تاريخ ومزارات

باحث في التاريخ الإسلامي يكشف لـ “صوت القبائل” أسرار فترة خلافة أبناء الوليد

أسماء صبحي

يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وأمه شاه آفريز بنت فيروز بن يزدجرد، آخر ملوك الفرس. وكان يجمع في أصوله بين الدم العربي والفارسي، والرومي والتركي. فجَده لأبيه عبد الملك بن مروان، وهو عربي، وجَده لأمه فيروز بن يزدجرد وهو فارسي. وجَدَّة جده لأمه ابنة قيصر، وأم جدته لأمه ابنة خاقان الترك.

بويع له بالخلافة في بادئ الأمر في قرية المزَة من قرى دمشق، ثم دخل هذه المدينة منتصرًا وغلب عليها. وأرسل جيشًا اصطدم بابن عمه الوليد الثاني وقتله، واستحوذ على الخلافة في أواخر جمادى الآخرة عام 126هـ. وخطب الناس مبررًا قتل الخليفة شارحًا نهجه في الحكم.

أظهر يزيد الثالث التقوى خلال حكمه، وتشبَّه بعمر بن عبد العزيز. وسمي بالناقص لأنه أنقص أعطيات الجند والناس ما زاده الوليد الثاني معتقدًا أنها مرتفعة. وأكثر مما يستطيع بيت المال تحملها، وردها إلى ما كانت عليه في عهد هشام.

الأوضاع العامة في عهد يزيد الثالث

وقال عبداللطيف جنيدي، الباحث في التاريخ الإسلامي، إن الأوضاع العامة للخلافة أثناء ولاية يزيد الثالث أحد أبناء الوليد تعتبر استمرارًا لفاتحة الاضطرابات التي ابتدأت على إثر مقتل الوليد الثاني. والتي أدت إلى تصدع بني أمية، ومن ثَمَّ زوال دولتهم.

وأضاف جنيدي، أن أحداث عهده مرت بمرحلتين متميزتين، تضمنت المرحلة الأولى أحداث ذيول مقتل الوليد الثاني، وما أثارته من ردود داخل البيت الأموي. في حين تضمنت المرحلة الثانية صدًى لأحداث التغييرات في المناصب الإدارية وما كان لها من آثار سلبية على مسيرة الحكم من جهة. وانعكاسات سيئة على الأوضاع الداخلية من جهة أخرى.

وتابع جنيدي، إنه في الواقع أن يزيد الثالث لم يكن الشخصية التي يجمتع حولها كافة أفراد البيت الأموي. ويبدو أن عدم وجود مثل هذه الشخصية، إضافةً إلى تفشي روح الفردية كانا من الأسباب البارزة في استمرار الصراع. فما أن اعتلى يزيد الثالث الخلافة حتى قامت المعارضة العنيفة في وجهه، وتزعمها أبناء عمومته.

وأشار إلى أن الأقاليم الشامية ثارت عليه، وكان أول إقليم هَبَّتْ منه الثورة هو (حمص). فقد أخذ أهله يبكون على مقتل الوليد، ورفضوا البيعة ليزيد، وكاتبوا أهل الأجناد، ودعوهم للطلب بدم الوليد. وانضم إليهم يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية، وقرروا السير إلى دمشق، ولكن يزيد علم بخبرهم. فعاجلهم بجيشين على رأس أحدهما ابن عمه عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، وعلى الآخر سليمان بن هشام بن عبد الملك. فاستطاعا هزيمة أهل حمص، وأخذا يزيد بن خالد وأبا محمد السفياني أسيرين إلى دمشق، فحبسهما يزيد.

ثورة أهل فلسطين

ولفت إلى أن أهل فلسطين ثاروا ورفضوا البيعة ليزيد بن الوليد، وبايعوا ليزيد بن سليمان بن عبد الملك. ثم علم بأمرهم أهل الأردن، فثاروا هم أيضًا، وخلعوا طاعته، ووَلَّوْا عليهم محمد بن عبد الملك، واجتمعوا على قتال يزيد. فلما علم بأمرهم أرسل إليهم ابن عمه سليمان بن هشام بن عبد الملك في جيش عِدَّته حوالي أربعة وثمانين ألفًا من أهل دمشق وأهل حمص الذين كانوا مع السفياني. ودخلوا في طاعته، وقد تمكن سليمان بن هشام بن عبد الملك من هزيمة أهل الأردن. فبايعوا ليزيد ودخلوا في طاعته، فولى ضبعان بن روح على فلسطين، وأخاه إبراهيم بن الوليد على الأردن.

وهكذا بدا ليزيد بن الوليد أنه كبح جماح الثائرين على دولته في مناطق الشام. بعد أن أطاح بابن عمه، وظنَّ أن الأمور استقرت له. إلا أنه لم يستمتع بذلك طويلاً فلم تَدمْ خلافته سوى ستة أشهر (جمادى الآخرة – ذو الحجة سنة 126هـ)، حيث توفي في ذي الحجة. ليترك الشام وهي الحصن الحصين للدولة الأموية تشتعل نارًا، كما ترك أبناء أسرته منقسمين على أنفسهم، منشغلين بصراعاتهم عن الأخطار المحدقة بهم. وبصفة خاصة الخطر العباسي؛ مما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن حركته كلها كانت من العوامل التي مهدت لزوال الدولة الأموية.

فترة خلافة أبناء الوليد

وأوضح الباحث في التاريخ الإسلامي، أنه بعد ذلك بويع إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وأمه أَمَة بربرية بالخلافة بعد وفاة أخيه يزيد بعهد منه، في نهاية ذي الحجة سنة 126هـ. ولكنه لم يتم له الأمر، فقد كان الناس كما يقول الطبري: جمعة يسلمون عليه بالخلافة، وجمعة بالإمارة. وجمعة لا يسلمون عليه بالخلافة ولا بالإمارة.

وقال إن أول من رفض بيعته هم أهل حمص، فأرسل إليهم ابن عمه عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ليأخذ له البيعة منهم بالقوة فحاصرهم. وبينما هو على حصارهم وهم يرفضون البيعة، قَدِمَ مروان بن محمد، فلما علم عبد العزيز بن الحجاج بمقدمه ترك حمص. فدخلها مروان، وبايعه أهلها، وساروا معه قاصدين دمشق، وبعلبك- فهُزم سليمان وقتل من جنده حوالي سبعة عشر ألفًا وأسر مثلهم، فعاد منهزمًا إلى دمشق.

وتابع جنيدي، إنه بعد ذلك التقى بإبراهيم بن الوليد وعبد العزيز بن الحجاج واتفقوا على قتل ولدي الوليد بن يزيد -الحكم وعثمان- قبل وصول مروان. وقالوا: “إن بقي ولدا الوليد حتى يخرجهما مروان، ويعيد الأمر إليهما لن يستبقيا أحدًا من قتلة أبيهما، والرأي قتلهما”. فقتلوهما ثم هرب إبراهيم بن الوليد وأنصاره، ودخل مروان دمشق وأخرج يزيد بن خالد وأبا محمد السفياني من السجن. وجاءوا إليه بابني الوليد بن يزيد مقتولين؛ فشهد أبو محمد السفياني لمروان بأنهما جعلا له الخلافة بعدهما وبايعه الناس. وكان ذلك في شهر ربيع الآخر سنة 127هـ، فكانت مدة خلافة إبراهيم بن الوليد ما يقرب من أربعة أشهر. وتسلم مروان بن محمد الخلافة ليصارع أحداثًا أقوى منه، ويواجه دنيا مدبِرَة ودولة ممزقة، قدرَ له أن يكتب الفصل الأخير من حياتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى