يعد مثلث “حلايب وشلاتين” من المناطق التي تحمل تراثاً خاصاً ومتفرداً، حيث كان يطلق على هذه المنطقة قديماً “مثلث الذهب”، ففي العصر الفرعوني كان يوجد بها مناجم ذهب الفراعنة وأن بهذه المنطقة، على حسب المعتقدات “البجاه”، أي الحارس الأمين لذهب الفراعنة، ومنه جاءت تسمية “قبيلة البجة”، وهي واحدة من أقوى القبائل في تلك المنطقة، وهي القبيلة التي ذابت وتزاوجت وتصاهرت مع القبائل العربية التي قامت بفتح هذه المناطق إبان الفتح الإسلامي لجنوب مصر الشرقي .
وتتميز تلك المنطقة بامتلاكها موروثاً فنياً يتجدد بتجدد المناسبات التي تمر على أهلها، حسب العادات والتقاليد المتوارثة .
من العادات الغريبة في مجال “العرس” أن العريس حين يتقدم لخطبة العروس يدور حول قطعة الأرض بجمله، وهي التي يبني فيها “عشه” من الخيش وصوف الغنم والخشب والصاج ثم يعطي المهر لوالد العروس جملين أو ثلاثة، على حسب مقدرته، أو حسب الاتفاق .
ويدخل بعروسه عند بيت أهلها ولمدة شهر حتى ينتقل إلى عشته، ولا يذهب إلى عروسه في المساء حتى لا يكشف العروس في مدة الشهر وهي لا تراه ولا يراها حتى ينقضي الشهر، ولا تخرج من عشة أبيها .
وفي “العرس” يرقص أهل القبيلة رقصة تسمى “الوسيب” و”البيوب”، وتعتمد على الرقص والتصفيق الجماعي، وهو طقس احتفالي منتشر بين قبائل العبابدة والبشارية .
وحالياً هناك فرقة للفنون الشعبية تقدم التراث الغنائي والرقص التي تتميز بهما المنطقة، حيث تقدم هذه الفرقة لوحات من الفن والتراث البدوي مثل “التربالة” ورقصة السيف والدوق وزفة العروس، وهناك أيضاً أغاني الرعاة وأغاني الشفاء التي تؤدي من الرعاة عند سقيهم الأغنام والمواشي من الآبار ومنها هذا النص:
“هيبلادر / هيبلادية/ وا محمدية/ حلبوكي لي/ في روض حي/ أم العوادي/ لبنك دواي/ العتر الغر/ لبنهم مر/ لشيك لبنك مر/ يوجع في القمر” .
وهناك كذلك أغانٍ للمولود تغنيها النساء ومنها:
هودنا يا هودنا
لولا يالولا
الصندوق عند الدكان
والدكان عايز مفتاح
والمفتاح عند الحداد
والحداد عايز فلوس
والفلوس عند الوليد
والوليد عايز لبن
واللبن تحت البقر
والبقر داير حشيش
والحشيش داير المطر
والمطر في إيد الله
لا إله إلا الله
محمد رسول الله
ويغني الأطفال هناك مجموعة من الأغاني، التي تتشابه مع الأغاني الموجودة في صعيد مصر والخاصة بالألعاب الشعبية ومنها:
لولا يا لولا
أبوكا سافر مكة
يجيب ليك صندوق كحكة
والصندوق عند الدكان
والدكان عايز مفتاح
والمفتاح عند الحداد
أما الشباب في وقت العصاري فيجتمعون ليغنوا أغاني الحب مثل قولهم:
في ضل الضحاوية
سوي الجبنة يا بنية
وفي الفنجان واسقيني
فنجان بشمالها
يساوي الدنيا بحالها
ويؤكد الباحث الشعبي مسعود شومان أن مجموعة العادات والتقاليد والمعتقدات تشتبك وتتداخل لتشكل منظومة متماسكة تحكم قبائل المنطقة، بل تمتد بخيوط عميقة بداية من الميلاد انتهاء بالموت، فدورة الحياة عند قبائل “البشارية” و”العبابدة” تكون واحدة، مع اختلاف اللغة، فالعبابدة يتحدثون العربية كلغة أولى وإلى جانبها الرطانة، بينما يحالفهم “البشارية” في ذلك وترتبط معظم العادات بحياتهم التي تعتمد على الرعي حرفة وحياة، فضلاً عما يحيط هذه الحياة من تصورات قبلية ممتدة ومتجذرة بين أفراد هذه القبائل . وتتسم مناسباتهم الاجتماعية بداية من “السماية” أي احتفالية المولود، مرورا بالعمل والزواج، وانتهاء بالموت بمجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات والتصورات التي تشكل منظومة حياة كاملة.
ويقول الباحث أحمد عبد الحليم الليثي الذي عاش لسنوات في تلك المنطقة كباحث في الفولكلور: “الزراعة في هذه المناطق بسيطة عبارة عن ذرة العيش أو الرخن وهي ذرة حمرة، تزرع على المطر ويمتاز أهل القبائل بكرم الضيافة والطباع العربية الأصيلة التي مازالت شائعة حتى الآن وعلى الفطرة، وقد امتزجت فنونهم بالفن النوبي واللغة النوبية، يظهر ذلك جلياً في الرقصات والغناء الشعبي”