حوارات و تقارير

التحول الرقمي في السعودية.. كيف تقود رؤية 2030 الثورة التكنولوجية؟

أسماء صبحي – شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا في شتى المجالات. وكان التحول الرقمي أحد أبرز المحاور التي ركزت عليها الدولة ضمن رؤية السعودية 2030. وقد أدركت القيادة السعودية أن مستقبل الاقتصاد والتطور المؤسسي مرتبط بشكل وثيق بالتقنيات الحديثة. ومن هنا جاء التركيز على بناء مجتمع رقمي يواكب التغيرات العالمية ويؤسس لمستقبل أكثر مرونة وابتكارًا.

من خلال هذا المقال، نستعرض ملامح التحول الرقمي في المملكة وكيف تسهم رؤية 2030 في قيادة هذا المسار ونتناول أبرز المبادرات، الإنجازات، والتحديات التي تواجه هذا التحول، مع الإشارة إلى المصادر الرسمية للمعلومات.

ما هو التحول الرقمي؟

التحول الرقمي هو عملية إعادة بناء شاملة لطريقة عمل المؤسسات من خلال توظيف التكنولوجيا. ولا يعني فقط تحويل المستندات الورقية إلى إلكترونية. بل يشمل أيضًا تحسين الخدمات، تقليل التكاليف، ورفع الكفاءة عبر أدوات مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، إنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية.

وفي السعودية، أصبح التحول الرقمي ركيزة لبناء حكومة ذكية، وقطاع خاص أكثر تنافسية، ومجتمع معرفي متصل. مما ينعكس على تحسين حياة الأفراد وتحقيق التنمية الشاملة.

رؤية السعودية 2030

منذ إطلاق رؤية 2030، أصبح التحول الرقمي جزءًا من الخطة الوطنية للنمو والنهضة. ووضعت الرؤية أهدافًا واضحة لتقليل الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز فعالية الحكومة عبر الأتمتة والتحول الرقمي.

كما تسعى الرؤية إلى تمكين القطاع الخاص، وتحفيز ريادة الأعمال، ورفع جودة الخدمات العامة من خلال رقمنة المؤسسات الحكومية. وقد أسست برامج تنفيذية ومبادرات ضخمة لضمان تحقيق هذه الطموحات.

الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي

أُنشئت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي في عام 2019 لقيادة التحول في المملكة من خلال تسخير البيانات والذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات. وتعتبر الهيئة الذراع التقني لرؤية 2030 في هذا المجال.

وقد أطلقت SDAIA العديد من المبادرات مثل “توكلنا” و”سدايا كلاود” ومنصة “نفاذ”. التي قدمت خدمات رقمية مبتكرة وساهمت في تسريع الأتمتة داخل المؤسسات الحكومية.

برنامج التحول الوطني (NTP)

برنامج التحول الوطني هو أحد برامج تحقيق رؤية 2030. ويهدف إلى تطوير البنية التحتية الرقمية في المملكة. ويركز البرنامج على رفع كفاءة القطاع العام، وتوفير خدمات رقمية عالية الجودة للمواطنين والمقيمين.

من خلال هذا البرنامج، جرى رقمنة 97% من الخدمات الحكومية، وتطوير منصات شهيرة مثل “أبشر”، و”صحتي”، و”اعتماد”. كما ساهم البرنامج في ربط مؤسسات الدولة عبر نظام يسر مما سهل تبادل البيانات بشكل آمن وفعال.

نيوم: مدينة المستقبل الذكية

نيوم ليست مجرد مدينة، بل مشروع متكامل لبناء مجتمع رقمي ذكي يعتمد على الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، والتقنيات المستقبلية. كما تقع المدينة على البحر الأحمر وتعد من أبرز مشاريع الرؤية.

وتهدف نيوم إلى إنشاء بيئة متكاملة تعتمد على الإنترنت عالي السرعة، والأنظمة الذكية في النقل، والتعليم، والصحة. مما يجعلها نموذجًا للمدن المستقبلية التي تدار رقميًا دون تدخل بشري مباشر.

هيئة الحكومة الرقمية

في عام 2020، تم إنشاء هيئة الحكومة الرقمية للإشراف على تطوير الخدمات الرقمية في القطاع الحكومي. ونجحت الهيئة في تحقيق تقدم كبير، حيث قفزت السعودية إلى المركز الثاني عالميًا في مؤشر التحول الرقمي الحكومي للبنك الدولي عام 2022.

كما تم إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الحكومية. وأصبحت السعودية من ضمن الدول الرائدة في تقديم الخدمات الرقمية المتقدمة في مجالات مثل القضاء، والتعليم، والصحة.

إنجازات المملكة في مختلف القطاعات الرقمية

في قطاع التعليم، تمكنت المملكة من الانتقال الكامل إلى التعليم الإلكتروني خلال جائحة كورونا عبر منصة “مدرستي”. كما أنشئت الجامعة السعودية الرقمية لتوفير التعليم العالي عن بُعد باستخدام أدوات ذكية ومتقدمة.

وفي قطاع الصحة، طورت وزارة الصحة تطبيق “صحتي”، الذي أصبح أداة رئيسية في الحصول على الخدمات الصحية. مثل حجز المواعيد، الحصول على نتائج التحاليل، وتلقي التطعيمات. كما تم دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل الأشعة الطبية وتحسين التشخيص.

في قطاع التجارة الإلكترونية، شهدت التجارة الإلكترونية نموًا هائلًا، حيث تجاوزت نسبة النمو 65% بين 2020 و2023. وتم دعم المتاجر والمنشآت الصغيرة من خلال مبادرات رقمية مثل “مراس” ومنصات “منشآت”، لتسهيل الإجراءات وتوفير الدعم الإلكتروني.

أما في مجال الأمن السيبراني، أسست “الهيئة الوطنية للأمن السيبراني” لحماية البنية التحتية الرقمية. ونفذت تدريبات متقدمة لاختبار جاهزية الجهات الحكومية لمواجهة الهجمات السيبرانية وضمان حماية بيانات المواطنين.

الأثر الاقتصادي للتحول الرقمي

يساهم التحول الرقمي بشكل فعال في تنويع الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي غير النفطي. فقد أسهم في:

  • تقليل التكاليف التشغيلية عبر الأتمتة.
  • خلق فرص عمل في مجالات التقنية والبرمجة وتحليل البيانات.
  • زيادة كفاءة الخدمات العامة، وتحسين بيئة الأعمال.
  • جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاع التقنية والبنية السحابية.

ووفقًا لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، فإن مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي بلغت 12.4% في عام 2023. ومن المتوقع أن تصل إلى 20% بحلول عام 2030.

تحديات التحول الرقمي في السعودية

رغم النجاحات الكبيرة، لا تزال هناك تحديات قائمة يجب التعامل معها. أبرزها:

  • نقص الكفاءات الوطنية المتخصصة في التقنيات الحديثة.
  • ضعف البنية الرقمية في بعض المناطق النائية.
  • مقاومة التغيير في بعض المؤسسات التقليدية.
  • الحاجة لتعزيز الأمن السيبراني وخصوصية البيانات.

وتعمل الدولة على تجاوز هذه التحديات عبر برامج تدريبية. وتحفيز التعليم الرقمي، وتوسيع البنية التحتية لتصل إلى جميع المناطق.

مستقبل التحول الرقمي في المملكة

تطمح السعودية لتكون من ضمن أفضل 10 دول عالميًا في الجاهزية الرقمية بحلول 2030. وتخطط لزيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وإنشاء مناطق تقنية حرة، وتعزيز الشراكات مع كبرى شركات التكنولوجيا العالمية.

كما تتوسع المملكة في بناء مراكز بيانات ضخمة. وتطوير تشريعات مرنة تدعم الابتكار وريادة الأعمال التقنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى