د. حسن أحمد حسن يكتب: هل يستطيع الكيان «الإسرائيلي» تأجيل الانهيار؟
د. حسن أحمد حسن يكتب: هل يستطيع الكيان «الإسرائيلي» تأجيل الانهيار؟
بعيداً عن حملة التهويل والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور التي تلوّح بها واشنطن، فتظهر بشكل مفضوح عبر الأصوات العاملة على خلق حالة من الوهن والإحباط والتهويل وتعميم المزيد من الاضطراب والتوتر من جهة، وخلط المعطيات في ذهن المتلقي من جهة أخرى، ضمن استهداف واضح لكيّ الوعي المجتمعي بالرعب من المقبل المجهول جراء زيادة المؤشرات على تسارع ذهاب المنطقة نحو توسيع دائرة حرب ٍلا أحد يستطيع التنبّؤ بتداعياتها وما قد تسفر عنه في حال اندلعت لسببين:
ـــ الأول خاص بالكيان الإسرائيلي الذي لا يستطيع ــ وفق ادّعاء أنصار الخوف والقلق والتردد ــ وقف الحرب على غزة إلا بعد تحقيق الأهداف التي تمّ الإعلان عنها، وتأكيد المسؤولين السياسيين والعسكريين في تل أبيب أن الوقت المطلوب سيطول.
ـــــ الثاني متعلق بالأميركي الذي استقدم البوارج والأساطيل والمدمّرات وحاملات الطائرات، وكان ولا يزال طرفاً في الحرب المفروضة على المنطقة وليس فقط على غزة وفلسطين، وأخذ على عاتقه مسؤولية التعامل مع كل المؤثرات التي تظهر من خارج الجغرافيا الفلسطينية، إلى درجة إشعال فتيل حرب أخرى ضد اليمن المقاوم، والبدء عملياً بعدوان ممنهج وموصوف تحت ذريعة حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وتأمين سلامة حركة التجارة العالمية من أي أخطار وتهديدات خلقها الموقف الأصيل لليمن العروبي والإنساني نصرة لغزة والشعب الفلسطيني الذي يواجه حرب إبادة جماعية منذ أكثر من مئة يوم.
تفنيد مضامين السببين المذكورين لا يحتاج إلى إبحار في التحليل، ولا إلى جهود جبارة استثنائية لإخراج «الزير من البير»، وقد يكون من المفيد هنا التوقف عند بعض الأفكار العامة والعناوين العريضة التي تسلط الضوء لإيضاح الصور المتشكلة، والأخرى التي هي قيد التشكيل، ومنها:
*إطلالة سريعة على الصحافة الإسرائيلية، وما يتم تناقله في وسائل التواصل الاجتماعي كفيلة بمعرفة مدى التخبّط والإرباك والقلق من فقدان هيبة الردع التي لطالما تغنى بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، والخوف من أن تقود عوامل التآكل الذاتي الداخلي الإسرائيلي إلى اليقين باستحالة تجاوز الثمانين عاماً من عمر دويلة الكيان المؤقت فوق الجغرافيا الفلسطينية.
*التخوف من الزوال ليس خاصاً بالمستوطنين العاديين، بل يشمل النسق الأول من المسؤولين الصهاينة في حكومة نتنياهو، وهذا ما أكده العديد من الوزراء والمحللين ومراكز الدراسات الاستراتيجية، وآخر تلك التأكيدات جاءت على لسان وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت بقوله: «مستقبل «إسرائيل» معلّق على نتائج الحرب»، محذّراً من أنّ «التردد السياسي قد يضرّ بسَير العملية العسكرية»، ولم يكتف غالانت بذلك بل حذر كلاً من نتنياهو وغانتس من حالة الانقسام العميق حتى ضمن الكابينت المصغر المسؤول عن متابعة الحرب الوحشية التي تنفذها حكومة نتنياهو، مشيراً إلى أن الوقت الآن للوحدة لتحقيق ما أسماه أهداف الحرب وليس للانقسام وتضييع إنجازات الجيش ـــ على حد قوله ـــ وتصفية الحسابات الشخصية التي تهدد الوجود الإسرائيلي بكليته حاضراً ومستقبلاً.
*النقطة الأخرى التي أفصح عنها غالانت في تصريحاته بتاريخ 15/1/2024 متعلقة بالإعلان عن انتهاء العملية البرية في شمال غزة وسحب الجيش من المناطق التي توغل فيها، وقرب انتهائها في الجنوب بعد انقضاء مدة الأشهر الثلاثة التي كانت محددة لتحقيق الأهداف المعلنة. وهنا من حق المتابع العادي أن يطرح بعض التساؤلات المشروعة التي تعمد غالانت التهرب من الإشارة إليها، ومنها:
ـ ما معنى أن يتمّ إطلاق رشقة صاروخية من شمال قطاع غزة باتجاه العمق الفلسطيني المحتل، أو ما يسمّى بالبطن الرخو الإسرائيلي بعد إعلان غالانت عن انتهاء العملية البرية في شمال القطاع والبدء بسحب الجيش عملياً؟
ـ ما هي الأهداف الاستراتيجية التي تمّ تحقيقها بعد مرور أكثر من مئة يوم، ما عدا قتل عشرات آلاف الأطفال والنساء وتدمير البنية التحتية لتحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة للسكن؟ وهذا ما وصفه غالانت بالإنجازات التي حققها جيش الاحتلال وآلة القتل والتدمير الصهيو ــ أميركية، ويخشى على تضييعها جراء التناقضات التي يعيشها الوضع السياسي الداخلي الإسرائيلي.
ـ ماذا عن الأسرى الذين سبق أن هدّد غالانت وغيره من المسؤولين الصهاينة بحتمية تحريرهم أحياء بالقوة، فهل تم تحرير أسير واحد إلا وفق إرادة المقاومة الفلسطينية وشروطها؟
ـ متى سيعود المستوطنون الذين تركوا مساكنهم سواء في مستوطنات غلاف قطاع غزة أو في مستوطنات الشمال الفلسطيني أي الحدود الجنوبية للبنان المقاوم؟ وكيف سيعودون؟ وما هي الضمانات التي بإمكان حكومة نتنياهو تقديمها لأولئك الرافضين العودة خوفاً على حياتهم؟ ومن حقهم أن يخافوا طالما المستوطنات التي يعيشون فيها مسرح عمليات، ولا أفق واضحاً لنهايتها.
ـ إذا كان الرد الأوّلي لحزب الله على عملية الاغتيالات التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي خارج فلسطين المحتلة قد وصلت قاعدة ميرون ومقر قيادة العمليات الشمالية في صفد، وثبت بالأداء الميداني فشل القبة الحديدية وجميع منظومات الدفاع الجوي المنتشرة في الكيان المؤقت وعجزها عن تأمين الحماية المطلوبة لأهم الأهداف العسكرية الاستراتيجية التي وصلت إليها صواريخ حزب الله، فإلى أيّ مدى ستصل صواريخه في الردّ الكامل؟ وكم من الأهداف المحمّلة على خريطة العمليات ستبقى قادرة على الاستمرار فيما لو توسّعت دائرة الحرب كما يهوّل بعض المسكونين بثقافة الهزيمة والإحباط والخوف وجلد الذات؟
*ما يتعلق بسقف العدوانية الأميركية الذي قد يرتفع، وتهديدات إدارة بايدن بإحراق المنطقة مع ادعاء الحرص على عدم توسيع دائرة ألسنة اللهب فقد ثبت بالعدوان الأميركي البريطاني الوحشي ضد اليمن الصامد القويّ القادر على تنفيذ قراراته المنسجمة مع القانون الدولي ومع قيم المجتمع الإنساني وأعرافه ـــ ثبت ــــ أن الصلف الأميركي والغطرسة غير المسبوقة قد أضرت بهيبة واشنطن التي فقدت بدورها القدرة على الردع على الرغم من كل ما تمتلكه من ترسانة تدمير وإبادة، وأتى الرد اليمني المبارك على سفينة أميركية أمام بصر بايدن وبلينكن وأوستن وغيرهم.
*قد يتساءل متابعون: ما الذي تستطع فعله أميركا وكلّ من يدور في فلكها لإرغام اليمن على تغيير قراره؟ والجواب المنطقي: أقسى ما يمكن أن يهددوا به اليمن وشعبه لا يخيف اليمنيين، وقد سبق لهم أن تعاملوا مع جرائم مماثلة وتجاوزا كل تداعياتها وأهوالها، بل وتحوّل اليمن اليوم إلى قوة وازنة تضطر واشنطن لاستجداء التعاطف معها لتشكيل حلف لن يفلح في السماح لسفينة واحدة بالعبور باتجاه الموانئ الإسرائيلية لا اليوم ولا غداً، ولا ما بعد الغد إلا وفق ما يرضى به المحور المقاوم للغطرسة الأميركية المتهالكة.
أمام هذا الواقع المأزوم وانسداد الأفق قد يتساءل آخرون: أليس بإمكان تل أبب تأجيل الانهيار الحتمي الذي بدأت بوادره تلوح في الأفق؟
الجواب وببساطة ووضوح: نعم يمكن ذلك، وبأسرع مما قد يخطر على الذهن، وبتكلفة أقل بكثير مما هو متوقع، والأهم أن تل أبيب قد لا تحتاج إلى مساعدة واشنطن أو غيرها، وهذا مرهون بمدى قدرة الكيان المؤقت على استئصال البؤرة السرطانية التي تأكل في جسده، والمتمثلة بنتنياهو وحكومته الأكثر تطرفاً عبر التاريخ، وقد تتغيّر اللوحة الأكثر خطورة التي تقترب من نهاية تشكلها إذا قبل نتنياهو اليوم أن يتخلى عن مصالحه الشخصية كرمى لاستمرار كيانه ولو مؤقتاً. والاحتمال الآخر إذا استطاع الداخل الإسرائيلي أن يتخذ القرار بأسرع ما يمكن لإرغام نتنياهو على ترك السلطة. وهناك سيناريو ثالث مشابه بعض الشيء، وهو متعلق بالإدارة الأميركية، ووصولها إلى قناعة بأن بقاء حكومة نتنياهو تشكل خطراً وتهديداً على المصالح الوجودية للكيان، كما تشكل خطراً على تآكل ما تبقى من نفوذ أميركي في المنطقة، ومراجعة التاريخ تؤكد بأن واشنطن تجيد خلق المخارج المطلوبة لتسويق ما تريده عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي الأميركي الذي تضرر كثيراً جراء الانحياز الأميركي الأعمى لحماية الكيان اللقيط انطلاقاً من القناعة بانتفاء وجود بديل قادر على الاضطلاع بالدور الوظيفي نفسه. وقد يكون من المفيد مساعدة مفاصل صنع القرار الأميركي في تبريد الرؤوس الساخنة المتمسكة بنتنياهو وحكومته العنصرية الفاشلة داخلياً ودولياً وعلى شتى الصعد العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية وغيرها، وقد تكون تكلفة ذلك اليوم أقل بكثير من تأجيله، لأنه لا ضامن يؤكد أن ما نستطيع واشنطن فعله اليوم قد تكون قادرة على تنفيذه غداً، إذا تمّ تأجيله.