المزيد

حرب الثلاث مائة سنة بين الجزائر و إسبانيا

يقول أحمد توفيق المدني في كتابه حرب الثلاث مائة سنة بين الجزائر و إسبانيا :
“……….اخترت هذا الموضوع بالذات لأنه يتعلق أولا بميلاد الدولة الجزائرية الحقيقة ، لأول مرة في تاريخنا ، دولة ذات معالم معينة و حدود مرسومة فوق تراب تشكلت منه أرض الوطن و تكونت فوقه وحدة سياسية و اقتصادية و اجتماعية ، بعد الوحدة الدينية التي كانت القاسم المشترك الأعظم ، و قامت على رأسه دولة لا تنتسب إلى عائلة ، و لا قبيلة ، إنما تنتسب لوطن معين ثم اخترقت هذه الدولة ميادين الكفاح و الجهاد ، ثلاثة قرون و نيفا ، مرفوعة الرأس خفاقة الأعلام ، سائرة ضمن دائر الخلافة العثمانية نحو استكمال السيادة المطلقة ، و تحقيق الإستقلال التام . حتى اذا ما ضربها الإستعمار الفرنسي و صرعها حينا من الدهر . اضمحلت شكلا و لم تضمحل روحا ، و سارت تخترق الظلمات ؛ تطفو تارة في قيامات شعبية عارمة ، و ترسب تارة أخرى تحت ارهاق الظالمين . انما استمرت دائما عظيمة الإيمان ، واثقة بالمستقبل ، إلى أن انفجرت طاقات الشعب الجبار عن ثورته العارمة ، فإذا به يدك صروح الظلم و الظالمين ، بين النيران الملتهبة ، و الدماء الغزيرة ، و الخرائب المتراكمة ، و اذا به ينشئ بمحض إرادته ، و بمطلق مشيئته ، دولة الجزائر الجديدة ، فوق نفس الأرض ، و بين نفس الحدود ، التي أقام فوقها في مفتتح القرن السادس عشر ، الدولة الجزائرية الأولى.
فهذه الدولة التي أقامها الشعب بإعانة الأتراك العثمانيين قد ولدت بين فرث الحوادث ، و دم المعارك العالمية ، خلال عصر تغير فيه وجه الدنيا باكتشاف العالم الجديد ، و تغيرت فيه موازين القوة بين الشرق و الغرب ، و تغيرت فيه أساليب الحياة ، و نشأ فيه الصراع الإستعماري الأكبر بين الدول البحرية العظمى ، و اصطدمت فيه الإمبراطوريات الكبرى بعضها ببعض ، ووقفت فيه المسيحية وجها لوجه ، في معركة بقاء بقاء أو فناء ، و أخذت فيه العقول تنطلق من العقال ، و الشعوب تفجر طاقاتها من أجل الحصول على الحرية و الكرامة . فكان اتبثاق فجر دولتنا الجزائرية الأولى وليد ذلك التفاعل ، و نتيجة حتمية لذلك الصراع العنيف ، و كان إلى جانب ذلك ، عاملا أساسيا من هذه العوامل المتشعبة التي حددت أبعاد الملحمة الكبرى ، في الميدانين السياسي و الإقتصادي ، و سبرت أغوارها ، و اشتركت في حوادثها اشتراكا فعليا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى