كتابنا
أشرف العناني.. كزانتزاكس سيناء

حاتم عبد الهادي السيد
أشرف العنانى، كتاب مفتوح على الصحراء، شجرة وارفة الظلال، موسيقا تنساب كنهر على بحر الرمال العظيم، وهناك خلف جبال الفيروز في ” سرابيط الخادم” نقش اسمه على صخرة البهاء، حيث الأبجدية السينائية – أقدم الأبجديات في التاريخ – وحيث القمر يسطع على صحراء الجمال فيندمج جماله مع شعره الأثير : خريف المتوسط، صحراء التيه، عزلة اختيارية، صحراء احتياطية، فرأيناه يمتاح فرشاة الجمال ليرسم صورة مغايرة لسيناء، كتابة أخرى شاهقة، شعر نثرى مغاير، مقالات تضاهى ما كتبه عنها: كزانتزاكس ، والمتنبى، ونعوم شقير، جمال حمدان،وغيرهم.
أشرف أنورالعناني شاعر، وناقد، وروائي، وكاتب للسيرة، يعد من أوائل الذين أسسوا الحركة الأدبية بسيناء، ولقد لقب بعاشق البداوة، وابن الصحراء، عاش في مدينة العريش، ثم انتقل إلى الصحراء بين مدينتى : رفح والشيخ زويد رحَّالاً بين مسقط رأسه في الدقهلية، وبين مروج بنها – مقر سكن أسرته – وسيناء .
ولد الشاعر/ أشرف أنور أحمد عبدالرحمن العنانى في منطقة ” حلمبة الزيتون ” بالقاهرة في الثالث عشر من أكتوبر 1964عام ، ثم أكمل تعليمه الثانوى، والتحق بالمعهد الفنى الصحى بالقاهرة، ليتخرج فيه عام 1978م ثم عمل في مديرية الصحة بالمنوفية وبنها في مجال الطب الوقائي.
أمضى جزءاً من حياته متنقلاً مع الأسرة بين عرب الرمل بالمنوفية ؛وبنها بالقليوبية،والمنوفية ، وقرية العنانية – مسقط رأس العائلة – بمركز ومدينة ميت غمر التابعة لمحافظة الدقهلية ، لكنه آثر الرحيل للعمل بمحافظة شمال سيناء بشكل نهائي اعتباراً من بداية الثمانينيات حتى وفاته في شهر ديسمبر عام 2019م.
وإذا علمنا أنه تحدر من أسرة شريفة فى بنها؛ لعلمنا أن والده الشيخ / أنور العناني من مؤسسي الطريقة العنانية هناك، ولقد انضم شاعرنا إلى الطريقة فظهر أثر التصوف فى شعره ، وفى كتاباته، وفى تعاملاته الإنسانية.
ولقد بدأ أشرف العنانى – وهذه شهرته – حياته الأدبية شاعراً، ولقد ذاعت شهرته أكثر حين سكن سيناء ليكون متحدثاً عنها في كل أعماله، وعبر ترحاله بين المدن والقرى والأماكن في ربوع سيناء ؛ثم اتجه للنشر؛ وصدر له أول ديوان شعرى: “عزف منفرد ” عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 1996 م،ثم ديوان “صحراء احتياطية ” عن دار شرقيات عام 2012م .
ولكونه عاشقاً لسيناء فقد قام بعمل مدونة على شبكة الأنترنت بعنوان : ” سيناء حيث أنا ” – وقد لاقت شهرة واسعة ؛ فقام بجمع محتويات المدونة في كتاب نثرى ضخم حمل عنوان : ” سيناء حيث أنا … سنوات التيه” وأصدره عن دار نشر كتب خانة بالقاهرة عام 2015م ؛ كما له – قيد النشر – رواية ؛وديوان شعرى، والعديد من المقالات عن التراث السيناوى، والأعشاب الطبية في سيناء .
ولقد تقلد الشاعر عدة مناصب أدبية فكان مستشاراً لنادى الأدب بالعريش، ثم عضواً بالأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر عام 2015م، ثم عضواً بمتحف التراث السيناوى عام 2016م . كما نشرت قصائدة بالمجلات العربية والمصرية مثل : مجلة ” نزوى ” العمانية ” والثقافة الجديدة ” و”أخبار الأدب ” المصرية بالإضافة لمجلة ” الكلمة “، كما نشر بعضها في مواقع الكترونية مثل ” جهة الشعر ” , ” أوكسجين ” , ” سين ” ” موقع قصيدة النثر ” , “موقع ألف ليلة وليلة” , موقع فوبيا “/ وغيرها .
ثم توقف العنانى عن الكتابة لأكثر من خمسة عشر عاماً ، ليعود بعدها بمجموعة ” صحراء احتياطية وهى تجربته الرائدة لكتابة ” قصيدة النثر “؛ والتى تقع في 88 صفحة من القطع المتوسط , والغلاف من تصميم فنان الجرافيك أحمد كامل .
ولقد ضمت مجموعته الشعرية الجديدة صحراء احتياطية تسعة عشر قصيدة، هي : قاطع طريق , سنوات , ليسوا هامشيين تماماً , المشي في المكان باستمرار إلى أندى , مزايا أن أيأس , الأشرار لا يدخلون الجنة , تنهيدة لوداع الغرفة , حرب , تشبهين نفسك , اقترحوا اسماً لهذا , تعليقاً على حب عابر , كلما , على قيد الحياة , أنساها ولا تموت , علاقات غير ضرورية لا تصلح للإسى , سلالة.
كما يعد كتابه النثري :” سيناء حيث أنا : سنوات التيه ” أحد الكتب المهمة عن سيرة المكان ؛ وهو عبارة عن تجربة تدوين على الإنترنت ؛خاضها الشاعر في الفترة من 2007 حتى 2012 م.
ولقد كان العنانى – كما وصفته في مقالاتى – قديساً يجول أقاليم هذه الصحراء المتماسكة حيناً، والتي تنتابها الحروب أحياناً، حيث الصمت والأهوال والعيش على حياة الهامش، ومزايا تلك الصحراء ” صحراء سيناء” التي تكشف عن فلسفة الشاعر: اليأس والعلاقات غير الضرورية التي لا تصلح للأسي، وقطاع الطرق وأفكارهم، ثم الحديث عن الأصول وعمق وأصالة السلالات وغير ذلك. واختتم المقال بتوضيح إنه التسليم بالقدر وبوحشة الحياة وأهوالها عبر صحراء الشاعر الاحتياطية والتي أراد أن يأخذنا معه إليها، لنتماهى معه في عالمه، ونقيسه بعوالمنا المتشابكة مع ذلك الهم الكوني، والألم الميتافيزيقى، والفيزيقي عبر صحراء الشاعر الممتدة من الروح إلى سماوات الكون والعالم والحياة.
ولقد كان الشاعر طيب القلب، خلوقاً فأحبه الجميع، وصار علماً في المكان لمعرفته بالأنساب والقبائل والعائلات وتاريخها، كما كان بارعاً في التحدث بلهجة أبناء البادية في الصحراء، فلا تكاد تفرقه من بين أبناء البدو ، ولقد أحب سيناء فأحبته، وأعطاها عمره فأعطته الخلود.
ثم انضم مع أدباء سيناء : الشيخ محمد عايش عبيد، اسماعيل أبو زعنونة، عبدالقادر عيد عياد، سمير محسن، حاتم عبدالهادى السيد ، عبدالكريم الشعراوى، وغيرهم لتكوين أول نواة أدبية في سيناء، وليتم تأسيس نادى الأدب بالعريش مع الشعراء الذين وفدوا من كل محافظات مصر للعيش في سيناء، أمثال د. / رمضان الحضرى، الشاعر / عماد قطرى،الشاعر والمترجم / محمد على المغربى وغيرهم .
فتم تأسيس أول مجلس ادارة للنادى، وكان في عضويته ، ثم قام بتأسيس مجلة مطبوعة حملت اسم : أصوات الشمال” ؛كما شارك بالكتابة في مجلة ” النوارس ” التى أصدرها الشاعر / عماد قطرى والتى لاقت الكثير من الشهرة – أيام زمن مجلات الماستر ” ، كما لاقت قصائده الإنتشار في كبريات المجلات المصرية والعربية، مما جعل الشاعر / أحمد عبدالمعطى حجازى يكتب في مجلة ابداع مقالاً مطولاً عن قصيدته ” رائحة الأخضر “.
ثم كتب في عدة صحف ومجلات ، وعبر موقع الحوار المتمدن، ومواقع : ” أوكسجين” ، ” جداريات “، وغيرها . وكانت كل كتاباته عن سيناء وتراثها، وجغرافيتها حتى شعره لم يخل من حديث أو ذكر لسيناء ، ولقد لقبه الأدباء في سيناء بلقب ” كزانتزاكس سيناء ” .
كما كان يأنف النشر إلى أن أقنعته – شخصياً – بذلك ؛ فصدر ديوانه الأول : ” عزف منفرد عام 1996م والذى يعد سيمفونية عشق لعلاقة الشاعر بالمكان، ولقد كانت قصائده التفعيلية هى باكورة ابداعاته الجميلة، قبل أن ينتقل إلى كتابة قصيدة النثر بعد ذلك .
ولقد وثق العنانى علاقاته بأغلب أدباء وشعراء مصر أمثال : حلمى سالم، رفعت سلام، عيد عبدالحليم، ومحمد الشهاوى، عبدالمنعم عواد يوسف، حسن طلب ، مسعود شومان، فؤاد قنديل، فؤاد مرسى، عبدالرحمن الأبنودى ، أحمد عبدالمعطى حجازى وغيرهم في كافة أقاليم مصر، ولقد كتبت عنه الكثير من الدراسات، وتناول أعماله كثير من النقاد أبرزهم : أحمد عبدالمعطى حجازى، حلمى سالم، د. صلاح فاروق، عيد عبدالحليم ، د. رمضان الحضرى،الروائى / عبدالله السلايمة، سالم الشبانة، حسونة فتحى، عماد قطرى، أحمد عبدالحميد ، وغيرهم .
كما تناولت المجلات عمل ملفات عن ابداعاته بعد وفاته في مجلة” الثقافة الجديدة “، ” أدب ونقد ” ، وغيرهما . كما كان العنانى عاشقاً للبحر فكانت قصيدته الطويلة : ” خريف المتوسط ” أكثر دلالة إلى ذلك ،لكنه مزح حبه للبحر برحلاته للترحال في صحراء التيه ، عبر جبال سيناء ووهادها، التى شهدت مسير أقدامه على الرمال الصفراء .
كما حصل الشاعر على منحة الدولة للتفرغ لأربع سنوات ، جمع من خلالها الكثير من تراث سيناء المادى والمعنوى، في : العادات والتقاليد، الطب الشعبى ، الأمثال والحكم، الشعر النبطى، الأزياء والحلى، ثم تخصص في ” العلاج بطب الأعشاب ” حيث درس ذلك على الطبيعة ، وجمع أسماء حوالى خمسمائة نوعاً من الأعشاب البرية في صحراء سيناء.
ولكى يمزج بين ما درسه عن الأعشاب بالتطبيق العملى فقد قام بفتح متجر للعطارة فى مدينة الشيخ زويد لخدمة أهالى سيناء وعلاجهم ، وقد أسس صيدلية لأعشاب سيناء وعالج – رحمه المولى – الكثير من الأمراض المستعصية بوساطة أعشاب سيناء ؛ومستخدماً التقنيات العلاجية الطبية كالتحاليل التى كان خبيراً بتفاصيلها فجاءت نتائج العلاج مرضية .
كما قام بتأليف عدة كتب عن “الطب البديل” و ” التداوى بالأعشاب “، ولكنها لم تصدر بعد، لقد كان العنانى رحالاً في المكان، فهو من دقق التراث، وحفر مشاهداته الذاتية على ورق القلب، وقدم عبر مدونته : ” سيناء حيث أنا .. سنوات التيه” : المجتمع السيناوى : ماضيه، حاضره، يومياته، مستشرفاً له طريقاً مغايرة، وكصحراوى أدهشته الصحراء، وكصوفى متهجد فى محرابها كانت سنوات التيه/ التصوف أشبه برحلة الرحالة ” ابن بطوطة “، و ” ابن خلدون “، لكنه رحال فى المكان ، يجمع أصدافه، ويغوص فى مكامنه، ويستلهم تاريخه وحاضره ، ليظل أشرف العنانى تاريخاً لسيناء، راصداً للنور، للحب، للابداع.
ولقد جاء بميراث الجمال ليهريقه على جدول صحراء سيناء فيحيلها الى صحراء مغايرة، متبلة بالتراث والعبق، وسحر التاريخ .
رحل الشاعر الجميل أشرف العنانى ، رحل الانسان والشاعر، الناقد والمبدع، عاشق التراث السيناوى ، ومؤرخ المكان ، رحل كثيرون من أرض سيناء بفعل الأحداث الارهابية التى مرت بها سيناء، لكنه آثر البقاء على أرض مدينة الشيخ زويد ، صمد ليموت على تراب الأرض التى عشقها،وأحبها، وأحبته حتى النخاع، كان تائهاً في صحراء التيه، أرض الفيروز والنخيل ، يتنسم الهواء، ويكتب لها وعنها.
إنه الشاعر الذى كوثر الصحراء بشعره، فأعطت الصحراء مفاتحها له، وأهدته زمردة الالهام الكبرى، جوهر الشعريّة الأشهى الكبير .