جواد الهنداوي يكتب: مرحلة جديدة في المنطقة بعد قرار الكنيست الإسرائيلي الرافض لدولة “فلسطين المقاومة”
قراران متزامنان يصدران بحق فلسطين : الاول قرار كنيست الكيان المحتل ،في 2024/7/17 ، والرافض لمشروع اقامة دولة فلسطينية ،صدر بالاغلبية ، وصدرَ قبيل سفر نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس بايدن ولإلقاء كلمة او خطاب امام الكونغرس الأمريكي .وطبعاً توقيت القرار مدروس سياسياً و بعناية ، ومن اهدافه ان تكون زيارة نتنياهو إلى واشنطن مُريحة وغير متعبه له ،اي لتقليل الضغط و الملامة على نتنياهو من قبل الادارة الأمريكية ، و التي تريد بدء الحوار والتواصل بين نتنياهو و السلطة الفلسطينية، و لكي يكون القرار حُجّة له ، امام الادارة الأمريكية ، برفض فكرة دولة فلسطينية .
والقرار الثاني هو قرار محكمة العدل الدولية ، وصدر يوم 2024/7/19 ، و بموجبه ،اعتبرت المحكمة عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ، وهذه هي المرّة الاولى التي تصدر فيها المحكمة قراراً يقضي بعدم قانونية الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
هل للقراريّن اهمية على صعيد مصير فلسطين ؟
كلا .. لهما اثرٌ وفائدة للتوثيق و للتاريخ كأحداث سياسيّة في مسار دولة فلسطين ،و لهما أثر على مصير إسرائيل ، ولكنهما لا يؤثران على مصير دولة فلسطين ،لأنَّه ، و ببساطة ، أصبحَ مصير فلسطين مرهون بالمقاومة .
بعد طوفان الأقصى ،وبعد جرائم العصر النازي الصهيوني الجديد في غزّة ، تحرّرت فلسطين من أوسلو،مثلما تحرّر نتنياهو والصهاينة ،وقبل فلسطين من اتفاقيات اوسلو ،التي أُبرمت بالإكراه او بالتراضي بين السلطة الفلسطينية و حكومة الاحتلال عام 1993 . لذلك ،ليس من دون سبب ، عنونت المقال بعبارة ” فلسطين المقاومة ” ،حيث فلسطين لم تعد قضية وانما دولة ،ولم تعد فلسطين أوسلو و التفاهمات والترتيبات مع إسرائيل ،وانما فلسطين المقاومة.
تحرّرت فلسطين من معتقل المجتمع الدولي وتخديراته وقراراته ،التي ما قدّمت و انّما أخّرت ، وانتقلت من احضان الدول إلى احضان حركات و منظمات المقاومة الإسلامية و العربية بالفكر والكلمة وكذلك بالسلاح.
قرار الكنيست هو تحد اسرائيلي جديد وآخر للعالم وللإرادة الدولية ، و دلالة على دخول المنطقة ،برمتها في مرحلة جديدة ، اما فحواه ومعناه كان ، ومنذ مُدّة ، معروفاً للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية ولحركات المقاومة . فهل ننتظرُ ونتوقع من إسرائيل ،والتي لم تتوقف عن قتل وتهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم ، ولا تعترف بشعب فلسطيني، ان توافق على اقامة دولة فلسطينية؟
إسرائيل تعتبر كل الفلسطينين إرهابيين، وتقول علناً وفي قرار الكنيست ،بانها لا تسمح بأقامة دولة ارهابية !
قرار الكنيست ،والذي يعبر ايضاً عن توجهات الحكومة او يتوافق مع خطط نتنياهو والحكومة ، لم يجامل ولم يأخذ بعين الأعتبار مساعي التطبيع لبعض الدول العربية ،ويتفادى إحراجها .
إسرائيل ،وبهذا القرار ،تقول ،وبصراحة للعالم وللعرب وللسلطة الفلسطينية، لا لدولة فلسطينية . وهذا يعني ان استمرار جهود التطبيع واستمرار التعاون والتنسيق الامني بين إسرائيل و السلطة الفلسطينية سيمضي ،من الآن و صاعداً في اطار و في تداعيات هذا القرار ، وسيتحمل كل طرف نتائج مواقفه .
قرار الكنيست ، يدّلُ على غباء او هستيريا اصابت بني صهيون ، فالقرار هو انتحار سياسي للكيان المحتل ،و قد يكون هذا الإنتحار السياسي هو مقدمة للزوال الوجودي للكيان .
القرار يبرّر مواقف فصائل المقاومة الفلسطينية والإسلامية في فلسطين وفي العالم العربي و الإسلامي الرافضة لوجود الكيان ولكل محاولات التطبيع و الاعتراف بالكيان ؛ مواقف مبنيّة في مبادئها ومساراتها الميدانية على حقيقة دامغة ،فحواها ان الكيان المحتل هو ضّدَ كل محاولات السلام والقبول بفكرة دولة فلسطينية . واليوم إسرائيل تثبت للعالم ،بقرارها هذا و بحرب الابادة التي تشنها ،وبخططها الشيطانية بوطن بديل للفلسطينيين ،بانها لا تريد السلام وان الحروب واثارة الفتن هما ديدنها وسبب وجودها وزوالها .
القرار يعني أيضاً لإسرائيل أنَّ لا حّلْ للشعب الفلسطيني سواء التهجير والوطن البديل او الابادة ، ولكن الشعب الفلسطيني والعربي و محور المقاومة يفهمون القرار بأنَّ لا حل لفلسطين سوى حرب التحرير ،و لا خيار أمامهم غير خيار المقاومة .
المرحلة الجديدة التي رسّخها القرار ، بعد بدئها بحرب الابادة للشعب الفلسطيني ، تجعل مايسمى ” جهود و مساعي السلام ” جهود خداع وكذب وعبث ، وغرضها وعنوانها الصحيح هو “جهود استسلام ” لإسرائيل .
قابلت الدول قرار الكنيست الإسرائيلي، بعضها بالصمت و البعض الآخر بالإدانة ، وكلا الموقفين يدلان ويقودان الى الاستسلام للأمر الواقع و لارادة إسرائيل ،التي ومنذ اتفاقيات اوسلوا عام 1993، ادركت و أجادت توظيف الوقت وابتداع خرائط الطريق للسلام ، لترسيخ كيانها والتمدّد واحتلال مزيد من الأراضي الفلسطينية والاستيطان .
تريد إسرائيل بهذا القرار ان توصل رسالة إلى دول العالم ،وخاصة دول المنطقة التي تعبث بها ، بأنّها ( اي إسرائيل ) غير مهتمة وغير معنيّة بردود افعال او بمواقف الدول ازاء القرار ،وان ما يهمّها هو وضعها وحسابها و حروبها مع حماس وفصائل وحركات المقاومة في فلسطين ومع جبهات الإسناد في فلسطين واليمن و العراق .