تاريخ ومزارات

قصة برج بابل بين النصوص المقدسة والأساطير السومرية: حقيقة تاريخية أم رمزية دينية؟

تعتبر قصة برج بابل من أبرز القصص المذكورة في التوراة، وتحديداً في سفر التكوين. تشير الرواية إلى أن سكان الأرض حينها كانوا يتحدثون لغة واحدة، وقرروا بناء مدينة وبرج يصل إلى السماء بهدف تحقيق الوحدة والخلود: “لئلا نتشتت على وجه الأرض كلها”. ولكن الرب نزل ليرى ما صنعه البشر، ورأى في توحدهم خطراً قد يقودهم لتحقيق أي شيء يطمحون إليه. فقرر تشتيتهم وبلبلة لغتهم حتى لا يفهم بعضهم بعضاً. وهكذا توقف البناء وسميت المدينة “بابل” نسبة إلى الخلط أو التشويش (سفر التكوين: 11: 1-9).

الأصل التاريخي

يعتقد الباحثون أن هذه القصة لم تكن مجرد نص ديني. بل دونها أحبار اليهود في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد، مستلهمين جذورها من أساطير قديمة. ويرجح بعض المؤرخين أن القصة تعود في الأصل إلى الحضارة السومرية، التي ازدهرت في منطقة بابل. فالاسم “بابل” في العبرية يرتبط بجذر “ببل” الذي يعني التشويش، بينما في الأكادية يترجم إلى “باب إيلو”، أي “باب الله” أو “باب الآلهة”.

الزقورات: الأبراج المقدسة

كما يرى علماء الآثار والمؤرخون أن الإلهام وراء قصة برج بابل هو أحد الزقورات، وهي أبراج ضخمة كانت تبنى في مدن بلاد الرافدين كمعابد للآلهة. وتشير النقوش القديمة إلى أن الزقورات كانت رمزاً للتقرب من السماء، وهو ما قد يكون قد ألهم كُتّاب القصة التوراتية.

تأتي إحدى أقدم الإشارات إلى الزقورات من عهد الملك غوديا، حاكم مدينة لكش في القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد. نصوصه تشير إلى بناء هيكل ضخم ذي سبع طوابق يدعى “أي-با”، مخصص لإله المدينة “ننغورسو”. كما أن ملوكاً آخرين، مثل نابو بولاسر مؤسس السلالة البابلية الجديدة (625-605 ق.م.)، تفاخروا بترميم أبراج مشابهة. ففي أحد نقوشه، يتحدث عن ترميم برج بابل المعروف باسم “أيتيم أنانكي”، ويصفه بأنه برج يصل إلى السماء، مع أسس متينة تمتد إلى العالم السفلي.

الرمزية بين الدين والتاريخ

تعد قصة برج بابل مزيجاً بين النصوص الدينية والتاريخية والأسطورية. فقد جمعت بين محاولات الإنسان لفهم العالم من حوله ورغبته في التحدي والتقرب من الآلهة. ومع أن برج بابل كما وُصف في التوراة ربما لم يكن إلا رمزاً، فإن الزقورات الواقعية تبقى شاهداً على تطلعات الإنسان القديمة وإبداعاته الهندسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى