المزيد

“معركة العريش “حين سطّر بدو سيناء ملحمة الصحراء ضد الاحتلال

 

كتبت شيماء طه

في قلب الرمال الذهبية، وعلى أطراف سيناء التي لا تنام، دارت واحدة من أشرس المعارك المنسية في التاريخ المصري الحديث: معركة العريش.
لم تكن المعركة بين جيوش نظامية فقط، بل شارك فيها أبناء القبائل البدوية الذين حملوا على أكتافهم عبء الوطن، وقاتلوا بعقيدتهم قبل سلاحهم.

هي حكاية رجال من الصحراء حوّلوا الصمت إلى صرخة حرية، والولاء إلى رصاص في وجه الغزاة.

خلفية تاريخية: العريش على خط النار

معركة العريش وقعت خلال الحرب العالمية الأولى عام 1916، حين حاولت القوات البريطانية السيطرة على شمال سيناء لتأمين طريقها نحو قناة السويس.
كانت مدينة العريش وقتها مفتاح الصحراء الشرقية، فلو سقطت، فُتح الطريق نحو الداخل المصري.
لكن البدو لم يسمحوا بذلك، إذ أدركوا أن الاحتلال يعني ضياع الأرض والعرض، فاختاروا المقاومة بالسلاح والإيمان.

دور القبائل البدوية: حماة الأرض والحدود

كانت قبائل الترابين، والسواركة، والأحيوات، والتياهة في مقدمة الصفوف، يعرفون الصحراء دربًا دربًا، ويجيدون القتال في ظروف قاسية لا تحتملها الجيوش المنظمة.
اعتمدت القوات المصرية والعثمانية على دعم البدو في الاستطلاع والإمداد والتمويه.
فهم الذين دلّوا الجيوش على الممرات السرية، وقطعوا خطوط الإمداد البريطانية، وأخفوا السلاح والمؤن في بطون الجبال والكثبان.

ويُروى أن إحدى القبائل أخفت رسائل المخابرات المصرية داخل جِرار الزيت، بينما تولت نساء البدو نقل المعلومات متخفّيات في زيّ التجار.
لم يكن ذلك مجرّد تعاون عسكري، بل كان تحالف شرف بين الأرض وأبنائها.

صحراء تعرف أبناءها: تكتيك البدو في المعركة

ما ميز بدو سيناء هو ذكاؤهم الميداني؛ فهم لم يواجهوا العدو وجهًا لوجه دائمًا، بل استخدموا حرب العصابات.
كانوا يهاجمون ليلاً ويختفون نهارًا وسط الرمال، يعرفون كيف يضلّلون آثارهم، ويستفيدون من كل جبل ووادي كستار طبيعي.
هذه المهارة أربكت القوات البريطانية وأخّرت تقدّمها، حتى اعترف أحد قادتها قائلًا:

> “نحن لا نحارب جيشًا، بل نحارب الصحراء وأهلها.”

نهاية المعركة وبداية الأسطورة

رغم تفوق البريطانيين بالسلاح، إلا أن معركة العريش كشفت عن قوة المقاومة الشعبية، وأثبتت أن أبناء القبائل لا يُهزمون إلا إذا فرّطوا في أرضهم.
انتهت المعركة بانسحاب تدريجي للقوات العثمانية، لكن القبائل استمرت في المقاومة لسنوات، وظل اسم العريش شاهدًا على أن سيناء لم تركع أبدًا.

في كل حبة رمل من سيناء، فيه أثر قدم بدوي قاتل من أجل مصر دون أن يُذكر اسمه في كتب التاريخ.
معركة العريش مش بس مواجهة عسكرية، لكنها قصة وفاء بين الإنسان والأرض.
القبائل هناك لم تقاتل طمعًا في مال ولا مجد، لكنها حاربت من أجل الكلمة اللي بتتردد لحد النهارده:

“الارض عرض ومش للبيع”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى