كتابنا

الشيخ عبدالله جهامة يكتب…

لن تمر من هنا..

مقتل بالمر .. ملحمة قديمة تؤكد وطنية أبناء سيناء وحمايتهم للأرض

 

كما فى الحاضر هم فى الماضى أيضا أبطال، أبناء سيناء حتى وهم فى عمق الصحراء وفى حالة من الفقر كان الوطن بالنسبة لهم حاضرا لا يغيب .

نعود للتاريخ ونتركه يتحدث عن أهم واقعة شهدتها سيناء وتؤكد أن الوطنية هى بالنسبة لهم أمر لا يقبل المساومة ولا يحتمل التشكيك، يتحدث التاريخ عن واقعة بالمر، أستاذ اللغات الشرقية بجامعة كمبردج، الذى دفعت به وزارة الحرب البريطانية بالتعاون مع البحرية البريطانية لزيارة تجسسية للمنطقة، لأنه يجيد اللغة العربية خلال أعوام 1868، 1869، 1870 فى تمهيد للحملة البريطانية.

 

وبحسب ما هو منشور ونقله باحثون “كان البرنامج الذي وضعته وزارة البحرية لـ “بالمر” هو أن يذهب أولاً للتفاوض مع الأميرال سيمور، ثم يذهب من الإسكندرية إلي يافا، حيث يتنكر في زيّ عربي ويتوجه إلى الصحراء الواقعة في الجنوب الغربي من غزة ويتعرف على قبيلتي التياها والترابين، وقد نزل في يخت الأدميرال سيمور الذي أمره بأن يشرع فوراً في الرحيل إلى الصحراء ليبدأ في أداء مهمته، وقد أعطاه سيمور “مسدساً وبندقية وكمية كبيرة من الطلقات “، وتوجه بالمر إلى يافا على متن قارب بخاري يحمل العلم البريطاني ، وعندما وصل يافا نزل عند القنصل البريطاني شابيرا اليهودي الذي أرسل معه ابنه لكي يساعده في شراء الملابس العربية وسائر ما تحتاجه الرحلة واشترى بالمر كل ما يحتاجه، كما وجد بدوياً يرافقه كدليل ليبدأ رحلته عبر الصحراء”.

 

ونواصل سرد ما جاء فى سيرة بالمر “بأنه تظاهر أنه أحد تجار الإبل، وكان البدو يسمونه “عبد الله أفندي” وخلال رحلته الأولى استطاع بالمر التأثير على بعض مشايخ القبائل خصوصاً مشايخ قبائل التياها والترابين والأحيوات، وقد أحبه البدو وافتتنوا به لدرجة أنه كان يقرضهم الشعر العربي فيطربون له، كما أكل معهم الخبز والملح على حماية كل منهما الآخر حتى الموت”.

ووصل بالمر إلى السويس في أول أغسطس 1882، ورافق القوة الإنجليزية التي احتلت السويس يوم 4 أغسطس، وعيّنه اللورد نورثبروك رئيساً للتراجمة في “جيوش جلالة الملك في مصر” .

وكان بالمر بعد انتهاء هذه الرحلة متفائلاً إلى حدٍ كبير، حيث ظن أن بإمكانه تجنيد عدد كبير من البدو واستمالتهم إلى جانب بريطانيا .∙

 

وبعد النجاح الذي توهم بالمر أنه قد حققه، وأنه صار قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الهدف الذي أرسل من أجله، طمع في إنهاء مهمته فكانت بذلك رحلته الثانية إلى صحراء سيناء .

 

وجاء فى سرد سيرته أنه كان ظاهر هذه المهمة ينحصر في شراء جمال لاستخدامها في نقل القوة الهندية التي كانت قد وصلت إلى السويس لتحل محل القوة الموجودة في الإسماعيلية، بينما كانت هناك أهداف غير معلنة أهمها: قطع أسلاك البرق وحرق الأعمدة حتى تنقطع المواصلات بين عرابي والدولة العثمانية ، وتحقيق الهدف النهائي للمهمة التي كُلف بها بالمر، وهي استمالة عربان سيناء إلى صف الإنجليز أو على الأقل تحييدهم في الصراع الدائر بين القوات الإنجليزية وجيش الثورة العرابية”.

 

وفى رحلته الثانية إلي سيناء، كان يرافقه الكابتن جيل، واللفتننت هارولد تشارنتونHarold Charrintonn الخبير في شئون البدو . كما صحبهم مترجم سوري يدعى “خليل عتيق”، وطباخ يهودي من غزة يدعى “بخور حسون”، بالإضافة إلى دليل من البدو يدعى “مطير أبو صفيح”، أحد كبار قبيلة اللحيوات الصفايحة، وكان هذا الدليل هو نفسه الذي صحب بالمر خلال رحلته الأولى من يافا إلى السويس، وصحب هذا البدوي معه ابن أخيه “سالم”، كما أخذ معه عددا من الجمال حوالي تسعة جمال منها ثمانية خاصة بقبيلة العليقات، بينما كان التاسع خاصاً بمزينة.”∙

 

وتذكر الكتب ووقائع نقلها المؤرخون أنه في 8 أغسطس 1882 غادر بالمر ورفاقه السويس متوجهين صوب صحراء سيناء لمقابلة مشايخ البدو في نخل، لكن قبيل التوغل في الصحراء توجه كل من بالمر والكابتن جيل لقطع خطوط البرق ( التلغراف) بين مصر والشام ، لمنع عرابي من طلب النجدة ، وفي 9 أغسطس غادر بالمر ورفاقه عيون موسى بعد أن اشترى منها عشرة جمال، واستمرت البعثة في التوغل في صحراء سيناء حتى وادي سدر، وحين وصلت البعثة إلى جبل قرب “نخل “، انقض عليهم جماعة من البدو وأخذوهم أسرى، وفي صباح اليوم التالي اقتادوهم إلى قمة جبل يطل على عين أبو رجوم وخُيّروا بين الموت رمياً بالرصاص أو بإلقاء أنفسهم من أعلى قمة الجبل ، وقد اختار بالمر أن يغطي وجهه بيديه ويقفز قفزة الموت، بينما اختار الكابتن جيل واللفتننت تشارنتون بغريزتهما العسكرية الموت رمياً بالرصاص، كما اختار المترجم السوري والطباخ اليهودي الموت رمياً بالرصاص، وقد عثر على جثثهم عند سفح الجبل، حيث وجدت جثث بالمر ورفاقه ملقاة بين جبلين عند وادي أبو رجوم بالقرب من عين أبو رجوم، حيث قام الجناة بنقل الجثث وإخفائها، ولم ينجُ من الحادث سوى البدو المرافقين لهم .

وتم القبض على 23 رجلاً من عربان سيناء بتهمة الاشتراك في قتل البرفيسور بالمر ورفاقه والتحريض على قتله .

 

وحكمت المحكمة العسكرية التي تشكلت بطنطا لمحاكمة المتهمين على أحد عشر شخصاً منهم بالإعدام شنقاً ممن ثبت عليهم أنهم مرتكبون لجناية القتل أو آمرون بارتكابها أو مشتركون فيها، ونقلت كتب التاريخ أسماء المتهمين والأحكام التي صدرت ضدهم، وهم :

موسى الراشدي، علي الشويعر، سلامة أبو تلحيفة، سالم الشيخ، سالم أبو تلحيفة، تراش بن محمد، عزام بن حميد العرضي، زيدان بن حميد العرضي، سالم صبحي، حسن بن مرشد، زيدان العرضي.

وهؤلاء حكم عليهم بالإعدام . أما من حُكم عليهم بالسجن فهم :

سلامة بن عيد 15 سنة سجن، محمد عرصوم 10 سنوات، سلامة أبو وادي، مرشد بن سعد، عابد بن سالم، عيد أبو الرجال بن فريجي، حريس بن محمد، مضعان العبد بن عبد الله، سالم بن سويلم، عيد بن سالم، حكم علي كل منهم بخمس سنوات ، أما : سليم سليمان ، مصلح عويضة فُحكم على كل منهما بثلاث سنوات .

هذه القصة المعروفة التى نقلناها من كتب التاريخ، تؤكد أن التاريخ لا ينسى كل دور وطنى يصنعه أبناء سيناء بالدم .

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى