المزيدكتابنا

د.عادل سماره يكتب:المقارنة المحرَّمة بينما التاريخ طازج!

د.عادل سماره يكتب:المقارنة المحرَّمة بينما التاريخ طازج!

حتمية حرب الشعب ضد الأنظمة
تجاوزوا الصغائر

1- المقارنة المحرمة:
إلى جانب زلزال الاقتحام غير المسبوق، يكاد من المستحيل أن ترفع عينك عن مذبحة غزة لتفكر خارجها في مطلق شيء! ألمٌ وقلق لا يشبع ولا يتزحزح. حُنُق حيناً ووجوب ضبط الأعصاب لقراءة أدق حيناً آخر، وبين هذا وذاك يتأكد اختلاط الرؤية لضبابية المشهد باستثناء بقعة الوضوح: وضوح الدم وحتى هذا مختلط فهل هو فلسطيني فقط أم عربي!
ولكن، على ضخامة عدد الشهداء والجرحى هل نسينا الضحابا العرب بالملايين! ألم نعتد! بلى. ولكن لا تقليل من كبرياء الشهداء، ولكن الحرب هي الحرب.

وتسأل نفسك: هل هذه المذبحة هي الأولى؟ أم هي تفاقم لما بُني على ما سبقها ومن نوعها دون أن يلتقطها وعينا؟
قد يبدو السؤال خارج المنطق الجاري والسائد.
لكن هذ المرة: لا كبيرة.
لم يكن اغتصاب فلسطين لأجل فلسطين وحدها أبداً، ولكن كان دوماً استخدام هذا الاغتصاب لتغطية المشروع العدواني التاريخي الذي هو: لا عروبة بعد، وإلاَّ لا ثروات تتدفق إلى الغرب.
كتبنا كثيرا عن الاستهداف الغربي لوطننا منذ ثلاثة قرون. فماذا عن دور الأنظمة العربية في هذا؟ لن نعود عميقا في الزمن. كان ولا يزال المشروع :تفكيك وتشتيت وإهلاك العروبة.
مثلاً: ألم تكن مذبحة ايلول 1970 :
• تعبيداً لمسار الدفاع عن الكيان
• ولجم الشارع العربي
• وتكريس قبول الأنظمة بهذا.
لم يتحرك للدفاع حينها سوى يسار البعث السوري، أما بعث العراق فلم يفعل شيئاُ! والنتيجة أن الثورة المضادة قد أرست مدماكاً في مشروعها الاجتثاثي للعروبة.
كانت حرب تشرين 1973 مثابة استرجاع لعزيمة الجيوش العربية في سوريا ومصر وحتى الجزائر والعراق ودخول المحتل 1967 واستعادة جزء منه. ولكن ما لبث النظام الساداتي المصري حتى فتك بهذا التماسك وأخرج مصر من الصراع وهذا كان مدماكاً آخر في تفكيك العروبة.وبدل تحديد أن السبب هو تبعية البرجوازية المصرية كان التفسير المهزوم”عبقرية كيسنجر”!.
أرسى هذا النظام بإملاء أمريكي: أن كل قطر عربي يحل مشاكله بمفرده! وهذا تضمّن اجتثاث ان فلسطين هي القضية المركزية للعرب ومن حينها بدأ رهن وإلقاء القضية على الفلسطينيين وحدهم لإخراجها من الوجدان الشعبي طالما الواقع الرسمي قد غادرها وغاب وإلى زمن تبلور الدولة المركزية.
خطورة هذا في تكريس تصوُّر وتثقيف بذلك التصور بأن كل قطر عربي اصبح”رسميا” على الأقل يرى انه جار لآخر فقط بحكم الصدفة الجغرافية. وبالتالي لا يعنيه سوى مشاكله الداخلية والتي كان ولا يزال يجري توليدها بمتوالية هندسية.
تبع هذا تطبيق جديد لمذابح ايلول بالغزو الصهيوني للبنان 1982، حيث طبَّقت الأنظمة درساً بأنَّ الجوار الجغرافي هو بالصدفة ولم يُسارع في الدفاع حينها سوى الجيش العربي السوري الذي كان اساساً في لبنان. وهذا الإحجام الرسمي العربي عن الدفاع عن عاصمة عربية أرسى مدماكاً آخر في اجتثاث شأفة العروبة.
ثم كانت العشرية السوداء في الجزائر والتي تضمنت ما هو أخطر حيث كانت الحرب على الجزائر ثلاثية:
• قوى الدين السياسي الإرهابية
• التخطيط الإمبريالي والصهوني
• ومشاركة أنظمة عربية في الدعم والتمويل، أنظر كتابنا
,2023 Arab’s Regime Arab’s Enemy, p.p. 89-97

حيث اتضح دور الكيان في الإرهاب ضد الجزائر وشرط وقفها الاعتراف بالكيان .
أهمية بل خطورة هذا المدماك الضد عروبة في الإعلان الأول عن التحالف الثلاثي ضد العروبة اي الإمبريالية والصهيونية والأنظمة الصهيونية العربية وحليفتها قوى الدين السياسي.
ثم كان المدماك الأشد خطورة عدوان عام 1991 ضد العراق ليس لأنه ثلاثيني بل لأن معظم الأنظمة العربية والإسلامية شاركت علانية في ذلك العدوان وشارك معها مثقفون كُثر. صحيح أن الشارع العربي تحرك إلى حد ما لصالح العراق، ولكن ذلك لم يصل حد التصدي والصد ولم يتألم أحد على ربما مليون شهيد عراقي! ومضى الأمر كأن حافلة ركاب سقطت في وادي! ولم يحاسب أحد أحداً. وكما في سابقاتها لم نشاهد حتى دهشة لعدد الضحايا!
لكن المدماك الخطير هنا لم يكن فقط في تدمير العراق بل في وصول ثلاثي الثورة المضادة مرحلة العلنية بلا مواربة عام 2003 وخاصة استخدام بل قيام نظام عربي بالعدوان ضد آخر خدمة للإمبريالية ونيابة عنها وهذه كانت الضربة الكبرى للعروبة بالمعنى القومي.
قد يعترض البعض بأن العراق هو الذي ارسى هذا بدخوله الكويت. لهذا نقاش آخر، لكن الخلل كان في التوقيت العراقي وليس في المبدأ كون الكويت جزء من العراق، وها هي سلطة الكويت اليوم تستأسد على سلطة بريمر في العراق في رسم الحدود بينهما والتهام أراض عراقية!
كان احتلال العراق 2003 مثابة دق جرس الخطر حيث أدرك الذين وقفوا ضد العراق 1991 بأن العدو الثلاثي لن يتوقف عند سقوط بغداد ودماء العراقيين بل اجتثاث قطر عربي مركزي وأيضاً مشاركة عربا رسميين ومسلمين في إهلاك العراق. ومع ذلك لم يكن تألُّماً لدم مليون عراقي آخرين! ولم تحصل صدمة الوعي الكافية وكأن ما نتج عن ذلك هو تكريس مشروع الثورة المضادة بقتل العرب بالعرب والمسلمين.
هذا إلى أن كان “الربيع/الخريفي العربي” الذي أكد أن الثورة المضادة هي تحت الجلد، لذا ما أن حصلت بدايات الاحتجاج الشعبي الإصلاحي حتى امتطته الثورة المضادة لتتحرك بتسونامي إتضح أنه كان جاهزا في ما نسميه الاستشراق الإرهابي أي تخطيط إستراتيجي إمبريالي صهيوني وتمويل وتحشيد أنظمة الصهيونية العربية وتنفيذ قوى الدين السياسي العربية والإسلامية.
وكانت دماء أكثرمن مليون بين عراقي وسوري وليبي ويمني، وتدمير حواضر عربية ومحاولة اجتثاث جيوش جمهورية عربية، ومرة أخرى، كأن الدماء لم تسيل!
وهنا يبرز السؤال عن المقارنة المحرمة:
لماذا وكيف قُضي على هذه الأعداد الهائلة في هذه البلدان، وشاركت في ذلك أنظمة عربية علانية ومع ذلك لم يتم يرى معظمنا أنهار الدم وعلى حراب إرهابيين عرباً ومسلمين ولم نشهد حراكاً شعبياً عربيا بحجم وهول المذبحة.
هل هذا ما اسَّس لمذبحة غزة دون تحرك رسمي عربي، بل بمشاركة بعضه، هذا وإن كان ولا يزال تحرك شعبي مظاهراتي جيد وواسع لكنه ضمن نطاق التضامن!؟
نقول نعم، لم يكن الحراك الشعبي كما حجم المذبحة في غزة لا سيما وأن الذبح في غزة يُطلق على الهواء وبتفصيل مميت!
نعم كان الجانب الإيجابي غير المتوقع من معظم القوى حتى التقدمية وهو الانفجار الشعبي العربي ضد العدوان وهو معنويا ووجدانيا ضد الأنظمة لكن ينقصه التفعيل القووي او النووي الشعبي.
فقط عدد محدود هم العروبيين الذين كانوا يصرخون في وادي لا ينقل الصدى والصوت بأن العمق العروبي والمشروع العربي ممكنين.
2- سيناريوهات اللحظة وسيناريو الما بعد :
حتى اللحظة، غزة صامدة، وبالتالي الساعات بانتظار:
• هل ستطلب المشاركة في القتال؟
• هل سيحصل؟
• هل سيوسع العدو عدوانه
• هل ستلجم امريكا والغرب شبق الكيان للدم لأنه لا يشبع .
• هل سيكتفي بالقتل والقضم التدريجي كي لا تحصل حربا موسعة.

تحدث كثيرون عن السيناريوهات، ولكن بما أن العدوان ثلاثياً:الغرب والكيان والصهيونية العربية، فإن لكل طرف في مجريات العدوان دوره كما له دور في العدوان:
كتبتُ تغريدة في الأسبوع الأول للعدوان بأنه: ليس من مصلحة امريكا فلتان العدو كما يريد أخذاً بالاعتبار أن امريكا هنا اساساً لمصالحها والكيان جزء وليس كل مصالحها حتى حينما كان قاعدة فكيف وقد اصبح محمية! وامريكا والغرب يعلمون بأن استمرار المذبحة يزيد عزلة الأنظمة العربية ويُراكم الحراك الشعبي والذي سيصل يوماً إلى الحسم. وبالتالي سيكون الغرب ومصالحه في مواجهة مباشرة مع كامل العروبة.وهذا لا شك يدركه استراتيجيوا أمريكا حتى بمعزل عن تورط كل الغرب في أكثر من حرب وخاصة مع روسيا والتحضير ضد الصين.
هذه الاعتبارات قد تدفع الغرب والصهيونية العربية للقول للكيان: هناك مسافة هائلة بين شبقكم للدم وبين رد الاعتبار النسبي الذي حصلتم عليه عسكريا وخاصة مدنيا، فلنفتح باب التهدئة والتفاوض.
ليس هذا بالمؤكد ولكنه الأقرب كما يبدو. وهذا إن حصل يحفظ للتاريخ قدرة المقاتل الفلسطيني العربي الهائلة والشكر لكل من ساعد وموَّل وسلَّح. ولكن اياً كانت السيناريوهات فإن هذه الجولة سوف تنتهي يوماً ما، ولذا يبقى التساؤل: ما العمل في مواجهة الثلاثي للثلاثي؟
فالحرب مع ثلاثي الإمبريالية والكيان والصهيونية هي دائمة، فماذا عاملٌ هو ثلاثي:ال.م.ق.ا.و.م.ة والجيش والشعب العربي ؟
كيف يجب تطوير الحراك الشعبي العربي لرتق الفجوة الهائلة التي حُفرت بين القضية المركزية والدولة المركزية؟ أو هزيمة هذه الأنظمة بلا مواربة، وهذا إن حصل سيوسع الفجوة بين الشارع الأممي والأنظمة الرسمية المعادية؟.
ما حصل حتى الآن خطوة استراتيجية، لكنها تكشف بوضوح بأن دخول الشعب في المواجهة هو الحاسم، سواء بالمقاطعة واقتلاع مصالح الإمبريالية والكيان ووقف التطبيع، وتفكيك مفاصل السلطات الأمنية وصولا إلى العصيان المدني و/أو حرب المدن حتى إسقاط هذه الأنظمة.

إنه بالحتم تغيير النظام الرسمي بالنظام الشعبي العروبي وهذا يعني اقتلاع الوجود والمصالح الإمبريالية في هذا الوطن، وحينها وعلى ضوء تحرير الأرض والثروات وعلى ضوء أن العالم مصالح إقتصادية فهي تحكم وتحسم بمعنى أن سلاح تحرير الثروة وبراجماتية مختلف الأمم لمصالحها سوف تُحوِّل إجماع العالم الذي حصل ضدنا1948 أي:
• الكتلة الشرقية
• الغرب الإمبريالي
• الاشتراكية الدولية
• الرجعية العربية
ليصبح إلى جانبنا، خاصة وأن الفريق الرابع يكن قد إنتهى.
وحينها يصبح الصراع بوضوح ذي شقين:
الأول: مواصلة الكفاح ضد الإمبريالية والصهيونية
والثاني: وضع كل الأمم أمام خيارين إثنين: إما مصلحتكم معنا أو مع الكيان والغرب.
و حينها أيضاً، فإن مصالح الأمم تدفعها لصالحنا مما يعني أننا قد لا نحتاج النووي ولا غيره للتحرير،وسيهز كثيرون أكتافهم استسلاماً. ولهذا حديث آخر كتبناه بإيجاز عام 2010 في كتابنا “التطبيع يسري في دمك” ص ص 154-163.
3- الصغار والصغائر:
في اللحظة ولاحقاً، هناك الكثير من الشوائب التي يثرثر بها من اعتادوا على التشكيك والتحشيد والفتنة والعصبية. فهم إما خُلقوا هكذا أو جرت تربيتهم هكذا كموظفين. فمتى يتم لجمهم:
ينقنق هؤلاء ب: شتم الجيوش العربية، شتم العروبة، نفي أن الفلسطينيين حملوا السلاح قبل الثورة الإيرانية، الزعم أن طائفة تقاتل وأخرى لا، خلط الشعب العربي بالأنظمة، عدم الفصل بين أنظمة جمهورية وطنية أي مصر الناصرية، سوريا، الجزائر، وبين أنظمة جمهورية تصهينت، نشر فيديوهات الفتنة والكراهية والشك بين العرب سنة ضد شيعة وشيعة ضد سُنة! وهي بالمئآت حتى خلال هذه المذبحة! مشايخ يتعيشون على هذه السموم. إدانة ذو العمامة أنه لم يدخل كليا الحرب، والتشكيك في المحور بأنه يناور على الهامش، دون أن يفهم هؤلاء بأن كل طرف مشكوراً بما ساهم وضمن قدراته والحاجة إليها.
هذا ناهيك عن التورط في ما يكرره الإعلام الغربي بأن الحرب ضد حماس، أو حرباُ إسلامية، و قيام كل فصيل بالتركيز على دوره وإهمال تضحيات غيره الحالية فما بالك التي امتدت على مدار عشرات السنين.
وهنا أقول لهؤلاء: هل شاهدتم لدى الكيان أية كلمة غير “جيش الدفاع الإسرائيلي”!
هل شاهدتم بيانات خاصة لكل من التالية:
كتائب الليكود، كتائب حزب العمل، كتائب المفدال، كتائب كاخ، كتائب راكاح،كتائب المستوطنين الروس، المغاربة، الأمريكيين …الخ.
ألا ترتقون عن الصغائر!
فالزمن، نعم الزمن وليس الوقت مبكراً على الانتخابات لأن الصراع مديدا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى