قبائل و عائلات

قبيلة البقارة..عاداتهم وتقاليدهم مزيج بين الطابع العربي والإفريقي الأصيل

البقارة” أو “البكارة” هى واحدة من أكبر القبائل الإفريقية السودانية العابرة للحدود والتي يعمل جُل أبناءها بمهنة الرعي، ويتجاوز تعدادهم المليون نسمة. وبحسب المصادر التاريخية فقد استمد “البقارة” هذه التسمية من رعي الأبقار والماشية، ويطلق عليهم أيضاً “الغرّابة”؛ أي السكان الذين يسكنون جهة الغرب من السودان وتحديداً مناطق دارفور وكردفان.

وقد اختص البقارة بهذ الاسم، لتحولهم من رعي الإبل إلى رعي البقر، فمن المعروف أن العرب، عندما جاءوا من الجزيرة العربية إلى إفريقيا والسودان على وجه الخصوص، لم يكونوا رعاة بقر بل كانوة رعاة إبل، ولكنهم عندما توغلوا في الجنوب في إقليم السافانا، نفقت إبلهم بسبب الذباب الفتاك هناك، فاضطروا إلى التحول لرعي البقر، وأصبحوا أعظم رعاة بقر في السودان كله.

أصولهم ونسبهم

تشير المصادر والدراسات التاريخية والأنثروبولوجية إلى أن نسب “البقارة” يعود إلى قبيلة جهينة العربية-فرع من قضاعة من القحطانيين عرب الجنوب في الجزيرة العربية. نزح أبناء جهينة من شبه الجزيرة العربية وانتشروا في منطقة الشمال الإفريقي في الفترة ما بين القرنين 14– 18. اختلط أبناء جهينة وامتزجوا مع عدة قبائل أخرى كانت تستوطن المنطقة الممتدة من بحيرة تشاد مرورواً بجنوب ولاية كردفان وولاية النيل الأزرق وجنوب منطقة الجزيرة، وولاية دارفور السودانية فيما يطلق عليه “حزام البقارة”. يؤكد ذلك أن الطابع الغالب على “البقارة” تحدثهم بالعربية ولكن بلهجات سودانية، كما أنهم يدينون بالإسلام.

وقد ذهب المؤرخ “ألرتش بروكامبر” إلى أن النشأة الأولى لـ “البقارة” كانت في تشاد، حيث تكونت هناك من مجموعات من الرعاة الرُحل التي تنتمي لقبائل مختلفة من شعب الفولاني، ثم ما لبثوا أن اندمجوا في تحالفات مع قبائل تشادية مستعربة، تتحدث العربية. وقد ذكرت بعض الدراسات أن الصفات الجينية للبقارة تتشابه مع صفات شعوب الفولاني والداجو والتشاديين إلى حد كبير.

وينتشر أبناء البقارة في تشاد ويتحدثون باللهجة التشادية ويطلق عليه “عرب شوا” أو “عرب البقارة”، كما يتواجد البقارة في المنطقة الحدودية الواقعة بين تشاد حتى ولاية بورنو في نيجيريا، ولهم حضور أيضاً في النيجر ويسمونهم هناك “عرب ديفا”، كما يتواجدون أيضًا في موريتانيا والكاميرون ولكن بأعداد قليلة.

أما “بقارة السودان” فتنسبهم المصادر التاريخية إلى “جنيد بن أحمد بن باكر ابن العباس” وهو من الجعليين الذين هاجروا إلى كردفان ثم تفرعت إلى عشائر وبطون من بينها: بقارة كردفان؛ ويُنسب إليها (بنو سليم على النيل الأبيض، والجمع في الشمال، والشلك في الجنوب، وأولاد حميد في الغرب، وفرع الهبانية، وأم روابة، وحولي تقلي، ثم الحوازمة، والدلنج)، وبقارة دارفور؛ ويُنسب إليها (الرزيقات، التعايشة، بنو هلبة، بنو خزام، وبعض المسيرية إلى الشمال من الرزيقات، وبعض الثعالية، الحوطية، السعادة).

عاداتهم وتقاليدهم

يشترك البقارة – على اختلاف مشاربهم- في عدة صفات ولاسيما فيما يتعلق بالعادات والتقاليد التي تحكمها. ومازال البقارة حتى الآن يحتفظون بالسمات العربية المتمثلة في اللهجة والثقافة وبعض السمات الشكلية أيضًا، كما تختلط لهجتهم وألفاظهم العامية كثيراً باللغة الفصحى.

وتتجلى مظاهر احتفاظ البقارة بالعادات والتقاليد ذات الجذور العربية في امتهانهم حرفة الرعي وإتقانهم لقرض الشعر، فللشعر والشعراء مكانة خاصة لديهم مثلهم في ذلك مثل العرب. وتمثل الفروسية إحدى الهوايات الرئيسية لدى أبناء البقارة وهناك اهتمام خاص بها وبتربية الخيول العربية الأصيلة. كما أنهم يحتفظون بالمسميات العربية الخاصة بتربية الخيل بكل مسمياتها “الفرس”، و”السرج: و”الغرده” و”العنان”… إلخ.

تهيمن الملامح العربية على ملابس البقارة وأزيائهم؛ حيث تتشابه الأخيرة في الأشكال والأسماء مع أزياء القبائل العربية، فنجدهم يرتدون: القميص والجبة والمركوب والنعال وبعض أنواع الحلي الخاصة بالنساء كالأساور والحجول والقلائد والزمام التي تتزين بها المرأة العربية.

 

 

الألحان والموسيقى

للبقارة موسيقاهم وألحانهم الذي تميزهم عن غيرهم، والتي يمتزج فيها الطابع الإفريقي بالطابع العربي الأصيل. وتعد آلتا الرباية والعود من أكثر الآلات الموسيقية شعبية لدى البقارة، ويطلقون على آلة الربابة اسم “أم كيكي” ويعزفون عليها ألحاناً مميزة جداً تشبه إلى حد كبير الألحان العربية الأصيلة. ويشتهر البقارة بقرض الشعر وإلقائه، وتنحصر أشعارهم على “بحر الرجز” الشعري الذي يميز شعر القبائل العربية الصحراوية وبخاصة الشعر الجاهلي.

وكما ذكرنا آنفاً يتميز مجتمع البقارة بالتنوع في العادات والأعراف الاجتماعية، والفنوان الشعبية وطقوسها، فنجد البرامكة والحرفاء في مجالس الشاي، وحماية قيم المجتمع، ثم الهدائي وهو شاعر القبيلة الذي يمجد زعماءها، وفرسانها وحسسانها، ويظهر بطولات العشيرة، ومفاخرها ومواقفها، وبالمقابل يهجو أعدءها ويتصدى لهم، وفي الجانب الآخر نجد الحكامة، وهى التي تمثل المرأة، وتؤدي ذات الدور، فهي الشاعرة التي تتغنى بخصال المروءة، والفروسية، والرجولة، وهى المغنية في الأفراح والاحتفالات.

علاوة على ذلك هناك بعض الفنون والألعاب التي يتميز بها البقارى ومنها: الكاتم (و نوع من الألعاب الشعبية، لها شعر غنائي تتنغنى به الحكامات، مصحوبًا برقصة تؤدى نهاراً في ميدان فسيح يسمى بـ (المدى)، وعريج (رقصة شعبية كالكاتم سوى أنها تختلف في الإيقاع، والسنجك (هى نوع من الألعاب التي لها شعر وإيقاع خاص، يتغنى بها رجل يسمى في عرفهم (المدير) وحوله مجموعة من الشباب يسمونهم بـ(السنجاكة) يصفقون بأيديهم ويهزون أكتافهم، وترقص الفتاة على غنائهم وتوقيعهم، وهناك رقصة (أم دقينة) وهى رقصة شعبية يؤديها الرجال في شكل دائري مصحوبة بالصفقة والدندنة وبعض الكلمات المسجوعة وحولهم النساء…إلخ.

 

يمتهن البقارة الرعي بصورة أساسية، وقليلاً منهم يمتهن الزراعة، كما يمارسون الصيد بغرض الهواية والترفيه فقط كما هو شائع بين القبائل العربية.

عادات الزواج عند البقارة

لا يقتصر الزواج عند أبناء البقارة على أبناء القبيلة فقط، فنجدهم يتزوجون من القبائل والبطون الأخرى، وطبقاً لعاداتهم فإن الفترة المثلى لعقد الزيجات يكون خلال فصل الخريف حيث يعقدون أفراحهم في الأراضي الفسيحة والمراعي الممتدة. تبدأ مراسم الزواج عند البقارة يوم الثلاثاءًوتمتد الأفراح إلى يوم الخميس، وتتضمن بعض الطقوس المرعية وتتسم بتسارع خطى النساء لبناء عش الزوجية للعروسين؛ حيث تشارك نساء كثيرات في إقامته تحت رئاسة أم العروس وأخواتها وصديقاتها، ومن الهام عند بناء منزل الزوجية أن يكون المنزل متجهاً إلى الناحية الشرقية في شكل بيضاوي تيمناً بالقبلة، كما يشترط أيضاً بعد المسافة بينه وبين بقية منازل الحي الأخرى، ويتم انتقاء الأشجار المحببة لديهم بجوار المنزل وبخاصة أشجار “الطلح واللبلاب” وبعد دهان المنزل بالألوان الزاهية والمبهجة، التي تصحبها أهازيج من الغناء، يؤتى بالعروس في (هودج) محمولة على ظهر الإبل في مشهد تحضره كل أفراد القرى.

وبعد اكتمال عش الزوجية يسدل عليه ثوب أبيض يجلب خصيصاً لتلك المناسبة السعيدة يسمى (الطاقة) ويتجه الناس بعدها لمراسم الزواج الأخرى المتمثلة في (تجهيز العروس) في مراسم يحاط فيها العريس بمجموعة من أصدقائه وأقربائه تتعالي خلالها الأصوات بالأغنيات التي تمجد أسرة العريس بصفات الكرم والفروسية، مصحوبة بزغاريد الفرح ويعبق المكان بجميل العطور والبخور.

وتتضمن مراسم الزواج قضاء النهار تحت الأشجار الخضراء الوارفة، ثم يقوم بعدها العريس بالطواف بمنزل الزوجية سبع مرات تيمناً بأيام الأسبوع. ومن تقاليد الزواج عند البقارة، أن يظل العروسان في منزل الزوجية لمدة أسبوع كامل داخل المنزل دون الخروج منه، ثم يقومان بعدها بالخروج ومراقبة الأشجار المحيطة بالمنزل حتى إذا ما أبتلت بماء المطر أنبتت أشجاراً أخرى وهذا ما يراه البعض مؤشر خير كبيرا وفألاً حسناً يشي باقتراب مناسبة زواج أخرى.

مجتمع البقارة

إن مجتمع البقارة مجتمع بدوي، تتمثل فيه كل قيم البادية وطبيعتها الطاهرة ذات البيئة النقية، والحرية الحقة، والحياة البسيطة، وهى حياة شديدة التمسك بتراث الأباء والأجداد وتقاليدهم وعاداتهم البدوية، وهى صورة لحياة العرب الرحل التي ظلت محافظة على هذا المنوال منذ مئات السنين، غير أن مجموعة منهم آثرت الاستقرار، والأخذ بمظاهر المدينة والحضر، فانتشروا في المدن المختلفة، وبخاصة حواضر ديارهم (الحاكورة)، ومن ثم لم تعد تتحدث اللهجة؛ لكن مازالت البادية مكان اعتزاز، وفخر لدى البداة منهم، وفضلاً عن ذلك فقد أطلقوا على استقراراهم في الصيف (الدامرة) لأنها تدمر الإنسان عن الرعي، وكذلك كان العرب قديماً، فقد كانوا يذهبون بأبنائهم إلى البادية ليتربوا على هذه القيم.

وعلى الرغم من التغيرات التي طرأت على حياة البقارة، إلا أنهم ظلوا يتمثلون قيم الشجاعة والكرم والإباء، وما فيها من معنى الشهامة والصدق والفخر وهى قيم مازالت موضع اهتمام وتمسك عند البقارة، لاسيما قيم المروءة والكرم والشجاعة، والانتماء للقبيلة، بجانب تربية الخيل وسياستها، وبالمقابل يزدرون ثلاثة: البطال (الخواف)، والكمكلي ( الشخص الذي لا يتصف بصفة البرامكة من الكرم والتأنق وشرب الشاي، والأقروب (الشخص الذي لا يملك فرسًا). وهى قيم كما يلاحظ منها ما هو طيب، وينبغي أن يبقى ومنها المحظور.

ومن المشهور عن قبائل البقارة أنهم شعب مسالم وذلك على الرغم من شراستهم وما هو معروف عنهم في الحروب، مسالمين مع الغرباء ويتسمون بالسلمية وكرم الوفادة، أما في حال وجود خلافات أو صراعات داخل القبيلة فإنهم يحتكمون إلى الأعراف القبيلية وحكماءها الذين تكون لهم الكلمة الفصل في إنهاء النزاعات. ومن عاداتهم التي لايزالون يحتفظون بها كفالة الفقراء ومساعدتهم فهم يجمعون لفقيرهم ما يسمونه ” المنايح” وهى بقرة حلوبة ينتفع بألبانها ثم إذا نفذ حليبها ردها وانتفع بعجولها، وهكذا حتى إذا استغنى تركوه.

النظام الإداري

يحتفظ مجتمع البقارة بكثير من النظم التقليدية التي احتكم إليها الإنسان في الماضي، رغم مظاهر المدنية والتغيرات التي طرأت على الحياة، وعمت المجتمعات الحديثة، فمازال الناظر هو رمز العشيرة، وسلطتها العليا التي تدير شؤون المجتمع، وتحت الناظر ثلاثة أجهزة-إذا جازت التسمية- أولها: جهاز إداري في قمته وكيل الناظر، ويليه: العمد، والذين لا يقل عددهم عن العشرة، وتحت كل عمدة عدد من الشيوخ: الذين يمثلون أفخاذ القبيلة وبطونها، وهو جهاز معني بتمثيل السلطات الرسمية في حل المشكلات وفض النزاعات بين الأفراد والجماعات والمساعدة في جمع الضرائب والزكاة.

والثاني: جهاز دفاعي: وعلى رأسه عقيد العقداء، وتحته عدد من العقداء، حيث يكون هناك عقيد لكل منطقة أو بادية، وهنا لا يلتزمون بالأفخاذ والفروع، وإنما يختارون الأقدر. والجهاز الثالث: مختص بالتسويات المالية والاتفاقيات (الرواكيب) التي تُبرم بين القبيلة والقبائل الأخرى، وعلى رأسه دملج الدمالج، وهو معني بجمع الديات والدفعيات المالية التي تطلب من القبيلة، وهنا يكون تولي الأمر بحسب أفخاذ القبيلة وبطونها.

وفيما يتعلق بعلاقات البقارة مع جيرانهم، فقد اتسمت بأنها علاقات طيبة، باستثناء بعض الاحتكاكات القبيلة أو ما يحدث بين الرعاة والزراع في بعض الأحيان، فنجد تبادل المصالح فيما بينهم؛ حيث يأتونهم باللبن ويأتي أولئك بالغلة، بل لربما منحوهم (الشايلة) الحلوب في الخريف وسنوات الضيق، وأولئك ادخروا لهم ما يزرعونه، أو يجمعونه من الحبوب والدخن في الدرت.

ومن الناحية السياسية كان لبقارة دارفور وكردفان دوراً رئيسياً في الثورة المهدية ضد الحكم البريطاني-المصري في السودان. حيث كان نائب المهدي، الخليفة عبد الله بن محمد التعايشي، نفسه من البقارة من قبيلة التعايشة، وشهدت الحقبة المهدية (1883-1898) هجرة عشرات الآلاف من البقارة إلى أم درمان ووسط السودان؛ حيث كانوا مصدراً للجنود للجيوش المهدية. وبعد هزيمتهم في معركة كراري عام 1898، عادت بقاياهم إلى دارفور وكردفان. وتحت نظام بريطاني للحكم غير المباشر، حكم قبائل البقارة الرئيسية كبير شيوخها، وكان يـُعرف باسم “الناظر”. وكان معظم البقارة أعضاء موالون لحزب الأمة، الذي تزعمه صادق المهدي منذ عقد الستينات من القرن المنصرم.

لهجة البقارة

للبقارة لهجتهم التي نشأت وتكونت وكانت واحدة من اللهجات السودانية العربية التي ظلت تحتفظ بكثير من خصائصها اللغوية الفصيحة، وذلك نسبة لطبيعة مجتمعها البدوي المحافظ. وبجانب ذلك كان لها إسهام كبير في تشكيل اللهجة السودانية- لهجة الوسط- والتي تحولت الآن إلى لهجة المدن، ذلك أنه كان لهم دور في تكوين دولة السودان الأولى-الدولة المهدية- الأمر الذي أتاح لهم الاختلاط بكل المكونات السودانية، ومن ثم رفدت اللهجة السودانية بالمفردات والظواهر اللغوية والأمثال والحكم. ويذهب محي الدين خليل إلى أن هناك العديد من مفردات اللهجة السودانية لها امتداد في لهجة البقارة، منها على سبيل المثال وليس الحصر: كلمة (زول) بمعنى الرجل المذكر، والمؤنث (زولة) وجمعها (زولات)، وكلمة (أنطى) بمعنى (أعطى) وهو عند كثير من القبائل العربية ويسمى بالاستنطاء.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى