تاريخ ومزارات

بقيع مصر المهمل ..!! البهنسا

بقيع مصر المهمل ..!!

—————–

شايفين الخرابة التي في الصورة أسفل المقال ..؟ لا ليست مقلباً للقمامة وليست قرافة وليست بيتاً مهدوداً .. هذه قرية لها قصة لمن لم يسمع عنها من قبل لن يصدقها .!!.

قرية في قلب الصعيد اسمها “البهنسا” قرية من قديم الزمان من أيام الفراعنة .. قرية كل شبر فيها يحكي حقبة من التاريخ ،

مثلا .. اسمها نفسه له أكتر من معنى .. أشهرهم ” بـرمجيد ” . أو ” الصولجان الذهبية ” .. بالمصرية القديمة .. ويقال إنه تحريف لكلمة ” أبهى النسا ” لأن زوجة الحاكم كانت جميلة مثل القمر ..!!

قرية على حدود محافظة المنيا تعتبر بوابة الصعيد من جهة .. وطريق الفيوم من جهة تانية .. هذه القرية كانت مركزاً لعبادة الإله ” ست ” وكانت مدينة حصينة جدا خرج منها يوماً ” أحمس ” بجيوشه لكي ينتصر على الهكسوس .. وعاش فيها يوماً ما ” سيدنا يوسف عليه السلام ” حتى أن حدودها بحر اسمه ” بحر يوسف ”

أهمية المدينة عند الفراعنة فضلاً عن موقعها الاستراتيجي .. أنها كانت مركزاً لعبادة الإله ” ست ” إله الشر والزوابع ..

وليس هذا فقط .. ومع إن قصة إيزيس وأوزوريس أُسطورة .. لكن لو فرضنا مثلما قال العلماء أنهم جاؤا من كوكب آخر عبر بوابات النجوم .. والقصة كانت حقيقية ،

يبقى أرض المعركة اللي حصلت بين ست وحورس .. وحورس قطع له رجله في النهاية في القرية دي بالذات ..

أهمية ست للقرية أنه كان معبودهم وحامي المدينة .. وهذه المدينة كانت مزدهرة جدا في الفترة هذه .. وكان فيه عيد قومي للإله ” ست ” كل سنة يحضر الحجاج فيه من كل مدن مصر ، خصوصا في عصر رمسيس الثالث ..

كما دخل هذه القرية بنو اسرائيل على يد سيدنا يوسف عليه السلام .. وفي عهد موسى عليه السلام بنوا فيها المعابد وخلافه .. يعني نقطة التقاء بين الديانة المصرية وبين ديانة بني اسرائيل لغاية خروجهم على يد سيدنا موسى عليه السلام ..

اليونانيون عندما دخلوها سموها ” أوكسيرنخوس ” وكانت أشهر مدن الصعيد بالنسبة لهم ” في التاريخ الحديث أكبر عدد برديات للرومان واليونانيين كانت في هذه القرية ”

وكانت مركزاً تجارياً كبيرا لليونانيين ومدينة مقدسة ملؤوها بالمعابد ..

في عصور بيزنطة كانت رحلة العائلة المقدسة وهناك مكان مشهور جدا بشجرة العذراء التي استراحت تحتها السيدة مريم وابنها يسوع المسيح وهو طفل رضيع .. وهذه الشجرة موجودة هناك ومشهورة وبيتبركوا بيها .. ولما دخلت المسيحية مصر امتلأت البهنسا بالكنائس والصوامع ويمكن أكثر من اسكندرية نفسها .. البيزنطيين كانوا معتبرينها بوابة الصعيد واهتموا بها كعاصمة للاقليم، .. نقطة التقاء ثانية بين الديانة المصرية واليهودية والمسيحية،

ولانها كانت مهمة جدا ، ستجدوا ذكرها في كتب يونانية كثير .. مثل أعمال سترابون (حوالي 64 ق . م) وبلينى (ولد 28 م) وبطليموس (ت 161 م).

أما بالنسبة للفتح الاسلامي فهذا له قصص كتيرة جدا .. فقرية البهنسا كبوابة للصعيد كانت حصن منيع جدا قدام جيوش المسلمين،

فعندما فتح عمرو بن العاص الفسطاط واسكندرية وكان يريد أن يمتد للصعيد أرسل لعمر بن الخطاب وقال له : من أين أبدأ .. فقال له عمر بن الخطاب وأشار عليه بالبهنسا وأنها البوابة وحذره من بسالة شعبها،

أما الرومان كانت البهنسا آخر آمالهم الحصينة .. وكانوا مستعدين للدفاع عنها بإستماتة شديدة فجمعوا جيوش من كل مكان – السودان والصعيد – ومن حصون بيزنطة – وتحصنوا فيها .. وأما البهنسا نفسها فكانت حصن منيع .. سور عالي حصين له ٤ أبواب من كل جهة وفوق كل باب ٣ أبراج ..

فما كان من عمرو بن العاص إلا أنه جمع أقوى الجيوش عنده واشترك في هذا الجيش كثير من كبار الصحابة ومن الأوائل الذين حضروا غزوة بدر ..

الجيش كان بقيادة الصحابي ” قيس بن الحارث ” ظل الحصار مستمرا ٦ شهور متصلة استشهد فيها كبار رجال الصحابة ومن كبار أولادهم وأولاد أولادهم أمثال :

1- زياد بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب

2- محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق

3- سليمان بن خالد بن الوليد ..

4- الحسن الصالح بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب

5- محمد بن أبي ذر الغفاري ..

6- محمد بن عقبة بن نافع ..

7- صاغر بن فرقد ..

8- عبد الله بن سعيد ..

9- عبد الله بن حرملة

10 عبد الله بن النعمان

11 عبد الرزاق الأنصاري

12 عبد الرحيم اللخمي

13 أبو حذيفة اليماني

14 أبو سلمة الثقفي

15 أبو زياد اليربوعي التميمي

16 أبو سليمان الداراني

17 ابن أبي دجانة الأنصاري

18 أبو العلاء الحضرمي

19 أبو كلثوم الخزاعي،

20 أبو مسعود الثقفي،

21 هاشم بن نوفل القرشي

22 عمارة بن عبد الدار الزهري القرشي،

23 مالك بن الحرث،

24 أبو سراقة الجهني،

25 عبيدة بن عبادة بن الصامت،

26 جعفر بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي القرشي،

27 علي بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي القرش،

28 خولة بنت الأزور ..

نقطة التقاء أخرى بين كل الديانات،

لك أن تتخيل أن هذه الارض دفن بها قريبا من الخمسة آلاف صحابي من كبار الصحابة والتابعين المجاهدين ورواة الحديث، ومدفون بها انبياء العصور القديمة، ومدفون بها التابعين وأصحاب الكرامات .. وكمان فراعنة وكهان ويهود .. كل هذا في هذه الارض الصغيرة ..

من أشهر القصص الشعبية في هذه المنطقة .. قصة السبع بنات .. أشهر قصة شعبية في مصر وهناك الكتير لايعرفون عنها شيء .. مع أن فيه شوارع بإسمهم ومدارس ومشاهد قبور اشهرهم عند القرافة الصغرى في القاهرة ..

يقال أن السبع بنات دول “وقالوا سبعين” كانوا مصريات .. وكنَّ قبطيات مسيحيات .. وكنَّ يكرهن الرومان ولا يحبونهم ..

وكن لهنَّ مكانة دينية ومجتمعية عالية في الصعيد كله ..

الحقيقة لم يعرف أحد هل أسلمن أم لا .. لكنهنّ قررنَّ أن ينقلبن على الرومان وقت الفتح الإسلامي وانضممنَّ سراً لجيش عمرو بن العاص .. وفعلنَّ بالرغم من سنهن الصغير .. إلا أنهن لبسن لبس العسكرية الاسلامية .. ورفعن السيوف والنبال وحاربنَّ بشجاعة في صفوف المسلمين،

وعندما اشتدت المعركة أظهرن قوة وشجاعة كالرجال أنفسهم بل أكثر .. لدرجة أن من لا يعرفهنَّ ظنَّ أنهن من كبار قادة الجيش وخافوا منهم ..

ولما انتصر عمرو بن العاص وفي نهاية الحرب وقبيل النصر بقليل ومن فرحتهنَّ بالنصر زغردوا ..

فشاهدهم الرومان وعرفوا أنهنَّ البنات الهاربات من صفوف الرومان .. فما كان من الجيش الروماني الا أنه ترصدهم وتعقبهم وقام بقتلهن واحدة تلو الأخرى إلى أن قتل ال٧ كلهنَّ لكن بعد ما قتلوا من الرومان كتير،

يصف المقريزي أن دمائهنَّ حولت الارض للون الاحمر .. ومنها أنبت الله الزرع كنوع من التكريم لأرواحهم .. ولما شاهد المصريون هذا المنظر .. دفنوهم وتبركوا بهن وبطهارتهنَّ واحتسبوهم من أولياء الله الصالحين ،

مع الوقت دخلت هذه القصة في القصص الشعبية المصرية .. والارض إلى ما بعد الأيوبيين كانت حمراء فعلا .. وكان الزوار يأخذوا من حصى الارض بركة إلى أن قضوا على كل آثار دمائهن ..

وحاليا .. أضرحة السبع بنات أصبحت مزارا لكل مريض .. يكفي أن المريض أو العانس أو العقيم .. تتدحرج من فوق التبة التي عليها الاضرحة ” الخادمة بتاعت الاضرحة هيا اللي بتزقهم ” عشان ربنا يشفي العلة اللي فيهم .. خرافات طبعا .. لكن لحد دلوقتي ده بيحصل كل يوم جمعة الصبح،

وكمان الاسطورة بتقول إن فيه أماكن هناك ربنا بيستجيب فيها الدعاء دائما ..

نذكر منها : مجرى الحصى – وعند مجرى السيل – علشان عدد شهداء المسلمين هناك عند قبر زياد بْن أبي سُفْيَان – عند مشهد الحسين بْن صالح بْن الحسين بْن على بْن أبي طالب – وعند قبر عَبْد الرزاق من داخل الباب وَالجبل – عند معبد النبي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ – عند قبور الشهداء بسفح الجبل،

وهناك دفن مسلمين كتير جدا تبركاً بأصحاب القبور الأولى .. ستجد هناك مماليك وامراء وفاطميين وايوبيين وعلماء مثل الجبرتي مثلا،

أما عن بحر يوسف ، فتذكر الكتب أن سيدنا يوسف هو من شقه واستعان ب١٠٠٠ من العبيد وفشل .. وأوحى الله له أن يستعين بخالقه وأنه قد أمر جبريل بشقه ” الرواية هذه مشكوك فيها طبعا ”

هذا غير قصص التجليات ، والجن اللي بيظهر هناك والنور اللي بيتعمد على بعض الاضرحة وقصص مش هنخلص لو قلناها.

طبعا هذه القرية مهملة وريحتها قمامة ولا يذهب إليها أحد غير كل يوم جمعة من الاهالى اللى هناك .. ولا أدري لماذا كل هذا التجاهل من الدعاية والرعاية والنشرات السياحية والإعلام .. مع أنها الوحيدة من نوعها في العالم غالبا ..!؟

وفي النهاية انظر لهذه المصادر ..

1- قد ذكر ابن دقماق في كتابه “الانتصار لواسطة عقد الأمصار” كورة البَهْنَسَا ضمن كور الوجه القبلي، والتي كان عددها اثنتين وعشرين كورة تجمعها عشرة أعمال من بينها “عمل البَهْنَسَائية” .

2- وقد كانت البَهْنَسَا كشوفية في عهد المماليك، وكان يتولاها كاشف، ويؤيد هذا النص الذي ورد في كتاب “بدائع الزهور” لإبن إياس الحنفي : “وفي ربيع الآخر خلع السلطان على الجمالي يوسف بن الزرازيري كاشف البَهْنَسَا وقرره في الوزارة عوضاً عن خوش قدم الطواشي بحكم صرفه عنها “، ويضيف : ” الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الخازن ولي الكشف بالبَهْنَسَا بالوجه القبلي ثم ولي القاهرة وشد الجهات وأقام عدة سنين‏

3- ويؤكد ذلك قول ابن تغري بردي في كتابه حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور : ” في يوم الاثنين رابعه وصلت رؤوس الناس من العرب العاصين أرسل بها كاشف البَهْنَسَاوية”

وفي تاريخ الجبرتي : ” وفي سابعه حضر شاهين بك.. وأعطاه الباشا إقليم الفيوم بتمامه التزاما وكشوفية وأطلق له فيها التصرف وأنعم عليه أيضا بثلاثين بلدة من إقليم البهنسا مع وكشوفيتها” .

4- ويأتي ابن حوقل في القرن (4 هـ/ 10 م) على رأس من ذكروها كموقع وتاريخ حين قال : “والفرفرون قرية ذات قصور.. وبالفرفرون والبَهْنَسَا قصران لآل عبدون يليهما مساكن القلمون.. وبالبهنسة وبيخيط وبيريس قرى ظاهرة وباطنة”. وفي هذا ما يشير إلى ما كان بالمدينة في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي من أبنية وقصور

وكذلك فقد ذكرت فيما قيل تعليقًا على ما أشار إليه المسبحي في القرنين (4 ـ5 هـ/10 ـ11 م)”بأنها تقع إلى الغرب من قرية القيس” ، “وبين بهنسة مصر والقيس وبهنسة ألواح أربع مراحل ”

5- ويضيف المقريزي : “اعلم أن القيس من البلاد التي تجاور مدينة البَهْنَسَا” ، وكان يقال : القيس والبَهْنَسَا.

وفي هذا ما يُشير إلى تأثير كل مركز من هذين المركزين المتجاورين على الآخر في مجال الصناعة التي اشتهر بها كل منهما.

6- وقد زار ابن بطوطة البَهْنَسَا ووصفها بقوله : “. ثم سافرت منها (يقصد مدينة ببا) إلى مدينة البَهْنَسَا، وهي مدينة كبيرة وبساتينها كثيرة، وضبط اسمها بفتح الموحدة وإسكان الهاء وفتح النون والسين وتصنع بهذه المدينة ثياب الصوف الجيدة. ”

– وفي تلك الإشارة العابرة نجد أنه لم يعط البَهْنَسَا صفة المدينة فقط وإنما وصفها بالكبيرة ذات البساتين الكثيرة فاختلف بذلك مع المسبحي قبله واتفق فيه مع ما ذكره المقريزي بعده في القرن (9 هـ/15 م)

– حيث وصفها المقريزي بالمدينة وجعلها في جهة الغرب من النيل : ” هذه المدينة في جهة الغرب من النيل بها تعمل الستور البهنسية”.

7- ويذكرها المقدسي في أحسن التقاسيم : ” ويصنع ببهنسة الستور والأنماط، والكتان الرفيع مزارعه ببوصير.

أما ما قيل تعليقًا على إشارة ابن ظهيرة إليها في القرن (10 هـ/16 م) فمؤداها أنها – كما قال المقريزي – في جهة الغرب من النيل بالصعيد الأدنى يضاف إليها كورة فيقال “كورة البَهْنَسَا ”

– ويذكرها اليعقوبي بقوله : ” وكانت مملكة القبط أرض مصر من كور الصعيد : منف، ووسيم، والشرقية، والقيس، والبَهْنَسَا، وأهناس” ،

ملحوظة ، بعض الروايات بتعتمد على رواية شعبية اكتر من الحقائق لكن النتيجة النهاية البهنسا هى ” بقيع مصر ” ..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى