جمال أسعد يكتب: لماذا يكرهون ثورة يوليو؟
نحتفل هذه الأيام بالذكرى الـ ٧٢ لثورة ٢٣ يوليو المجيدة، واعتدنا في الاحتفال بمثل هذه المناسبة والمناسبات الخاصة بيوليو أن نشاهد تلك المشادات والنقاشات والتى فى غالبها غير موضوعية حول يوليو . لماذا؟
بداية، من الموضوعية أن نقول إن يوليو وأى حدث تاريخى خاصة لو كان فى مستواها، لابد أن يخضع للتقييم العلمى والموضوعي. حيث أنه لايوجد أى حدث غير خاضع للتقييم. والتقييم هنا لابد لأهم عناصره رصد ومناقشة الظروف المحلية والإقليمية والعالمية المصاحبة والمؤثرة فى الحدث. هذه الظروف وتلك المعطيات هي التى تحدد مشروعية وضرورة الحدث. والمعطيات والظروف الداخلية كانت قد توافقت مع الظرف الموضوعى وهو استشراء الفساد والمحسوبية والاستبداد وسيطرة الإقطاع ورأس المال على مجمل حياة المصريين. فقد وصف الحال اختصارا حينذاك بسيطرة الفقر والجهل والمرض. وكان هذا هو حال الأغلبية الغالبة من المصريين. وكان توافق الظرف الموضوعى مع الظرف الذاتى وهو تنظيم الضباط الأحرار الذي أدرك أسباب الثورة ووضع برنامجا إصلاحيا يتوافق مع مجمل البرامج الإصلاحية التي انتشرت وفى كل الاتجاهات قبل الثورة. فإرهاصات الثورة كانت سابقة ومهيأة لها. هذا ناهيك عن وجود الاستعمار البريطانى المسيطر على الحكم وعلى كل مقدرات الدولة لصالحه ولصالح أتباعه من الحكام وأغلب رجال الأحزاب حينذاك. أما الظروف الإقليمية فقد كان الوطن العربى أسيرا لكل أنواع الاستعمار بعد اتفاقية سايكس بيكو وبعد هزيمة العرب فى فلسطين وسيطرة العصابات الصهيونية على فلسطين.
والظرف العالمى كانت هناك متغيرات استراتيجية عالمية بعد الحرب العالمية الثانية تنبئ بظهور قوى مناوئة للاستعمار الغربي. هنا أسقطت ثورة يوليو الملك وأعلنت المبادئ الإصلاحية الستة. فكان مبدأ الثواب والخطأ هو المعمول به حتى اتضحت الصورة ووضعت الثورة أقدامها ثابتة على أرض الواقع. وتم التغيير للأحسن وفى كل الاتجاهات والأهم أن هذا التغيير كان لصالح الأغلبية الغالبة من الشعب المصرى المقهور الذى عانى ودفع الكثير والكثير من الأثمان. هنا لانريد أن نعدد إنجازات الثورة التاريخية وغير المسبوقة فى العصر الحديث. فهذه الانجازات يعلمها المؤيد والرافض ليوليو، ومن الطبيعى أن يكون هناك من أضير من يوليو وهم القلة التى كانت تسيطر على مقدرات الوطن بكل الأساليب غير الشرعية. وأيضا هناك من استفاد من يوليو حيث تم نقل المجتمع من مجتمع النصف فى المائة إلى مجتمع تحالف قوى الشعب من عمال وفلاحين وموظفين ورأسمالية وطنية. أما على المستوى العربى والإقليمى فقد ساندت الثورة كل حركات التحرر فى المنطقة وفى العالم الثالث مما جعل مصر رمزا دوليا له حضور مؤثر على كل المستويات، هذا وغيره كثير.
ولكن ما علاقة هذا اللغط الدائم مع يوليو بالرغم من انتهائها تحديدا بعد وفاة ناصر وقيام السادات بثورة مضادة، انتهت كل إنجازات يوليو التاريخية لصالح القوى الاستعمارية الأمريكية التى كانت تمتلك كل الأوراق حسب قول السادات.
هذا اللغط كان وسيظل، ليس لأن ثورة يوليو مازالت قائمة فقد انتهت منذ عام ١٩٧٠ وقائدها توفى منذ ٧٤ عاما. ولكن الأهم والأعظم أن هذا اللغط لأن يوليو بأهدافها الثورية ومبادئها الإنسانية ومنهجها الاستقلالى سيظل يقلق هؤلاء الذين يريدون الاستغلال وعلى كل المستويات. الذين لا يجدون مصالحهم بعيدا عن دورهم التابع والعميل لكل قوى الاستعمار والاستغلال. هناك جماعة الإخوان التى كسر شوكتها عبد الناصر ليس فى بدايات الثورة فقط، ولكن كان منهج عبد الناصر هو الذى جعل الشعب يسقطهم فى يونيو ٢٠١٣. لذا فستظل العداوة قابعة فى ضميرهم الجمعى لأن عبدالناصر لايزال يصارعهم حيا. هناك من يدعون أن عبد الناصر قد اضرهم بالتأميم، هؤلاء الأحفاد قد عادوا الآن أكثر استغلالا واستيلاء من أجدادهم وأن كان بأساليب تتوافق مع الحاضر. نأتى هنا إلى المرضى النفسيين الذين يريدون أن يتنصلوا من أصولهم الاجتماعية تصورا وتخيلا أنهم اولاد البشاوات السابقين مع العلم أن يوليو هي التى نقلت أجدادهم وأباءهم من الحضيض إلى طبقة الإنسان حتى أنهم استطاعوا أن يصلوا إلى مواقع ماكان أحد يحلم بها قبل يوليو. مجمل القول أن هذا اللغط الموسمى الذى يقف وراءه كثير من قوى الرجعية الداخلية والاستعمارية الخارجية يعنى عظمة يوليو وعظم تأثيرها التاريخى منهجا وأسلوبا للتحرر، فإن كانت يوليو قد غابت عن التطبيق على أرض الواقع، لكنها ستظل الملهم للشعب المصرى ولكل الشعوب المناضلة من أجل التحرر والاستقلال.
وكل سنة والشعب المصرى والعربى والإنسانية كلها بخير . حفظ الله مصر وشعبها العظيم.