ما هى حكاية الدولة الفلسطينية؟ فيما بعد مؤتمر بازل الصهيونى عام ١٨٩٧ وتوالت الهجرات اليهودية إلى فلسطين. وعندما توافقت المصالح بين الحركة الصهيونية وبين الإمبراطورية البريطانية فى زرع دولة لليهود فى المنطقة كان وعد بلفور عام ١٩١٧. وتدفقت الهجرات اليهودية وتوالت المجازر البشرية فى حق الشعب الفلسطينى، حتى كان قرار التقسيم ١٩١ عام ١٩٤٧ لدولة فلسطينية ٤٥ فى المائة، وأخرى يهودية ٥٥ فى المائة.
ثم كان أول المعترفين بالدولة اليهودية أمريكا بعد وراثتها للإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية. ثم توالت القرارات الدولية ٢٤٢ و٣٣٧ ثم توالت عشرات العشرات من القرارات الدولية، ناهيك عن المؤتمرات من كل نوع ومن مختلف الاتجاهات لبحث إمكانية تحقيق تلك الدولة الفلسطينية التى لم تر النور. حتى كانت أوسلو عام ١٩٩٣ لإنشاء سلطة فلسطينية (شكلية) وصولا إلى المبادرة العربى فى بيروت عام ٢٠٠٢ نهاية بتلك العمليات التطبيعية التى كانت بين إسرائيل وبين المغرب السودان الإمارات البحرين، والتى لم تنته بالتطبيع مع السعودية، حيث أوقف بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
وفى كل ذلك الزخم الشكلى والشعاراتى بدلًا من تحقيق هذه الدولة على أرض الواقع كان القضم الدائم للأراضى الفلسطينية وإنشاء المستوطنات بل إعلان القدس عاصمة للدولة اليهودية تحقيقا لأساطير توراتية لا زالت تحكم وتتحكم فى المشهد حتى الآن. وقد تلخص عدم تحقيق الدولة فى المساندة الأمريكية والغربية لإسرائيل عن طريق توظيف ما يسمى بحق الفيتو!! فما هو الجديد؟ الجديد وبلا مواربة هو النتائج المبهرة وغير المتوقعة من عملية طوفان الأقصى فى ٧ اكتوبر ٢٠٢٣. تلك العملية التى كشفت المستور وأسقطت الشعارات التى أطلقت من كل الاتجاهات التى كانت تزمع إنشاء الدولة الفلسطينية. خاصة أن العمليات التطبيعية الأخيرة والمتغيرات الدولية كانت قد أثرت موضوعيًا على القضية فتوارت ولم تصبح قضية العرب الأولى ولا قضية المسلمين الثانية.
نعم انهزمت إسرائيل وإن كانت حماس لم تنتصر. ولكن كان الانتصار لفكرة المقاومة ولإعادة الزخم والتواجد للقضية على مستوى العالم الحر. هنا نرى الآن الاستغراق فى ليس إنهاء القضية ولكن فى إنهاء الوجود للشعب الفلسطينى. وذلك يتم بكل الطرق والأساليب غير الشرعية أو قانونية أو إنسانية وعلى مسمع ومرأى من العالم كله. كما نرى ذلك التغير فى تصريحات أمريكا والغرب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية لاستتباب الأمن لاسرائيل ثم للمنطقة، وحفاظا على مصالحهم. فهل هذه التصريحات وتلك التغيرات تمثل رأى وموقف تلك الدول؟ أم أن هذه مواقف براجماتية لا تسمن ولا تغنى من جوع. بل هى شعارات تردد بلا مضمون وتتداول بلا فاعلية، والدليل أن إسرائيل مازالت تصر على سحق غزة وأهلها. مازالت ترفض رفضا قاطعا الاعتراف بما يسمى بالدولة الفلسطينية فى الوقت الذى تصر فيه أمريكا على استعمال الفيتو ضد وقف القتال. ناهيك عن الانحياز الأعمى لتبرير كل المجازر الصهيونية وآخرها مجزرة الطحين!! وماذا بعد؟ هل نكتفى برفع الشعارات والمطالبة بوقف القتال وإنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية؟ وهل هذا بجديد ومنذ البداية؟ وهل تحقق شيئًا من هذه الشعارات وتلك المطالبات؟ أم علينا ألا نضيع تلك الفرصة التى لا تعوض بعد الطوفان إلى إعادة القضية إلى الضوء مرة أخرى؟ ولكن هل ما تم سينتج الدولة الفلسطينية؟ أم لا بد من التحرك الفاعل على المستوى العربى والإسلامى بعيدا عن المصالح القطرية وإدراك أن الخطر قائم وسيصيب الجميع. فهل نترك الفعل ونتمسك بالشعارات أم نفعل إمكانياتنا ونهدد المصالح الغربية فى المنطقة حيث إن هؤلاء لا يعرفون غير منطق القوة والمصلحة.
كما أن الواقع الفلسطينى بتشرذمه لا يفيد المقاومة ولا ينشأ الدولة. لاتضيعوا الفرصة واعلموا أنه لايحمى المصالح الخاصة غير حماية المصالح العامة العربية، حيث إن الهدف ليس فلسطين فحسب ولكن كل العرب وكل المسلمين. حمى الله مصر وشعبها العظيم الذى ضحى ولا يزال فى سبيل القضية الفلسطينية.