأندلس … (9)
تاريخ الأندلس … (9)
إذ يقود الدهر أشتات المنى
زمرا ؛ بين فرادى و ثنى
——————————————————————–
عبور موسى بن نصير إلى الأندلس و لقاؤه وطارق بن زياد
خاتمة موسى بن نصير وطارق بن زياد رحمهما الله تعالى
الأندلس بعدهما .. و درء الشبهات المتعلقة
——————————————————————–
كان موسى بن نصير من التابعين ـ رحمهم الله تعالى ـ وقد روى تميم الداري رضي الله عنه، وكان عالماً كريماً شجاعاً ورعاً تقياً لله تعالى ، وكان من رجال العلم حزماً ورأياً وهمّة ونبلاً وشجاعة وإقداماً ،
وكان حين وجّه طارقاً لفتح الأندلس كان يتلقى الأخبار ويراقب الأحداث، منذ بدايتها، ويُهيء المتطلبات لإنجاز هذا الفتح الكبير، بهمة المؤمن وإخلاص التقي، ويدعو الله أن ينزل نصره على المسلمين .
وكان موسى بن نصير يعتقد اعتقاداً كبيراً في أهمية الدعاء والتضرع لتحقيق النصر على الأعداء ويعتبر الدعاء من أسباب النصر التي أرشد إليها القرآن الكريم ومارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن الكردبوس: وكان موسى بن نصير حين أنفذ طارقاً مُكبَّاً على الدعاء والبكاء والتضرع لله تعالى، والابتهال إليه في أن ينصر جيش المسلمين، وما عُلم أنه هزم له جيش قط ،
وكان طارق بن زياد على صلة بقائده موسى بن نصير، يفتح الفتوحات باسمه وبتعليماته، ويخبره عن كل شيء أولاً بأول منذ بداية الفتح، ويستشيره فيما يحتاج إليه وقد رأينا كيف طلب المدد قبل معركة وادي لكّة وكان موسى على علم تام بأحوال الفتوح…
وبعد سنة تقريباً من عبور طارق، وتفرق جيشه وتوزيعه على المناطق والمدن التي فتحت ـ خاف طارق أن يُغلب وأن يستغل القوط قلة جيشه، فأرسل إلى موسى يستنجده….
فاستخلف موسى على القيروان ولده عبد الله.. ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم ، وتحرك موسى بجيشه نحو شذونة فكانت أول فتوحاته .
ثم توجه إلى مدينة قرمونة وليس بالأندلس أحصن منها، ولا أبعد على من يرومها بحصار أو قتال فدخلها بحيلة توجهت بأصحاب يُلْيان، دخلوا إليهم كأنهم فُلاّل وطرقهم موسى بخيله ليلاً ففتحوا لهم الباب، وأوقعوا بالأحراس، فملكت المدينة فافتتحها.
وتوجه بعد ذلك إلى أشبيلية جارتها فحاصرها وهي أعظم مدائن الأندلس… فامتنعت شهراً على موسى ثم فتحها الله عليه،..
ثم سار إلى مدينة ماردة وفتح في طريقه إليها لَبْلَة وباجة ثم فتح ماردة صلحاً بعد قتال وجهاد عظيم ، وأقام موسى في ماردة زيادة على شهر يرتب أحوالها وينظم أمورها ويريح الجند من العناء ويستعد لاستئناف السير ،..
ووجه موسى ابنه عبد العزيز من ماردة إلى أشبيلية، وكانت فلول القوط من لبلة وباجة قد اجتمعت فيها وقتلوا العديد من المسلمين، منتهزين فرصة انشغال موسى بحصار ماردة وبلغه الخبر خلال الحصار، فأعاد عبد العزيز فتح أشبيلية ثم فتح لبلة وباجة ، وأصبحت المدن والقرى تتساقط أمام جيوش الفاتحين كتساقط الأوراق من على الأشجار في فصل الخريف.(*1)
——————————————————————–
لقاء موسى وطارق (*2)
في بداية ذي القعدة سنة 94هـ ابتدأ موسى بالسير صوب طليطلة ـ وكتب إلى طارق بالتوجه إليه في مجموعة من جيشه ثم جاءه طارق.
ذكر البعض أن لقاءهما كان عند طليطلة أو قرطبة، ورجح الدكتور الحجي العالم البارز في تاريخ الأندلس: بأن اللقاء كان خارج مدينة طلبيرة التي تبعد 150كم غرب طليطلة ،
ووصل موسى وطارق إلى طليطلة ذو القعدة ـ ذي الحجة أو آخر سنة 94هـ وأقاما بالجيش الإسلامي فصل الشتاء أو جله في طليطلة يرتبون أحولها وينظمون شئونها، ويستريحون ويتهيأون ويخططون لفتح شمال شبه الجزيرة الأيبيريَّة،.
وكتب موسى والقادة الآخرون إلى الخليفة الوليد ـ وربما ليس لأول مرة ـ أخبار الفتح، وضربت العملة الإسلامية لأول مرة في الأندلس وقاما بالدعوة إلى الله وتعليم الناس حقائق الإسلام وشرحه لهم ودعوتهم إليه بعد أن رآه أهل البلاد عملياً في خلق الفاتحين.
ولعلهما أرسلا فرقاً إلى بعض المناطق، فقد كان طارق خبر أحوال طليطلة لاسيما شمالها، إذ كان قد وصل إلى المدينة المائدة (في منطقة وادي الحجارة) .
وأما ما تحدثت عنه المصادر عن قصة الخلاف الذي قيل إنه حدث بين القائدين الكبيرين موسى وطارق، وتبالغ هذه المصادر فترجع أمر هذا الخلاف إلى حسد دب في نفس موسى على مولاه طارق وعلى ما حققه من نجاح، وتنسب إلى موسى أنه أهان طارقاً بأن وضع السوط على رأسه …إلخ،
فهذه روايات ناقشها عدد من الباحثين وأبانوا ضعفها وسقوطها وتفاهتها، ▪︎ كمحمود شيت خطاب ،▪︎ وعبد الله عنان ، ▪︎ ود. عبد الرحمن الحجي ، ▪︎ ود. محمد بطاينة ،
▪︎ ود. عبد الشافي محمد عبد اللطيف ، وغيرهم…
وإن كان حدث شيء فلا يعدو أن يكون مناقشة القضايا أو استفهامه من طارق خطته وإبداء الملاحظات عنها، تخوفاً من الأذى، ….
وعندما استفسر موسى من طارق عن سبب الايغال والتقحم في بلاد العدو، اعتذر إليه طارق بخطته العسكرية أمام الظروف المحيطة والضرورة الداعية لأسلوبه، وقبل موسى عذره.
و لقد سارا بعد ذلك سوية إخوة مجاهدين، ينشرون دين الله ويُعلون كلمته ويبلغون للناس شريعته ، كما لا ننسى أن طارق جندي من جنود موسى والانتصارات التي حققها طارق إنجازات تكتب في صفحة موسى القيادية .
—————-
ومما يدلُّ على تلك العلاقة السامية بين هذين القائدين العظيمين ما جاء في نفح الطيب من أن موسى بن نصير لما سمع بانتصار طارق عبر الجزيرة بمَنْ معه ولحق به، فقال له: يا طارق؛ إنه لن يجازيك الوليد بن عبد الملك على بلائك بأكثر من أن يمنحك الأندلس فاستبحه هنيئًا مريئًا….
فقال له طارق: أيها الأمير ؛ والله لا أرجع عن قصدي هذا ما لم أنتهِ إلى البحر المحيط، أخوض فيه بفرسي -يعني البحر الشمالي أي: المحيط الأطلنطي- من ناحية شمال شبه جزيرة الأندلس . [ المقري: نفح الطيب 1/242].
فكأن موسى بن نصير تنازل عن الأندلس لطارق من قبل أن يأتيه أمر الوليد بالرجوع ؛ لِمَا أُعجب به من عمل طارق وجهاده.(*السرجاني)
————-
وعند انتهاء الشتاء وحلول الربيع سنة 95هـ تهيأ الجيش الإسلامي لترك طليطلة ثم أوغل شمالاً ففتح مدن لاردة ووشقة وطركونة وبرشلونة، كما فتح بلنسية وطرطوشة على الساحل الشرقي للأندلس…
وفي هذا الوقت وصل مغيت الرومي مبعُوثاً من جانب الخليفة الوليد عبد الملك يحمل إلى موسى بن نصير أمر الخليفة بالقدوم إلى دمشق، ولكن فتح الأندلس لم يكن قد اكتمل بعد، …
لذلك لاطف موسى مغيثاً وسأله إنظاره إلى أن ينفذ عزمه في دخول بلاد جليقية واشتوريس ويكمل فتح الأندلس ويكون مغيث شريكه في الأجر والغنيمة ـ أي يصبح له سهماً في القيمة ـ ففعل مغيث ومشى في ركاب موسى إلى جليقية والأشتوريس ففتحها …
وتعقب موسى وطارق فلول القوط حتى اضطرّ هؤلاء إلى الفرار إلى جبال كنتبرية في أقصى الشمال الغربي من الأندلس ، (
ولما تأخرت أخبار موسى قلق الخليفة الوليد على مصير الجيش الذي مضى على وجوده في البعوث ما يقارب أربع سنين، لذلك أرسل الوليد رسولاً ثانياً،
فوصل الرسول الأندلس وموسى في مدينة لَكْ بحُليقية يُوجَّهُ السرايا والبعوث التي بلغت صخرة بلاي التي تقع في الشمال الغربي على البحر الأخضر ـ خليج بسكاي ـ من المحيط الأطلسي،
عند ذلك استجاب موسى إلى الرسول وعاد إلى طليطلة ثم غادرها إلى قرطبة ومنها إلى أشبيلية حيث استخلف فيها ولده عبد العزيز والياً واتخذ منها عاصمة للبلاد، …
ولكن أشبيلية لم تمكث طويلاً عاصمة للبلاد وإنما استعيض عنها بقرطبة منذ عام 97هـ وظلت قرطبة مركز الديار الأندلسية حتى نهاية عهد الخلافة الأموية في الأندلس ،
ويبدو أن موسى اختار اشبيلية عاصمة في هذه المرحلة من تاريخ الأندلس لوقوع اشبيلية في منطقة تتساوى عندها احتمالات الخطر والسلامة، وواجبات الحفاظ على البلاد وحمايتها، فهي لم تخرج إلى الأطراف بعيداً عن الوسط،ولم تقترب من خطوط المواجهة مع الأعداء بعيداً عن بلاد المغرب وإمداداتها .
——————————————————————–
رجوع موسى إلى عاصمة الخلافة دمشق (*3)
غادر ركب موسى وطارق بن زياد الأندلس في ذي الحجة عام 95هـ يحمل معه الأسرى والغنائم الوفيرة والهدايا الثمينة وغيرها من الكنوز، فلما بلغ طنجة ترك ابنه عبد الملك فيها حاكماً، ثم انصرف منها إلى القيروان فأقرّ عليها ابنه عبدالله الذي كان قد استخلفه في أثناء غيابه في الأندلس ،
ثم سار من هناك يريد دمشق فوصلها في عام 96هـ قبل وفاة الوليد …
وقيل إن سليمان بن عبد الملك بعث إلى موسى بن نصير أن لا يدخل دمشق يريد أن ينتظر وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك ثم يدخلها، فتكون علامات الفتح ودلائل النصر من الأسرى والغنائم والهدايا فاتحة عهده فيعظم مقامه عند الناس….ولكن موسى خالف سليمان ودخل،….
فلما ولى سليمان الخلافة حقد على موسى وعزله وحبسه وأغرمه أموالاً كثيرة ، ويبدو أن تدخل يزيد بن المهلب وعمر بن عبد العزيز لصالح موسى، لدى سليمان بن عبد الملك أثمر عن رضا سليمان عن موسى وأصبح فيما بعد عظيم المنزلة،
وكان سليمان يستشيره في بعض الأمور العسكرية، كما هو الحال في الخطة العسكرية الواجب إتباعها في سير الحملة المتجهة إلى القسطنطينية كما أن سليمان كان يخرج إلى بعض أمواله متنزهاً وبرفقته موسى بن نصير ، ….
ويبدو أن سعة البلاد التي صارت إلى نظر موسى وتحت سلطانه وكانت تمتد من غرب مصر إلى جنوب فرنسا، وقيام موسى بتوزيع الحكم فيها على أبنائه، كان مما يثير الشكوك في نفوس أولي الأمر،….
لذلك بادر سليمان حرصاً على وحدة الدولة وسلامتها من الإنقسام إلى عزل موسى بن نصير عما كانت تحت يده من الأعمال ،..
ومن الأسباب التي ذكرت في سبب استدعاء موسى إلى دمشق تخوف الوليد على المسلمين أن يكونوا في أرض منقطعة، ومحاطة بمناطق غير إسلامية وعلى اتصال بها، هي أقرب إليها من العالم الإسلامي أو مراكز ارتباطه واستمداده وهو الذي رأيناه قبل ذلك يعارض فتح الأندلس خوفاً على المسلمين أن يخوضوا المخاطر ويركبوا المهالك حتى بين له موسى ألا داعي للخوف ،
ويرى الكثير من المؤرخين أن موسى بن نصير لم يكن يعتزم التوقف في فتوحاته عند هذا الحد وإنما كان يخطط لعبور جبال البرانس واجتياح أوربا كلها والوصول إلى القسطنطينية وفتحها من جهة الغرب لولا أن استدعاه الخليفة الوليد إلى دمشق وأمره بالتوقف بالفتح عند هذا الحد،
ويؤكد المؤرخون أنه لو قد قدر لموسى بن نصير أن يمضي قدماً في مشروعه هذا لتغير شكل النظام الدولي تماماً ولقضى على القوى غير الإسلامية، ذلك أنهم باستقرائهم النظام الدولي وقتئذ فإنهم يؤكدون أن احتمالات نجاح مشروعه هذا كانت عالية جداً،
فالظروف كانت مواتية جدا لنجاحه وقتها، فمملكة الفرنجة كانت مشغولة وقتها بصراعاتها مع الممالك الأخرى ولم يكن هناك كيان سياسي واحد في أوربا كلها يعادل قوة الدولة الإسلامية أو حتى بدايتها،
ويشير هؤلاء المؤرخون إلى أنه لما قدر للمسلمين في هذه المنطقة قائد كفء بعد عشرين عاماً من ضياع هذه الفرصة كانت الظروف الدولية قد تغيرت لغير صالح المسلمين،
(*يقصد عبد الرحمن الغافقي)
فلما حاول هذا القائد إحياء مشروع موسى بن نصير هزم هزيمة ضخمة تدخل في تاريخ العلاقات الدولية بوصفها نقطة تحول وهي معركة بلاط الشهداء ،
وقد تكرست الآثار السلبية لعدم استكمال موسى بن نصير لمشروعه بفشل حصار المسلمين للقسطنطينية بعد ذلك بسنوات قليلة وهو ما أغلق أوربا أمام المسلمين من الشرق بعد أن كانت قد أُغلقت أمامهم من الغرب،
ولقد فشل المحللون في تفسير سبب استدعاء الخليفة الوليد لموسى بن نصير، فبعضهم قائل إنه أشفق على المسلمين من مخاطر هذا المشروع البحري، وبعضهم الآخر يؤكد أن الخليفة إنما خاف على سلطانه من تصاعد نفوذ وقوة موسى بن نصير
وسواء صحت هذه التفسيرات أو أخطأت، فإن ما حدث بالفعل بعد استدعاء موسى بن نصير إلى دمشق، هو تقويض هدف مصيري للأمة ضاعت فيه فرصة ثمينة في فتح أوربا وجعلها تحت نفوذ الدولة الإسلامية .
———————————————————————
خاتمة موسى بن نصير وطارق بن زياد …(*4)
تخبطت الروايات في الحديث عن نهاية موسى وما لقيه من الخليفة سليمان من الأذى والغمط والنكران….
وفي هذه الروايات غموض وتشويش وتناقض ومبالغات كبيرة ، والصحيح أن سليمان كان عاتباً على موسى، لأمر لا نستطيع تحديده على وجه الدقة ثم رضي عنه سليمان وقرّبه منه وأصبح من خاصته ، ….
وكانت بينه وبين سليمان محاورات وتساؤلات فقد قال له سليمان يوماً:
ما كنت تفزع إليه عند الحرب؟
قال: الدعاء والصَّبْر،
قال سليمان : فأي الخيل رأيت أصبر؟
قال :الشُقُر،
قال : فأي الأمم أشدُّ قتالاً ؟
قال: هم أكثر من أن أصف؟
قال سليمان : فأخبرني عن الرُّوم،
قال موسى : أُسْدٌ في حصونهم عِقبان على خيولهم، نساء في مَراكبهم، إن رأَوا فرصة انتهزوها، وإن رأَوْا غلبة، فأُوعال تذهب في الجبال، لا يرون الهزيمة عاراً.
قال : فالبربر؟
قال: هم أشبه العجم بالعرب لقاء ونجدة وصبراً وفروسية، غير أنهم أغدر الناس ….
(*هذا في النص ونعترض عليه *جواهر)
قال : فأهل الأندلس؟
قال : ملوك مترفون وفرسان لا يجبنون،
قال : فالفرنج ؟
قال : هناك العدد والجلد والشدة والبأس،
قال : فكيف كانت الحرب بينكم وبينهم؟
قال : أمَّا وهذا فوالله ما هُزمت لي راية قط ولا بُدِّد لي جمع، ولا نُكب المسلمون معي منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين، ولقد بعثت إلى الوليد بتور(إناء) زبرجد كان يجعل فيه اللبن حتى ترى فيه الشعرة البيضاء …
ثم أخذ يُعدِّد ما أصاب من الجوهر والزبرجد حتى تحير سليمان ..(*أعلام النبلاء الذهبي انظر الهامش)
وقد وصف الذهبي موسى بن نصر بقوله :
” الأمير الكبير، أبو عبد الرحمن اللخمي، متولي إقليم المغرب، وفاتح الأندلس، قيل: كان مولى امرأة من لخم، وقيل: ولاؤه لبني أمية. وكان أعرج مهيباً ذا رأي وحزم ،….
وكان من اصحاب الهمم الكبيرة فقد قال مرّة: والله لو انقاد الناس لي، لقدتهم حتى أُوقعهم على رُومية ثم ليفتحنها الله على يدي ”
وكان موسى بن نصير بوسعه أن يستقل على الخلافة ويقيم ملكاً له ولأولاده في المغرب والأندلس، ولكن إيمانه العميق بتعاليم الإسلام وتمسكه والتزامه بها جعله لا يفكر بذلك حتى إن يزيد بن المهلب ابن أبي صفرة سأله عن ذلك فقال موسى:
《والله لو أردت ذلك ما نالوا من أطرافي طرفاً، ولكني آثرت الله ورسوله، ولم نر الخروج عن الطاعة والجماعة 》
وقد توفي موسى بن نصير رحمه الله تعالى وهو متجه للحج برفقة الخليفة سليمان بن عبد الملك في المدينة المنورة ـ على سكانها أفضل الصلاة والسلام ـ أو في وادي القرى (ط العُلا ، حاليا) أواخر سنة 97هـ .
وقال صاحب معالم الإيمان : توفي بالمدينة متوجهاً إلى الحج وكان قد سأل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة أو يموت بالمدينة فأجاب الله دعاءه ، وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك ، ….
لقد كانت الدنيا وما فيها صغيرة ولا قيمة لها عند موسى بن نصير ويرجع الفضل في ذلك إلى الله ثم نصيحة العالم الجليل أبو عبد الله علي بن رباح اللخمي لموسى بن نصير،
فقد أورد صاحب كتاب رياض النفوس أن موسى بن نصير لما وصل من الأندلس إلى القيروان قعد يوماً في مجلسه، فجاءه العرب يسلمون عليه، فلما احتفل المجلس قال:
《 إنه قد صحبتني ثلاث نعم : أما واحدة فإن أمير المؤمنين كتب إلى يهنئني في كتابه وأمر بقراءة الكتاب، فهنيء بذلك وأما الثانية فإن كتاب ابني قدم علي بأنه فتح له بالأندلس فتح عظيم، وأمر بالكتاب فقريء فهنيء بذلك،…
وكان علي بن رباح ساكتا فقال له موسى: مالك يا علي لا تتكلم ؟ فقال : أصلح الله الأمير، قد قال القوم فقال: وقل أنت أيضاًَ. …
فقال: أنا أقول ـ وأنا أنصح القائلين لك ـ إنه ما من دار امتلأت حبرة إلا امتلأت عبرة، وما انتهى شيء إلا رجع، فارجع قبل أن يرجع بك، فانكسر موسى بن نصير وخشع وفرق جواري عدة..
وقال صاحب الرياض : ونفعه الله عز وجل بموعظة أبي عبد الله بن رباح، فصغرت عنده الدنيا وما فيها ونبذها وانخلع مما كان فيه من الإمارة ،
فرضي الله عن التابعي الجليل، والإداري الحازم، والبطل المغوار، والقوي الأمين، القائد الفاتح، موسى بن نصير اللخمي الذي فتح المغرب الأقصى، واستعاد فتح المغرب الأوسط، وأنه دعم الفتح الإسلامي في الشمال الإفريقي وأنه فتح الأندلس وقسماً من جنوب فرنسا وأنه كان من أعظم قادة الفتح الإسلامي ، ….
لقد مات موسى بن نصير بعد أن ملأ جهاده ـ بقيادة المد الإسلامي المبارك ـ وديان المغرب الإسلامي وجباله وسهوله وهضابه ووجه دعاة الحق لإسماع ساكنيه دعوة الإسلام الخالدة،
——————
أما عن البطل الكبير طارق بن زياد، فلا نكاد نعرف عما حدث له بعد وصوله دمشق غير أن رواية تذكر رغبة سليمان في تولية طارق الأندلس ، وبعد ذلك قضى آخر أيامه مغموراً فهل عاد إلى المغرب والأندلس؟ أم بقي في دمشق ..
ولا يستبعد أن يكون عاد إلى الأندلس أو المغرب ،
(*سنناقش هذا في الفقرة القادمة إن شاء الله)
كان طارق من البربر(*وسناقش ذلك أيضا بإذن الله) وكان عامّة جنوده كذلك، فيهم شجاعة وإقدام، فقد تربوا في أحضان الإسلام وعلى تعاليم القرآن الكريم وأصبحوا أصحاب رسالة خالدة صنعت منهم الأبطال، وقدموا في سبيل دينهم وعقيدتهم الغالي والنفيس،
بل نجزم بأن الجيوش الإسلامية الضاربة التي اصطدمت بالأسبان اعتمدت بعد الله على إخواننا من البربر الذين اندفعوا خلف طارق في سبيل هذا الدين ونشره، إن العقيدة الإسلامية صهرت المنتسبين إليها عرباً وعجماً في رحاب الإسلام العظيم .
——————————————————————–
الأندلس بعد موسى بن نصير(*5)
تولى الأندلس منذ عودة موسى بن نصير إلى دمشق وحتى قيام الإمارة الأموية سنة 138 حوالي عشرين أميراً،
كان أولهم عبد العزيز بن موسى بن نصير الذي ألقى أبوه بزمام الأندلس بين يديه، وكان خير خلف لخير سلف، فقط ضبط الأمور وسد الثغور وافتتح مدائن كثيرة وكان من خيرة الولاة ،
ولكن لم تطل مدة عبد العزيز في حكم الأندلس، فقد قتله بعض جنده غيلة لأشياء نقموها عليه، وكان ذلك في مستهل رجب سنة 97هـ ،…
وأعقب مقتل عبد العزيز بن موسى فترة من الاضطراب، ومكث أهل الأندلس شهوراً لا يجمعهم والى أو زعيم .
حتى اجتمعوا على أيوب بن حبيب اللخمي ابن أخت موسى بن نصير ، وكان أيوب رجلاً صالحاً فاضلاً ولكن مدة ولايته لم تطل، ويبدو أن الناس هناك هم الذين نصبوه ليدبر الأمور حتى تعين الخلافة والياً من قبلها،
وقد عينت الخلافة الحر بن عبد الرحمن الثقفي الذي كان أهم أعماله نقل مقر إمارة الأندلس من اشبيلية ـ إلى قرطبة . كما كانت له غزوات تجاوز بها حدود بلاد الأندلس إلى بلاد الفرنجة ونواحي أربونة، فسبى وغنم وقفل(عاد) بالأسارى والغنائم ،. ..
وقد أدى انشغال الحر الثقفي بالغزو في الشمال الشرقي إلى انتعاش حركة المقاومة المسيحية ـ في المنطقة التي لم يتمكن المسلمون من فتحها وهي المنطقة الشمالية الغربية بزعامة بلاي ، مما اضطره إلى العودة للقضاء على تلك المقاومة،…
وبينما هو مشغول بذلك عزله الخليفة عمر بن عبد العزيز 99 ـ 101هـ وعين مكانه السمح بن مالك الخولاني 100هـ ـ 102هـ .
——————————————————————–
(*1)- وفيات الأعيان (5/318 ـ 319) .
-العبر في خبر من غبر للذهبي (1/116) .
-التاريخ الأندلسي صـ67 .صـ68
-التاريخ الأندلسي .صـ74 إلى 76 .
-تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس صـ68 .
-نفح الطيب (1/231)
-التاريخ الأندلسي صـ74 .صـ78
———-
(*2)- التاريخ الأندلسي صـ83 .
-البيان المغرب (2/16) ، العالم الإسلامي صـ316 .
-قادة فتح المغرب (1/251 ـ 255) .
-تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس صـ91 ـ 92 .
-التاريخ الأندلسي صـ90 .
-دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين صـ303 .
-العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ316 .
-التاريخ الأندلسي صـ90 .
-دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين صـ303 .
-نفح الطيب (1/275) التاريخ الأندلسي صـ96 ـ 98 ،
-دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين صـ308 .
نفح الطيب (3/14) .
————
(*3)- نفسه دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين صـ308 .
-الكامل في التاريخ (3/212) .
-خلافة سليمان بن عبد الملك صـ122 .
-دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين صـ309 .
-دولة الإسلام في الأندلس (1/54)
-التاريخ الأندلسي صـ113 .
-الدولة الأموية دولة الفتوحات صـ44 .
————–
(*4) -التاريخ الأندلسي صـ126 .
-خلافة سليمان بن عبد الملك صـ123 .
التور : الإناء
-سير أعلام النبلاء (4/499).(4/496 ، 497) (4/499)
-الشرف والتسامي صـ279 .
-تاريخ علماء الأندلس (2/146) التاريخ الأندلسي صـ127 .
-نفح الطيب (1/283) .
-معالم الإيمان (1/20) التاريخ الأندلسي صـ128 .
-الشرف والتسامي للصَّلآَّبي صـ281 قادة فتح المغرب (1/221 ـ 309) .
-ياض النفوس (1/119 ، 120) .
-قادة فتح المغرب (1/221 ـ 309) .
التاريخ الأندلسي صـ128 .
-نفح الطيب (3/13) .(3/14)
-دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين صـ309 .
-التاريخ الأندلسي صـ128 .
-فاتح الأندلس طارق بن زياد صـ45 ، 46
————–
(*5) -البيان المغرب (2/24) (2/25) .
العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ320 .
-المسلمون في المغرب والأندلس (1/193) د.محمد زينون .
-دراسات في تاريخ المغرب والأندلس د. مختار العبادي صـ40 ـ 41 .
-العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ321 .
☆ الدولة الأموية للصلابي ص592-587
☆ وانظر قصة الأندلس من الفتح الى السقوط السرجاني
——————————————————————–