كتابنا

اللواء أحمد زغلول مهران يكتب..

الحب في زمن الوباء

 

لا أخفيكم سرًا أنني ترددت كثيرًا قبل كتابة هذه السطور، التى أعتبرها أهم خواطري التى كنت أحتفظ بها بداخلى، لأنها تعكِس حالة اكتشفت أنني أعيشها دون أن أشعر فى زحمة الحياة، وترددت كثيرًا فى كتابة هذه الخواطر، لأن كل من يعرفنى سيُصدم عند قراءة هذه السطور. وقد نصحنى عديد من أصدقائى بعدم نشر هذه الخواطر حتى لا تتغير الصورة الجمعية التى يحتفظ بها كثير من الذين يتعاملون معى فى الحياة العامة، ولكن لم أمتثل لطلبهم وقررت أن أكتب وأحرر ما بداخلى من مشاعر غاية فى الروعة والنُبل والتضحية والإحساس بالأمل والحب.

لقد بدأت أعود إلى الحياة التي طالما حلمت بها وإلى أعز وأغلى ما أملك في هذه الدنيا، إنها أسرتى الصغيرة التى كنت أفتقدها على مدار السنوات الماضية وذلك بسبب انشغالي في عملي كأحد ضباط القوات المسلحة من ناحية أو لظروف انخراطي بالعمل العام بعد إحالتي للتقاعد من ناحية أخرى، ولكن بعد ظهور فيروس كورونا فُرضت علينا إجراءات احترازية للحد من انتشار الوباء جعلتني أقترب من أفراد أسرتى التى كنت لا أعرف عنها سوى بعض المعلومات القليلة جداً، قد أعرفها مصادفة حيث كُنت أعتمد على زوجتى شريكة العُمر، التى تحملت كثيرًا من أعباء الحياة حيث إنها هى التى قامت برعاية وتربية بناتي أغلى ما لي فى هذه الدنيا أكبرهن تخرجت هذا العام من كلية طب الأسنان والثانية بالفرقة الثانية بكلية الإعلام والصغرى بالمرحلة الثانوية، ومع بداية الحظر الذى ألزمنا بالتواجد بالمنزل فوجئت أثناء متابعتى لما يدار من تصرفات داخل المنزل بأشياء كثيرة لم أكن أعرفها.

 

منها أن بناتى كبرن وأصبح لكل منهن شخصيتها المستقلة، فالكبرى تتمتع بطيبة ونكران للذات والمتوسطة فنانة ورسامة، لديها رؤية أدبية وجريئة في تصرفاتها والصغرى ذات شخصية رزينة متزنة في اتخاذ قراراتها، بالإضافة إلى أن لكل منهن موهبة تقوم بتنميتها. ولكن توقفت كثيراً وتأملت فى زوجتي التي كانت صاحبة هذا اللحن الجميل الذى لم يشاركها أحد فى عزفه، إنها فعلاً صاحبة فضل فى تكوين شخصية فلذات أكبادي، إنها بحق مُلهمتى ولها بداخلى مشاعر جياشة، شعرت بأنه لابد من تحريرها لتنتقل إلى ملاذ آمن تتعلق به وتستتر .. شعور صعب وصفه !! ولكنه يتعايش بداخلى ويجعلنى وكأنى فراشة زاهية الألوان سعيدة بنسمات فجر أحد أيام الربيع تتجول بين البساتين، تحصل على احتياجها من رحيق الأزهار وفجأة تتوقف هذه الفراشة بين أوراق زهرة أعجبتها وتستقر عليها وتتجول مرة أخرى وتعود لنفس الزهرة كأنها عثرت على مأمنها الذى تبحث عنه. ويستغرق هذا المشهد ويتكرر كثيرًا حتى شعرت بأن هذه الفراشة قد وصلت إلى ضالتها. فعلاً هذا هو الإحساس الحقيقى تجاه هذه المُلهمة التى طالما أفكر بها وأرجو من المولى عز وجل أن تبقى بجوارى مهما تعرضنا لعواصف أو مِحن، لكننى على يقين وثقة أنها ستكون بجوارى سندًا وظهرًا وظِلًا يستظل به من شمس صيف حار، وأن مشاعرها ستكون هي الدافع لإرضائي والتعرف على خصالي التى يعلمها القاصى والدانى. أنا أحلم بالسكينة والرضا والقناعة والحب الحقيقي النابع من الأعماق وهى تعلم جيداً هذا وتحاول أن تتقرب منه، ترسل رسالة طمأنة بأنها دائمًا تحلم بوجوده بجانبي وتبادلني نفس الشعور، وأن مشاعرنا متبادلة .. لدرجة أن يقينى يؤكد لي أنها تتحدث مع نفسها وتقول إن مهما العُمر عدى أحبك اليوم أكثر من أمس وغدا أكثر من اليوم.

 

هذه أشياء يشعُر بها المحب والحبيب .. فعلاً الحب لا تستطيع التحكم فيه أو تحديد متى سيحضر، ليتمكن من كل حواسك، من أجل ذلك شبهته بالوباء (بالقياس ليس بالمقارنة ) .. حضوره فُجائى، ليس له أى مقدمات أو أعراض، ولكن الحب والوباء مختلفان، فالمصاب بالحب يدعو باستمراره ويدعو باستدامته ويسعى للحفاظ عليه وإسعاد من يحب، والحب يبقى من خلال تنمية المشاعر التى تُكتسب بالعشرة واهتمام الحبيب لحبيبه، ودائمًا وأبدًا يقدم الحبيب لحبيبه بعض التنازلات لكى تسير مسيرة الحب للوصول إلى شاطئ الأمان .

والتضحية مهما حدث من مصاعب فتلك هى الدنيا بها كثير من المنعطفات، والحب دائمًا ينتصر طالما مُغلف بالمشاعر الحقيقية وليست الزائفة ومهما حدث هذه هى الحياة حلوة مَرة ومُرة مرات !!.

وفي نهاية خواطرى أدعو لمحبوبتى بالهناء والسعادة وأقول لها ستبقى أحب الأحباب فى داخل داخل أعماقى وعشقى وإلهامى .. حب يدوم للأبد .. متمنيًا لها موفور الصحة والعافية لما قدمته من تضحيات، وأشكرها جزيل الشكر على ما قدمته في تربية فلذات أكبادي، ليكن فتيات يافعات للمجتمع .. لقد أديتِ رسالتك على أكمل وجه، لذا أقدم لكِ أعظم وسام أمتلكه وهو حبى وتقديرى واعتزازى بكِ.. لذا أنحني احترامًا وإجلالاً لكِ سيدتي صاحبة الفضل والكرم والجود.. فعلاً عظيمة من عظيمات مصر الفضليات.

أدعو الله عز وجل أن يعُم وطننا الغالى الحب والسكينة والتماسك المجتمعي، وأقول لكل رب أسرة احتضن أبناءك وفلذات أكبادك وعلّمهم كيف يملأون الحياة بهجة وفرحًا ونكرانًا للذات، لنبني مجتمعًا يحافظ على عاداتنا السوية وأخلاقنا الحميدة وينشر العلم والثقافة، لكي نرسل للعالم أجمع أننا أمة السلام والتسامح حتى يتأكد القاصى والدانى أن مصر بحق «أم الدنيا».

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى