حاتم عبد الهادي السيد يكتب :المقاومة الفلسطينية بارود الشعر والمقاومة بالفن
حاتم عبد الهادي السيد يكتب :المقاومة الفلسطينية بارود الشعر والمقاومة بالفن
تمثل المقاومة الفلسطينية احدى روافد الخيال؛ والمحفز لإستثارة الشعراء لتجسيد الواقع المرير لمناظر القتل والتدمير؛ كما أنها احدي السبل التوثيقية لما يحدث في فلسطين الآن.
لقد عانى الفلسطينيون الكثير منذ أن استولى الصهاينة على أرضهم ؛ وغدا وعد بلفور وانشاء وطن قومي لليهود فى فلسطين حلمًا جسده المستعمر البريطاني؛ وأكمله الكيان الأمريكي الإمبريالي المعاصر.
وفي قصيدته ” من بيت لحم للخليل” للشاعر الجميل؛ الدكتورسيد غيث؛ نجد أن الشاعر يأخذنا – منذ البداية – الى عمق القضية؛ وأحداث غزة؛ وما يقوم به المحتل الصهيونى الغاشم من تجريف للديمقراطية؛ومحو وابادة جماعية للفلسطينيين؛ ويستصرخ الشاعر عمر بن الخطاب كرمز للمقاومة في ظل غياب الأنظمة العربية؛ يقول :
الليل على عتباتك بيت المقدس؛
فانتفضي مصغية لنداء العمري..
إن هذا الخطاب الشعري المنسال بلغة طيّعة ، متسلسلة ، تدلل الي حاذق خبير ، وهو يصوغ الحرف مدفعاً وبندقيته في وجة الأعداء ، ليصبح الحرف أبجدية مقاومة ، كما أصبحت القدس عاصمة ، والخريطة دولة تتسع لتجاوز القصيدة الي الفضاء الكوني، وكأنه هنا يدلل الي عالمية الموضوع وتشابكاته عبر فيزياء الكون ، ليشي بأهمية القدس والمسجد الأقصي كقبلة لهذا العالم الكوني الممتد ، وهي صورة – أراها – أكثر اشراقاً ، ودلالة ، ومعني ، لقصيدة المقاومة الرامزة ، باحالاتها التاريخية .
انه يأتي بالبشارة ؛ الحلم بالمقاومة والانتصارات.حيث تغيرت الخارطة العربية؛أو أرادوا تغييرها؛ وحاول المحتل محو الهوية والتراث والانسان؛ لكن الأمل باقٍ ببقاء المقاومة؛ يقول :
ياصاحبي السجن؛
قد ضاقت تباريح القلوب بسفرتي؛
وخرائط البلدان ضاعت كالصواع
والعير ترحل في دجى السنوات
رحلت جنوباً.. في قطار الأربعين
وهى تنشنش شعرها … للمرتجى..
قد ضل وحيك في الجوار (ببيت لحم والخليل)
حومانة التغريب في الأرض الحلال تخصني؛
والقدس في ملك الرحيم تعطلت …!
فهل هو يبحث عن الحلم العربي، أم أنه يتشبث بالهوية والقومية العربية التي ضاعت معالمها وتبددت تحت مجنزرات الآلة الصهيونية الاستعمارية؛أم هو يبحث عن فارس، أم أن الفروسية في الشهادة، أو حتي في الشجب والبكاء لمن هم في صامتون، أولئك المحرومين من دفء الوطن؟!
لقد رأينا الشاعر واهناً ؛ حزينا؛ يبكى؛ وليس بيده سوى الصراخ ؛ يقول :
ما عدت أقدر؛ والحدائد في يدي
حتى توارت بالحجاب .. طهارتي..
كهصور.. أقعده التغني بالقديم وباعني؛
ونخيلكم .. أضحى كأعمدة الطريق الملتوى
صلبت عليه كرامة العربان ؛
والقدس للتغريب زيف
كالموت للمكتوب سيف
والبنت من خدر الحياء تنصلت..
بيعت مشاطة شعرها
لعنوسة العلجان في كبد الخريف!!.
انه الشاعر الذي يستصرخ فينا الرجولة؛ والكرامة العربية التي دنسها الصهاينة بالسبي؛ والتنكيل بالنساء والمرأة العربية التي تمثل الرمز للكرامة والشهامة والرجولة المهاضة علي عتبات العالم والحياة.
انه يدعونا لفك أستار الصمت؛ وللفرار من العار؛ فقد دُنست المقدسات؛ وتم اغتيال البراءة على عتبات القدس المقدسة؛ يقول :
هاجر.. تَزُمَّ الماء
ينبع من وضوء الأنبياء
ومآذن الرحمن تنده ربها..
فتكبر الخمس الغوالي وتشتكي
آذانكم.. في الليل أصبح كالغناء.
هذا ويعلو الرمز؛ عبرالتكثيف والحديث عن المحبوبة التي أنتهكت كرامتها: القدس عروس عروبتنا… كما استطاع أن يعبر عن حال المشكلة الفلسطينية ، عبر لغة الخطاب الشعري المقاوم؛ ليسمع الضمير العالمي صوت البندقية ؛ ومناظر الدمار؛ ومشهد المقاوم الفلسطيني الذي لا يستسلم مهما كان الأمر؛ فنراه يغزل ببندقية المقاومة، وبالحجارة صوت الفلسطينين، وصوت المستضعفين من الأطفال والنساء والعجائ ، صوت أولئك الذين ينشدون النور والحرية لوطن أنهكته المجنزرات والمروحيات، ليظل شاهدا علي العصر، ومستنكرا للصمت العربي؛ ويظل بطلًا صنعته المقاومة بعيداً عن انزياحات الجغرافيا ، والتاريخ ، والزمن ، والصمت العربي ، يؤرخ التاريخ ويصنع البطولة في مدرسة المقاومة الفلسطينية، وهو عبر الدفاع المستميت ؛ والصبر يغرس الوطنية في أسماع وقلوب الأطفال لينشأ جيل المقاومة الجديد ليطرد خفافيش الظلام الجاثمة علي عقل وقلب الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج .
وينهي الشاعر قصيدته بحكمة الشعر؛ عن الموت؛ وليس هناك أبلع من الصمت والموت والمشاهد السرمدية والخلود؛ يقول:
لعمرك لا الموت مكفول لذي حيل..
الموت أقرب من قوسين للأجل.
وفي النهاية :
إن د./ سيد غيث قد استطاع باحكام لغة ، وبخطاب شعري سيميائي هاديء؛ أن يحيلنا الي القضية الفلسطينية، الي المقاومة الباسلة، الي الشهادة المتأنقة، والفروسية الحقة، لا فروسية الشجب والاستنكار والانكسار العربي الممتد من المحيط الي الخليج .
تظل القصيدة شاهدة علي البطولة والشهادة، ويظل المقاوم الفلسطيني الهصور؛ ذلك المارد المخيف فارساً للقضية، يطرق زهرة المدائن وهو يحمل بيده غصن زيتون ، وبيده الأخرى بندقية، يطلق الحمائم فوق مآذن القدس، يغني للسلام والحرية، في فلسطين، والعالم ، والكون ، والحياة .