دور أم كلثوم في تشكيل الشخصية لأم المؤمنين

في عالمنا اليوم، يُعتبر تمثيل القيم الإنسانية والتصرف بالأخلاق الحسنة تحديًا يوميًا. ومن أجل بناء مجتمع يتسم بالتقوى والاستقامة، فإن السير في طريق الصالحات يعتبر أساسيًا. إنَّه عملية تربوية تسهم في تشكيل الشخصية وبناء السلوك الإيجابي. بترسيخ القيم والمبادئ النبيلة.

في عصر التابعين، برزت العديد من قصص النساء الفاضلات اللواتي تركن بصماتهن البارزة في تاريخ الأمة الإسلامية. وقد قام المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة بجهد كبير لتوثيق هذه القصص في كتابه “نساء في عصر التابعين” الصادر عن دار نشر ابن كثير. يركز هذا الكتاب على دور النساء في تلك الفترة الزمنية. وعلى الأحداث التي ترتبط بالدعوة الإسلامية وبحياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

أم كلثوم

تجمع أم كلثوم بنت أبي بكر من الفضائل ما لم تجتمع لامرأة سواها؛ من بين نساء التابعين اللواتي عاشرنها. فقد كانت زوجة سيدنا طلحة بن عبيد الله. الصحابي الجليل وسلف النبي. ومن العشرة المبشرين بالجنة، وكانت من الأخيار الأجواد.

والتابعية لها هذه المكارم، ومن ملحماتها تاريخ غني بالعطاء والفضائل. وهي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، والتي كانت أمها حبيبة بنت خارجة الأنصارية الخزرجية. وقد تزوجها أبو بكر في الإسلام.

كانت لأم كلثوم هذه القصة المميزة حتى قبل ولادتها، إذ وهب لها أبو بكر الصديق أرضاً بالعالية، وكانت النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه إياها وغرس فيها، ثم جعلها ملكاً لابنته عائشة. وفي آخر أيامه. وهو يفكر في ترتيب شؤونه الدنيوية. دعا ابنته عائشة وأخبرها برغبته في أن تردَّ الأرض على ورثتها بعد وفاته. معرباً عن حرصه على ترك دنياها براءة من أي غيرة، وأن يكون عليه على استعداد لمواجهة الله بقلبٍ خالٍ من الدنس.

ثم تذكر لها قصة الأرض وكيف تملكها، وأخبرها أنها ملك لورثتها وأنه يرغب في أن يكون هناك قسمة عادلة بين أولادها وأخوتها. عندها سألت عائشة عن هوية الأخرى المشتركة في الأرض معها. فأخبرها أنها جارية لأم كلثوم، واستوصى بها بالخير قبل وفاته، وقد تماشت حياتها مع وصيته حيث وُلدت أم كلثوم بعد وفاته.

ومن الجدير بالذكر أن أبو بكر قد ورثه أبوه أبو قحافة، وزوجته أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة، وكان له أبناء هم عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم.

أم كلثوم، زوجة سيدنا طلحة بن عبيد الله، وتربية عائشة أم المؤمنين. كانت لها دور بارز في تربية عائشة وصقل شخصيتها. حافظت عائشة على وصية أبيها، وأخذت تحافظ على أمها أم كلثوم برعاية كاملة وحنوٍّ أمويّ، مثل الأم الحنون، حتى تشبّثت بها عائشة بكل وفاء واهتمام.

أم كلثوم وتربية عائشة

عائشة تلقت من أمها دروساً في الحياة والدين، حيث كانت أم كلثوم مستوصية بها ومرشدة لها. وعندما بلغت عائشة سن الشباب وانفصلت عن رحم والديها، استمرت أم كلثوم في رعايتها وتوجيهها بحكمة وعاطفة.

تلقت عائشة تعليمها الديني والعلمي من والدتها، حيث علمتها القرآن والسنة والفقه والحديث. وبفضل هذا التعليم الشامل، أصبحت عائشة من أبرز حافظات الحديث والعلماء في الإسلام، وكانت مرجعاً للناس في الفقه والدين.

كما نقلت أم كلثوم عن علماء كبار من أهل العلم والفضل. مما يدل على عمق معرفتها وثقافتها الدينية. وقد روى عنها العديد من الصحابة والتابعين. مثل سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري. وكانت من التابعيات الموثوق بهن اللواتي روى عنهن الصحابة.

ومن مروياتها الشريفة ما جاء في صحيح مسلم وسنن الترمذي. حيث روى المغيرة بن حكيم الصنعاني عنها بسندها.ومن ذلك ما أخبرت به عن عائشة. مظهرةً بذلك عمق علاقتها بابنتها واهتمامها بتربيتها.

موقف عائشة من خطبة عمر

وفي موقف مشهور، قدم الخليفة عمر بن الخطاب نفسه لخطبة أم كلثوم، إلا أنها رفضت الخطبة لأنها لم ترغب في زواج معه. وقد توسطت في ذلك أختها عائشة. ولكن أم كلثوم أبت الخطبة وأظهرت عدم رغبتها في الزواج مع عمر.

بهذا السلوك الحكيم والتفكير العميق. أظهرت أم كلثوم قوة شخصيتها وثباتها في المبادئ. وكان لهذه الحكمة العظيمة أثر كبير في تربية عائشة وتشكيل شخصيتها القوية التي أصبحت علماء الدين يستفيدون من علمها وفهمها فيما بعد.

بعد طلحة

بعد مقتل طلحة – رضي الله عنه -، تزوجت أم كلثوم عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، عم الشاعر المشهور عمر بن أبي ربيعة، فولدت له عثمان، وموسى، وإبراهيم، وأم حميد، وأم عثمان.

وظلت أم كلثوم بنت أبي بكر – رحمها الله – تتابع حياتها في المدينة تحت ظلال فقه أختها عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها -، ولم تشر المصادر إلى تحديد وفاة أم كلثوم، ولم تذكر كذلك مكان وفاتها، ولكن الدلائل تشير إلى أن وفاتها كانت في المدينة المنورة، ويبدو أن وفاتها كانت بعد سنة 58 هـ، أي بعد وفاة أختها عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها -.