“بليغ حمدي” عبقري الموسيقى المصرية

كتبت شيماء طه
في سماء الفن العربي، تلمع أسماء قليلة تركت بصمات لا تمحى، ومن بينها يأتي اسم بليغ حمدي، الموسيقار العبقري الذي أعاد صياغة الموسيقى العربية بلغة إبداعية فريدة.
بليغ لم يكن مجرد ملحن، بل كان ثورة موسيقية ألهمت أجيالًا وأثرت في وجدان الملايين بأسلوبه الذي مزج بين الأصالة والحداثة، قدم ألحانًا خالدة تجاوزت حدود الزمن، وأصبحت أيقونات ترددها الأجيال على مر السنين.
منذ بدايته المبكرة، كان واضحًا أن بليغ يحمل موهبة إستثنائية قادرة على تجديد الموسيقى دون أن تفقد جذورها.
قدم إسهامات مبهرة في تطوير الأغنية العربية، وارتبط اسمه بأعظم نجوم الغناء في عصره، من أم كلثوم وعبد الحليم حافظ إلى ورده الجزائرية وشادية.
وفي كل لحن من ألحانه، كان بليغ يخلق عالمًا موسيقيًا يعبر عن الشجن والحب والوطنية بروح عصرية لا مثيل لها.
ولادة موهبة إستثنائية
وُلد بليغ حمدي في 7 أكتوبر 1931 بالقاهرة، وأظهر شغفًا مبكرًا بالموسيقى منذ صغره ، بدأ تعلم العزف على العود في سن مبكرة، وكان والده داعمًا له بشكل كبير.
ورغم دراسته في كلية الحقوق، قرر أن يسلك طريق الفن، فالتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى (معهد الموسيقى العربية حاليًا) لتطوير موهبته.
بصمة لا تُنسى مع عمالقة الفن
كانت نقطة التحول في مسيرته عندما قدم أولى ألحانه للفنانة ليلى مراد، لكن الشهرة الحقيقية جاءت عندما لحّن أغنية “حب إيه” لأم كلثوم عام 1960، لتبدأ رحلة طويلة من التعاون المثمر بينهما.
تميزت ألحان بليغ بالجرأة والتجديد، حيث أدخل إيقاعات وآلات جديدة، ما منح الأغنية العربية بعدًا حداثيًا دون أن يفقدها روحها الكلاسيكية.
ومن أبرز أعماله :
مع أم كلثوم: “سيرة الحب”، “ألف ليلة وليلة”، “فات الميعاد”.
مع عبد الحليم حافظ: “على حسب وداد قلبي”، “تخونوه”.
مع ورده الجزائرية : “بتونس بيك”، “لولا الملامة”، “في يوم وليلة”.
مع شادية : “يا أسمراني اللون”، “قولوا لعين الشمس”
عبقرية لا حدود لها
لم تقتصر إبداعات بليغ على الأغاني العاطفية، بل تألق أيضًا في الأغاني الوطنية مثل “عدى النهار” لعبد الحليم حافظ و”يا حبيبتي يا مصر” لشادية، حيث عبّر عن مشاعر الإنتماء والحنين للوطن بإحساس فريد.
كما أسهم في تطوير الأغنية الشعبية من خلال تعاونه مع محمد رشدي ونجاحه في تقديم أغانٍ مثل “عدوية” و”تحت الشجر يا وهيبة”
الظروف الصعبة ورحلة الاغتراب
رغم نجاحه الباهر، واجه بليغ أزمات عديدة، أبرزها إتهامه بالقتل الخطأ في حادث وفاة الفنانة سميرة مليان، ما اضطره إلى مغادرة مصر في رحلة إغتراب دامت سنوات.
ورغم عودته في النهاية، تأثرت حالته النفسية والصحية، لكنه ظل يحتفظ بمكانته كأحد أعظم المبدعين في تاريخ الموسيقى العربية.
توفي بليغ حمدي في 12 سبتمبر 1993، تاركًا خلفه إرثًا موسيقيًا خالدًا.
لم تكن ألحانه مجرد أعمال فنية، بل كانت مشاعر نابضة تسكن القلوب وتروي حكايات الحياة.