كيف قامت القوات البريطانية بمحاصرة الملك فاروق وتهديده بالتنازل عن العرش؟
في 4 فبراير 1942، وسط الظروف الصعبة التي كانت تعيشها مصر خلال الحرب العالمية الثانية وفي سياق الصراعات السياسية والاجتماعية، وقعت حادثة تاريخية تعرف بـ”حصار قصر عابدين”. في ذلك اليوم، قامت القوات البريطانية بمحاصرة الملك فاروق في قصر عابدين. وهو الحدث الذي طال انتظاره وكان يعكس توتر العلاقات بين الحكومة المصرية والسلطات البريطانية.
سبب هذا الحصار يعود إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية التي مارسها السفير البريطاني في القاهرة، مايلز لامبسون، على الملك فاروق. وفي محاولة لحل الأزمة السياسية التي كانت تعصف بالبلاد. والتي تسببت في تعطيل حكومة الوفد وشلّت عملية الحكم. أمر لامبسون الملك بتشكيل حكومة جديدة تخدم مصالح المملكة المتحدة وتحترم معاهدة 1936.
حكومة جديدة
بعد فشل الملك في تشكيل حكومة جديدة بالشكل الذي يرضي السلطات البريطانية. قررت الأخيرة اللجوء إلى التهديد بالقوة. وفي الصباح الباكر من يوم 4 فبراير.حاصرت القوات البريطانية قصر عابدين وأجبرت الملك على توقيع وثيقة التنازل عن العرش. وذلك بحضور قادة القوات البريطانية ورئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا.
وبعد إصرار الملك على رفض التنازل، وتأكيد موقفه بالبقاء على عرش مصر، قررت القوات البريطانية القيام بخطوة جريئة وحاولت استخدام القوة لإجباره على الاستسلام. لكن الوضع تطور بشكل غير متوقع. حيث تدخل رئيس الديوان الملكي ووجّه لامبسون بضرورة منح الملك فرصة أخيرة لاختيار مصطفى النحاس لتشكيل الحكومة.
موقف الملك فاروق
مع تأكيد الملك فاروق على موقفه، وبتصاعد التوترات. تجاوب لامبسون مع مطالب رئيس الديوان الملكي، ومنح الملك فرصة إضافية للاختيار. ومع استمرار المواجهات وعدم تغيير موقف الملك، قرر لامبسون وقادة القوات البريطانية السير باتجاه القصر ومحاصرته بالدبابات والجنود المسلحين.
بعد تقديم وثيقة التنازل أمام الملك، تردد الملك للحظات، لكنه رفض التوقيع عليها، وبهذا الرفض الشجاع، أظهر الملك فاروق إصراره على البقاء في موقفه وحقه في اتخاذ القرارات السياسية لبلاده.
خلال الحرب العالمية الثانية، اتجهت نية الإنجليز نحو إسناد الوزارة إلى مصطفى النحاس أو إلى اشتراك حزبه الوفد في الوزارة. تم إبلاغ جلالة الملك فاروق الأول بهذه الرغبة، ولم تكن الحكومة البريطانية تخفي هذا الأمر. فأعلن اللورد هالفكس وزير الخارجية البريطاني عقب تشكيل حكومة حسن صبري أن الحكومة البريطانية كانت سترحب بإشراك حزب الوفد في الحكومة الجديدة.
في النصف الثاني من يناير 1942، أجرى حسين حسنين، السكرتير الخاص للملك فاروق، محادثة مع الملك في جناحه الخاص بقصر عابدين. كان الجو مشحوناً بالأخبار عن الأزمة الوزارية وتوقعات التغيير في أي لحظة. أقترح حسين حسنين تشكيل حكومة قومية للوقوف بوجه التحديات التي تواجه البلاد، وذلك لمساعدة مصر في تجاوز الأزمة السياسية ومواجهة تهديدات الحرب. وعبّر عن ثقته في قدرة بهاء الدين بركات باشا على قيادة الحكومة بنزاهة وكفاءة، واقترح تعيينه لهذا المنصب.
بعد المحادثة مع الملك، قام حسين حسنين بإبلاغ رئيس الوزراء حسنين باشا بمضمون المحادثة. وأشار إلى أن الملك يرغب في تشكيل حكومة قومية تتصدى للتحديات الوطنية. وعلى الرغم من التوجه الواضح لتشكيل حكومة قومية. فإن حسين حسنين أيضًا أبلغ رئيس الوزراء أنه ليس هناك بديل للاستقالة في ظل الظروف الحالية.
إرادة الشعب المصري
في غضون ذلك، شهدت جامعة القاهرة مظاهرات واضطرابات.حيث خرج الطلاب بشكل متزايد ضد السلطات البريطانية. وفي هذا السياق، استدعى السفير البريطاني أحمد حسنين باشا وعبّر عن استعداده لمساعدته في إخماد المظاهرات بشرط تأكيد دعم الملك. وعلى الرغم من التصريحات الرسمية، فإن سري رفض الاستجابة لطلب السفير البريطاني وأكد على ضرورة التوجه نحو تشكيل حكومة جديدة تمثل إرادة الشعب المصري وتواجه التحديات الوطنية بقوة.
