عادات و تقاليد

السبرتاية.. أشهر أداة لصنع القهوة قديمًا عند العرب

أسماء صبحي
 
“السبرتاية” مايسترو مسك السيرة والثرثرة الأسرية ونميمة العجائز وإفشاء الأسرار، صديقة الجدات والأرامل وأرباب المعاش، تؤنس وحدتهم وتشاركهم حكاياتهم وكلامهم الغارق في رائحة الماضي والذكريات.
 
ملكة الحكايات، على فتيلتها الواهنة يتم استدرار واسترجاع الماضي وأحداثه، فيمتلئن بالشجن، لذا يصاحب لهيبها دموع كثيرة، فهي مسكينة وضعيفة وناعمة وهادئة وصابرة، ومع ذلك فأجمل وأحلي فنجان قهوة في العالم ب بـ “وش” يتم إنضاجه على شعلتها الذابلة الصغيرة.
 

شكل السبرتانية

إنها السبرتاية، تلك المرتكزة على ثلاثة أرجل ممتدة والتى يصبح أطرافها قاعدة يوضع عليها الكنكة كي لا تقع أو تسقط، وبطنها المكتنز الصغير الذي يمتليء بالكحول، لديها عين واحدة يخرج منه فتيلة من الكتان لشعلتها، ولها طربوش نحاس، يخمد لهيبها الأزرق الصغير.
 
وعلى لهيب السبرتاية الواهن، تُصنع أحلي ” كنكة بن” أو أحلى “فنجان قهوة”، وهما مسميان يطلقان على أجمل فنجان قهوة يتم صنعه عليها ويمكنك أن تحتسيه في حياتك، وفنجان القهوة المميز يجب أن يكون له “وش” أي وجه على السطح وهي مهارة لا يتقنها الكثيرين الآن.
 
فإذا كنت من عشاق القهوة، فأنت لا تتنازل عن فنجانك الذي صنعته على السبرتاية، حيث شاهدت الكثيرين يأخذونها معه في رحلاتهم وتحركاتهم نظراً لخفتها وصغر حجمها، مرددين دائماً عبارة ” أحسن فنجان قهوة من السبرتاية”، لذا نصف صاحب هذا الطقس بأنه ” صاحب مزاج عال” وله طقوس تحضير فنجان بن أو قهوة، حيث يعتز بنفسه وبمزاجه المتفرد أمام الجميع.
 

صنع القهوة

يضاف إلى ذلك أن رائحة القهوة المعدة على السبرتاية ذات رائحة مميزة لا يمكن أن تنسي مهما سافرت وتجولت واحتسيتها في أي مقهي من مقاهي الدنيا.
 
والسبرتاية لا تقدم هذا الطقس منفرده، فيجب أن تكون معها ” عدة القهوة” والتى تشمل: علبة البن، والكنكة النحاسية ذات المقبض الخشبي، والصينية النحاسية والتى يوجد معهما أربعة أو ست فنجاجين صغيره من الخزف الصيني بدون يد للإمساك بها، وتسمي هذه الفنجاجين “فنجاجين بيشة” وهي مفضله عند كبار السن، ولا يوجد معها أظرف وهي الأطباق الصيني الصغيرة التى توضع عليها الفناجين.
 
وغذاء السبرتاية هو الكحول: ينتج من تخمر السكر والنَّشاء، ويعرف بروح الخمر، لذا تعرف السبرتاية بـ ” الموقد الكحولي” أو ” وابور سبرتو”، نسبة إلى معناها باللغة الإنجليزية Spirit burner = spirit lamp، ومن السبرتو أي الكحل جاءت كلمة سبرتاية.
 
ولا يوجد أحد يستطيع أن ينسي جدته وهي جالسه بعد صلاة العصر على الكنبة المتسعة التى تتسع لأكثر من شخص، وأمامها ” عدة القهوة “، حيث تبدأ في طقوسها اليومية، لمتابعة شئون البيت، بعيداً عن الأب والأم.
 

مزاج السبرتاية

السبرتاية تلك الصغيرة الهادئة صاحبه اللهب الطيب الضعيف الحنون، فعلى لهيبها الضعيف نتلمس دفء العواطف والحب والحنين بشغف للماضي ولأشخاصه وأنفاسهم التى كانت تحيط بنا، وكذلك يرتبط إعداد فنجان القهوة على السبرتاية إلى الحالة المزاجية العالية التى يكون فيها الشخص، كالرقة والحكي والهمس والابتهاج.
 
ولا ننسي ارتباط ” دلق القهوة” أي وقوعها على الأرض أو سكبها فهو فأل خير وحسن، ولا أعرف لهذا سبباً محدداً، كما أن فنجان القهوة المعدة على السبرتاية لا يكتفي بطقس الحكي أو النميمة النسائية أو ذكريات الماضي للجدات، بل يمتد بعد ذلك لفن “قراءة الفنجان”، وهو ما تتقنه العجائز كما تتقن إنضاج السبرتاية القهوة، لذا يتفاءل الكثيرين بهذا، خاصة لو كان الفنجان قادم بأخبار سعيدة أو بقراءه تريح صاحب أو صاحبه الفنجان.
 
كما أن سقوط أحد أدوات القهوة خلال إعدادها، دلّ ذلك على حضور ضيف لا تنتظر حضوره، كما إنه من غير المستحب أن يقوم بإعداد القهوة شخص اعسر، ولا يستحسن أن يدير ملعقته بيده اليسري داخل الكنكة، فذلك ينقص حياته سبع سنوات، يضاف إلى هذا أن فنجان القهوة المصنوع على السبرتاية يجعل الشخص يتحدث بهدوء وقوة ووقار ودون أن يتلعثم، أما إذا شرب شخص من فنجان شخص آخر عرف أفكاره.
 
ولأن الجلسة النسائية حول ” السبرتاية” كانت السبب الأساسي في زواج الكثير من الفتيات عندنا في الشرق، إلا إننا نجد في الغرب الأمر مختلف، ففي إنجلترا، إذا أرادت فتاة أن تختار شاباً زوجاً لها، عليها أن تراقبه أثناء تناوله القهوة، فإذا رأته يضع سكر في فنجانه قبل صب القهوة، تخلّت عنه، باعتباره قليل الميل إلى الإناث.
 

أحد أدوات الزينة

ومع أن السبرتاية النحاس كانت من أساسيات جهاز العروس وهي تنتقل إلى بيت الزوجية، إلا إنه قد تلاشي هذا تماماً اليوم، ولم تعد السبرتاية من أساسيات البيت العصري للعروس، ولم تعد العروس تبحث عنها وهي تشتري شوارها وأجهزة مطبخها، بل إنها اصبحت من أدوات الزينة والديكور لشكلها النحاسي اللامع.
 
لذا فأنها خلال السنوات الأخيرة، أخذت بعدا جماليا، حيث كثر استخدامها كقطعة ديكور في المنازل، ولأنها مصنوعة من معدن النحاس، أتاح ذلك تطويرها بإضافة النقوش عليها عبر فنيي الحفر والنقش اليدوي، بوضع رسوم جميلة وتصاميم زخرفية عليها، وهو ما يجد إقبالا من جانب السياح الأجانب والعرب الزائرين لأسواق خان الخليلي والحسين والأزهر في مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى