“الهوسيت” و”الباسنكوب”.. طقوس الفرح عند قبائل جنوب البحر الأحمر

تسكن العديد من القبائل العربية على امتداد ساحل البحر الأحمر، حيث توزعت بين شماله وجنوبه، وتحديدًا في المنطقة الجنوبية من البحر الأحمر تستقر قبائل البشارية، التي تعود أصولها إلى قبائل البجا العريقة، وهذه القبائل، المتجذرة في التاريخ، تتميز بثقافة شعبية غنية نسجتها ظروف الحياة في الصحراء والطبيعة القاسية التي يحيون فيها، فانعكست تلك البيئة على تفاصيل حياتهم اليومية، وامتدت لتطبع عاداتهم وتقاليدهم الخاصة، خاصةً ما يتعلق بالمناسبات والاحتفالات.
رقصة المحاربين
ومن أبرز مظاهر الفرح في مجتمع البشارية رقصة شهيرة تعرف باسم “الهوسيت”، وهي رقصة جماعية تؤدى في حفلات الزواج والمناسبات العامة والخاصة.
وهذه الرقصة لم تكن في الأصل مرتبطة بالأعراس، بل كانت تمثل طقسًا احتفاليًا بانتصارات المحاربين بعد المعارك، ولهذا اكتسبت اسم “رقصة المحاربين”.
ومع مرور الزمن، تحولت إلى تقليد شعبي لا غنى عنه في كل مناسبة، وأصبحت عنوانًا للفخر والانتصار والبهجة.
وفي هذا الإطار، أوضح محمد حسن أوشيك، أحد شباب قبيلة البشارية بمدينة الشلاتين، إن رقصة الهوسيت تعتبر من أقدم الرقصات وأكثرها شهرة بين القبائل في حلايب وشلاتين، ولا يقام أي احتفال سواء كان زفافًا أو مناسبة وطنية دون أن يكون للهوسيت حضور بارز فيه، وهي رقصة تعبيرية قوية تحمل في حركاتها رمزية الانتصار والعزة والشجاعة.
من التحطيب إلى الهوسيت
كما وصف “أوشيك”، رقصة الهوسيت بأنها قريبة الشبه من لعبة التحطيب المنتشرة في صعيد مصر، لكنها تختلف عنها في الأدوات والمعنى. إذ تعتمد الهوسيت على رفع السيف والدرع خلال الأداء، حيث يتمايل الراقصون بحركات محسوبة تشبه المبارزات، ما يرمز إلى فرحة الفارس بانتصاره.
وأكد “أوشيك”، على أنه لا يمكن لأي شخص أن يشارك في هذه الرقصة إلا إذا حمل السيف والدرع، وهي إشارة رمزية تؤكد أن من يؤديها هو فارس قوي ومحارب منتصر، ما يجعلها وسيلة للتفاخر بين أبناء البشارية وإظهار الشجاعة والقوة.
رقصة الترحيب والكرم
ولا تقتصر رقصة الهوسيت على المناسبات الخاصة، بل تستخدم أيضًا كوسيلة استقبال رسمية للضيوف والزوار من خارج المنطقة.
فحين يزور وفد من المحافظات أو السائحين مناطق حلايب وشلاتين، يتم تنظيم استقبال مميز لهم، حيث يتقدم شباب القبيلة حاملين سيوفهم ويمارسون رقصة الهوسيت أمام الزوار، في صورة احتفالية تعكس الكرم والترحاب الذي يعرف به أهل الجنوب.
كما تشارك الجهات المحلية، مثل مجالس المدن في محافظة البحر الأحمر، في تنسيق هذه الاستقبالات بالتعاون مع شباب البشارية.
آلة الباسنكوب… أنغام الصحراء
وفي خلفية المشهد، تصدح أنغام آلة موسيقية وترية تعرف باسم “الباسنكوب”، وهي آلة تقليدية مشهورة في الصحراء الشرقية، يتقن العزف عليها كبار السن والصبية على حد سواء، وترافق العديد من الطقوس الاحتفالية لدى البشارية.
كما تحمل هذه الآلة نغمة فريدة تماثل صفير الريح في الصحراء، وتمنح الرقصة بعدًا موسيقيًا يعكس هوية المنطقة وثقافتها المتجذرة.
ويشاهد الأطفال في الجنوب وهم يحملون الباسنكوب بفخر، يلمون حولهم جمهورًا صغيرًا يتعلم منهم النغمات، في محاولة للحفاظ على هذا التراث الحي من الاندثار، ولضمان انتقاله من جيل إلى آخر، كما فعل الآباء والأجداد.



