المزيد
ميلاد الثقافة الفارسية وبذور كراهية العرب.
ميلاد الثقافة الفارسية وبذور كراهية العرب.
في العصر الهيليني أطلق السلوقيّون على جزء شرق مملكتهم اسم باكتريا Βακτρία وهو تحوير عن اسم عاصمة المنطقة باخترا، مدينة بلخ المعاصرة في أفغانستان. في العهد الأخميني كانت هذه المنطقة هي آريا التاريخية ومهد الثقافة الآرية. وفيها وُلد وعاش زرادشت وفيها كُتب الأڤستا المقدّس وبلغاتها القديمة. ثمّ، سنة 255 ق.م استقلّ بها ضابط حموي من أفاميا اسمه ديودوتُس تروفون Διόδοτος Τρύφων على نظام حكم إغريقي هيليني تبع ديانة الإسكندرية في مصر. وتوسّع منها لتأسيس إمبراطورية باكتريا.
اسم القائد ديودوتُس تروفون معناه “المرهف نعمة زِوس” أو “المترف نعمة زِوس”.
في القرن الأوّل انقسمت باكتريا وانشطرت عنها الدولة الكوشانية البوذية في الغرب، التي صارت في القرن الرابع جزأ من حلف يجمع الرومان الغربيّين والساسان وصين هان. ثمّ تحوّل الحكم فيها إلى الهياطلة، إلى أن هزمهم تحالف تركي-ساساني سنة 670. وتقاسموا البلد ونفوا الهياطلة إلى نجد. وصار ما بقي من كوشان تحت الحماية الصينية باسم طخارستان. ثمّ في عهد عمر بن الخطّاب هادنت طخارستان العرب، ثمّ نقضت العهد في عهد عثمان بن عفّان وحالفت الصين، فأرسل عليها بن عفّان والي البصرة الذي غزاها وضمّها إلى مُلك البصرة وحوّلها أربع ولايات إسلامية.
أمّا القسم الشرقي فبقي على اسمه باكتريا، دولة تركية هيلينية بلغة إغريقية. في القرن السابع احتلّت الصين باكتريا وأطلقت عليها اسم طخارا 吐火羅. ثمّ نصّبت عليها سنة 679 نرسيه بن پيروز بن يزدجرد آخر ملوك الساسان. واستعملته هو وباكتريا (طخارا) لحرب العرب. ومع تولية نرسيه بطخارا نقلت الصين كلّ اللاجئين الساسان إليها، كما فتحت الباب لتدفّق من يريد النزوح عن الحكم العربي على العراق وإيران صوب طخارا. وفي هذا البلد الجديد صارت الپهلويّة الساسانية لغة رسمية، وفيه تطوّرت ما صارت تُعرف فيم بعد باللّغة الفارسية.
والپهلوية هي لهجة بابلية (آراميّة) ممزوجة بالساكيّة الپارثية وبلغة الأڤستا المقدّس. نشأت في عهد الحكم الأشكاني الپارثي للعراق وإيران.
عاشت طخارا منذ عهد نرسيه في ظلّ نظام حكم يكره العرب والترك على السواء. واستمرّت فيها هذه التقاليد حتّى بعد تحوّلها إلى الإسلام في العهد العبّاسي. وهنا في العهد العبّاسي نشأ السامانيّون في القرن التاسع، مسلمون ساسان، لكنّهم يعتقدون بأنّ العرب سرقوا السلطة من أسلافهم.
سنة 820 ولّى الخليفة العبّاسي المأمون خراسان ضابطاً في جيشه اسمه طاهر بن الحسين الخزاعي. وطاهر هو قاتل الخليفة الأمين لمّا انقلب عليه المأمون في أحداث الفتنة الرابعة 809-827. لاحقاً رغب طاهر بن الحسين بالاستقلال في نيسابور بدولة عن سلطة بغداد فاستعان بالسامانيّين واستعملهم في الجيش، وولّى أحفاد الملك سامان؛ نوح، وأحمد، ويحيى، وإلياس، على نواحي طوران (آريا الشمالية). فمكّنوا لغتهم الساسانية من بدن الدولة. ثمّ انقلبوا على العرب وأبادوا ملوكهم سنة 873 وتملّكوا بدلاً عنهم.
أخيراً، انفرطت الدولة السامانية، أوّل دولة فارسية في التاريخ الإسلامي. ونشأ عن انفراطها عدّة دول هي: الغزنوية والقراخانية وبنو إلياس وبنو فريغون وبنو محتاج الچاغانيّين والبويهيّين. ودولة البويهيّين هي التي حملت ميراث السامانيّين فيما بعد، وهي من أحضرت ثقافتهم الفارسية من باكتريا شرقاً إلى قلب العراق. وطالما كان اسم الدولة البويهية هو مملكة فارس نسبة إلى عاصمتها فارس (شيراز المعاصرة)، صارت اسم لغتها الرسمية هو الفارسية، ودرجت من بعدها اسماً للغة الساسان التي أشاعها بنو سامان.
ـ
مؤنس بخاري