عائلات مصرية
عائلة بكر في فلسطين تشتهر تاريخيا بالعمل في قطاع الصيد البحري.. والاحتلال حول مهنتهم إلى بؤرة من الخطر
دعاء رحيل
قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العام الجاري، بإحداث أكثر من 120 انتهاكا بحق صيادي غزة، فاعتقلت حتى مطلع يونيو الجاري 39 صيادا، من بينهم أطفال، وأصابت أكثر من 15 صيادا بجروح متفاوتة، ودمرت وصادرت مراكب ومعدات صيد.
وجد الصياد الثلاثيني أمجد بكر في وصف “احنا فدائية لقمة العيش” تعبيرا دقيقا لحجم المخاطر التي تواجه الصيادين في قطاع غزة، على مدار سنوات الحصار الإسرائيلي، الذي يتم عامه الـ16 على التوالي أواخر يونيو الجاري.
والصياد في غزة -حسب وصف بكر- “فدائي” يودّع أسرته وأطفاله ويركب البحر من دون أن يعلم “هل سيعود إليهم حيا أو ميتا؟” بفعل اعتداءات إسرائيلية لا تتوقف على الصيادين منذ فرض الحصار البحري يونيو 2006.
كما فرضت إسرائيل حصارها البحري الخانق، بعد أسر المقاومة الفلسطينية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط يوم 25 يونيو 2006، وعمدت إلى تشديد هذا الحصار.
إرهاب وابتزاز
ويشتهر أبناء عائلة بكر تاريخيا بالعمل في قطاع الصيد البحري، وتعرض عدد منهم لصنوف كثيرة من الاعتداءات الإسرائيلية، قتلا وجرحا واعتقالا.
وأمجد وأشقاؤه السبعة كانوا في مرات كثيرة ضحايا هذه الاعتداءات، وآخرها قبل أيام إذ أصاب الاحتلال واعتقل شقيقيه عوض (24 عاما) وجبر (21 عاما)، عندما هاجمت زوارق حربية إسرائيلية مركبهم الصغير، وكانا على متنه برفقة صياد ثالث.
وفي هذه الحادثة، أصيب عوض بخلع في الكتف، ونجا من موت محقق بعدما حاول زورق إسرائيلي دهسه وقتله، عقب إجباره وزميليه على القفز في الماء، بينما أصابت قوات الاحتلال شقيقه جبر بعيار ناري في ساقه، وأطلقت على زمليهما محمد أبو غانم عيارا ناريا تسبب بكسر في يده اليمنى.
في هذا الصدد وقال أمجد بكر إن الصيادين الثلاثة قضوا ساعات من الرعب والإرهاب والشبح عُراة فوق سطح الزورق، وهم ينزفون دما. في حين أغرق جنود الاحتلال معدات الصيد، قبل أن يقتادوهم ومركبهم إلى ميناء أسدود داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
واعتاد الصيادون -بحسب أمجد- على هذه التجارب القاسية، واكتسبوا خبرات جعلتهم يصمدون أمام محاولات الابتزاز، التي تمارسها عليهم مخابرات الاحتلال خلال التحقيق، ومساومتهم على “التخابر معها” مقابل تسهيلات بحرية.
نكبة الصيادين
وعلى مدار سنوات الحصار الطويلة، تكبدت أسرة بكر خسائر فادحة ما بين تدمير قوات الاحتلال 4 مراكب صغيرة واستيلائها عليها، إضافة إلى مركب كبير يطلق عليه الصيادون في غزة اسم “لَنش”، يُقدر ثمنه بنحو 250 ألف دولار.
وإثر ذلك، تدهورت الأوضاع الاقتصادية لهذه الأسرة المكونة من 27 فردا، حيث تشكل مهنة صيد الأسماك مصدر الرزق الوحيد لها. ويقول أمجد بكر إنه يعاني منذ زواجه مشكلة صحية تعوق الإنجاب، ولا يمتلك المال اللازم للعلاج، في حين أن 6 من أشقائه لا يستطيعون الزواج.
ويتكدّس أفراد الأسرة في منزل متواضع يتكون من 4 غرف، ووفقا لأمجد (32 عاما)، الذي يعمل في الصيد منذ كان طفلا في عمره 12 عاما، فإن “الحصار البحري الإسرائيلي يشكّل نكبة لآلاف الصيادين والعاملين في قطاع الصيد في غزة، وغالبيتهم لا يجيدون أي مهن أخرى سوى صيد الأسماك”.
وتمنح اتفاقية أوسلو -الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 1993- الصيادين في غزة الحق في ممارسة مهنة الصيد حتى عمق 20 ميلا بحريا، إلا أن سلطات الاحتلال بدأت بالتلاعب بهذه المساحة، منذ اندلاع انتفاضة الأقصى سبتمبر 2000.
إصابات ومصادرة مراكب
وفي هذه الأثناء، تُكثف سلطات الاحتلال من اعتداءاتها اليومية بحق الصيادين، بدعوى اختراقهم المساحات المحددة للصيد، التي تتفاوت من منطقة إلى أخرى في البحر الذي لا يتجاوز طول ساحله 30 كيلومترا من بيت حانون (شمالي قطاع غزة) وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة عام 1948 وحتى رفح على حدود القطاع مع مصر جنوبا.
وأشارات إحصاءات مؤسسات مختصة إلى أن سلطات الاحتلال ارتكبت منذ بداية العام الجاري أكثر من 120 انتهاكا بحق الصيادين؛ فاعتقلت حتى مطلع يونيو/حزيران الجاري 39 صيادا، من بينهم أطفال، وأصابت أكثر من 15 صيادا بجروح متفاوتة، ودمرت وصادرت مراكب ومعدات صيد.
ونوه منسق اتحاد لجان الصيادين زكريا بكر، إن غزة تواجه “أطول حصار بحري في التاريخ”، وما يتعرض له الصيادون في هذه الأيام “مخطط إسرائيلي” متكرر منذ عام 2006، بتشديد الخناق في مواسم الصيد، لحرمانهم من أرزاقهم، مضيفًا إن موسم الصيد الممتد من أبريل وحتى نهاية يونيو الجاري يشكل ما بين 40 إلى 50% من حجم الإنتاج السنوي من الأسماك في غزة، وهو ما يفسر كثافة الملاحقات والاعتداءات الإسرائيلية على الصيادين حاليا.
تدمير ممنهج
كما وضع مدير الخدمات في الإدارة العامة للثروة السمكية بوزارة الزراعة في غزة، جهاد صلاح، الجرائم الإسرائيلية بحق الصيادين في سياق مخطط للتدمير الممنهج الذي يستهدف قطاع الصيد البحري في غزة، ويشمل تشديد الخناق داخل البحر، وكذلك فرض قيود مشددة على توريد معدات الصيد وقطع الغيار ومحركات المراكب.
وأكد صلاح- إن الحصار البحري كبّد الصيادين خسائر مادية فادحة، مقدرا عدد المراكب الصغيرة “الحسكات” التي استولى عليها الاحتلال منذ عام 2015 بنحو 45 حسكة، من بينها 15 حسكة ومركب “لنش” خلال الشهرين الماضيين.
وتحتجز سلطات الاحتلال هذه المراكب لفترات متفاوتة قد تمتد لسنوات، ولا يعيدها إلا مدمرة وخالية من محركاتها ومعدات الصيد، وفقا لصلاح.