“العيدية”.. عادة مصرية أصيلة تمتد جذورها للعصر الفاطمي
“العيدية” واحدة من أهم الطقوس المتوارثة منذ مئات السنين، والتي اعتاد الصغار انتظارها مع حلول الأعياد، وهي مبلغ مالي يُوزع على صغار السن غالبًا، أو على الأخوات البنات، أيًا كانت أعمارهن.
تتحدد قيمة العيدية على الحالة الاقتصادية لمن يوزعها وكذلك على سن مستقبلها، فما يُمنح لطفل في العاشرة ليس كما يُمنح للطفل في الخامسة مثلًا ويختلف الأمر عندما تُمنح العيدية للأخوة البنات.
أقدم ما يمكن أن نصل إليه في موضوع العيدية هو العصر الفاطمي، إذا اعتاد الخلفاء الخرج في صباح يوم العيد بعد الصلاة في موكب كبير يسيرون في الشوارع ليقدموا للشعب الهدايا ويخلعون عليهم المنح والعطايا، واستمر هذا التقليد في العصرين الأيوبي والمملوكي، وكان تسمى “الجامكية”.
أصل العيدية
والعيدية هي كلمة عربية منسوبة إلى كلمة “عيد”، وتعني “هبة تعطى أوقات الأعياد، أو مبلغ مالي يوزع على الأطفال والكبار في الأعياد، بحسب ما تذكره المعاجم.
يقول محمد الششتاوي في كتابه “متنزهات القاهرة في العصر المملوكي” إن الاحتفال بالعيد في مصر الإسلامية كان مهرجانًا قوميًا يشارك فيه الجميع بداية من السلاطين وانتهاء بعامة الشعب، ويعد الاحتفال في العصر المملوكي والعثماني امتدادًا لبعض مظاهر الفخامة والعظمة والثراء التي كانت سائدة أيام الفاطميين.
ويذكر الدكتور عارف تامر فى كتابه بعنوان “المعز لدين الله واضع أساس الوحدة العربية الكبرى, أن التطور والثروة والنعيم ظهر بعد قدوم الخليفة المعز لدين الله إلى مصر، إذ اهتم بالأعياد والاحتفالات الدينية والقومية، وما صاحبها من مظاهر النعيم، وأظهر الخليفة عطاءه للفقراء وعامة الشعب، إذ كان يأمر بإجازة عن الأعمال في المصالح الحكومية ويقيم الولائم في القصر، ويوزع الأموال الطائلة على الحضور.
أما الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور، يذكر فى كتابه “بحوث في تاريخ العصور الوسطى” أن توزيع الهدايا والمال نشاط اجتماعي كان منتشرًا في العصور الوسطى، خاصة في الأعياد الدينية، التي حرص فيها المسلمون من الشعب والملوك والأمراء على إظهار البهاء والهدايا وتوزيع المال.
وفى عام 1183 صادف أن احتفل الملك نورالدين محمود بختان ابنه الملك الصالح إسماعيل في عيد الفطر، وأمر في تلك المناسبة بإخراج الصداقات الكثيرة وكسوة الأيتام وتوزيع الحلويات والأموال.
وجاء في كتاب نبيل قرحيلي”الاحتفالات في عصر المماليك” أن الأيام الأخيرة من شهر رمضان يبدأ الأهالي بتحضير الحلوى والكعك وشراء الملابس وتبادل أطباق الحلويات بين الجيران والأهالي، أما في نهار العيد فمن العادات القديمة أن يخرج الناس لزيارة القبور، ثم الاستمتاع بالتنزه وتبادل الزيارات.
وفي قصر السلطان كان القصر يستعد للاحتفال بالعيد عقب الصلاة، ليبدأ السلطان بتقديم التهاني والخُلع (وهي عبارة عن هداية يقدمها الأمير للرعية) والهدايا لكبار الدولة.
“العلاليق”
ويقول الدكتور قاسم عبده فى كتابه “عصر سلاطين المماليك”, إن الرجال كانوا يتجهون لصلاة العيد في موكب كبير وهم يهللون ويكبرون إلى أن يصلوا إلى المسجد.
ويضيف أنه من العادات القديمة في العيد تناول الأسماك المملحة في أول أيام العيد وشراء الحلوى والتماثيل السكرية والتي كانت تسمى “العلاليق” لأنها كانت تعلق بخيوط وكانت يشتهر بيعها في أسواق القاهرة والأقاليم،كما يحدث في المولد النبوي الآن.
الفرحة بالعيدية هي فرحتنا
أم هاني، صاحبة الـ 78عام، تصف العيدية بأنها “فرحة الاطفال” وتوزع في الصباح “فرحه الطفل بالعيدية هي العيد عندنا”، موضحة أن كبار السن يشعرن بالفرحة عندما يرون فرحة الأطفال بالعيدية.
وتتابع أن العيدية لا توزع فقط على الأطفال، بل يوزعها الرجال على أخواتهم، المتزوجات أو اللائي لم يتزوجن بعد.