تاريخ ومزارات

الحكواتي في رمضان متعة السهرات وسحر الحكايات

ارتبط فن الحكواتي بشهر رمضان منذ أكثر من مئة عام، حيث كان يروي القصص ويأخذ المستمعين إلى عالم الخيال، ليصبح مع مرور الوقت رفيقا لليالي الشهر الفضيل، يجمع الناس حوله في المنازل والمقاهي، لا يقتصر دوره على السرد فقط، بل يجسد الشخصيات بالحركة والصوت، ما يشعل حماس الجمهور ويجعلهم يتفاعلون معه بشغف.

يمتلك الحكواتي خلفية ثقافية واسعة، كما يتميز بقدرته على تطويل الحكايات وتحويلها إلى مسلسل ليلي يستمر طيلة أيام رمضان، ما جعله أحد أبرز مظاهر الترفيه والتثقيف في المجتمعات العربية.

المقاهي مسرح الحكواتي

لعبت المقاهي الشعبية دور المسرح المفتوح للحكواتي على مدار عشرات السنين، حيث يجلس أمام الجمهور ويروي قصصا من السير الشعبية، محمد خير كيلاني، أحد الحكواتية البارزين في حمص، يروي كيف كانت المقاهي في رمضان تمتلئ بالناس الذين يتابعون حكاياته بشغف، ويتفاعلون مع كل حركة يقوم بها أثناء السرد

يوضح أن الحكواتي لم يكن مجرد راوٍ للقصص، بل كان وسيلة للترفيه الجماعي ونشر القيم الأخلاقية من خلال الحكايات التي تمزج بين الواقع والخيال، مثل قصة عنترة، والزير سالم، وذات الهمة، وتغريبة بني هلال، وغيرها من الروايات التي توارثتها الأجيال.

تاريخ الحكاية الشعبية وجذورها

يعود الاهتمام بالحكاية الشعبية إلى القرن الثاني الهجري، خاصة في العصر العباسي عندما ترجم ابن المقفع كتاب كليلة ودمنة، وفي القرنين الثالث والرابع الهجريين ازداد الاهتمام بهذا الفن، وذكر المؤرخ حمزة الأصفهاني أن عصره شهد انتشار ما يقرب من سبعين كتابا للحكايات، كما ظهرت قصص مثل السندباد، والسنور والفأر، ودخلت حكايات ألف ليلة وليلة إلى التراث العربي.

اختلفت الآراء حول أصل الحكاية الشعبية، فبينما يرى البعض أن الشرق العربي هو مهدها، حيث ظهرت لدى البابليين والأشوريين والفراعنة، يرى آخرون أنها جاءت من بلاد فارس والهند قبل أن تصل إلى بلاد ما بين النهرين، واحتفظت كتب المؤرخين مثل الطبري، والأصفهاني، والمسعودي، وابن كثير، بالعديد من هذه الحكايات التي امتزجت فيها المأثورات مع أخبار الملوك، وأحداث من وحي الذاكرة الجماعية.

الحكواتي في دمشق مهنة لا تموت

شهدت دمشق عودة الحكواتي إلى مقاهيها في عام 1990، عندما قرر صاحب مقهى النوفرة إحياء هذه المهنة القديمة، فبدأ الحكواتي رشيد الحلاق بتقديم سرده اليومي بعد صلاة المغرب، ثم استمر في رمضان بعد التراويح، حيث جذب الجمهور بحكايات تجمع بين العبرة والتوعية، من أبرزها قصة الملك الظاهر بيبرس وعنترة بن شداد.

استمر الحلاق في تقديم هذا الفن حتى عام 2014، ليظل الحكواتي رمزا من رموز التقاليد الرمضانية التي لا تزال تحتفظ بسحرها رغم تغير الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى