تاريخ ومزارات

من هو صقر قريش أول من أسس مركز للشرطة خلال حكمه للدولة الأموية في الأندلس؟

يعد صقر قريش هو أبو المطرَّف عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي القرشي، مجدد حكم بني أمية في الأندلس في أقصى المغرب بعد زوال حكمهم على يد العباسيين في المشرق في دمشق، وفيما يأتي نلقي نظرة على أصل صقر قريش وحياته وصفاته أيضًا:

نسب صقر قريش

جاء في أصل صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية، أنَّه هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، يُكنَّى بأبي المطرف، وورد في بعض الكتب التاريخية أنَّه كان يُكنَّى بأبي زيد، وقيل كُنّي بأبي سليمان، أمُّه جارية سبية من البربر من قبيلة نفزة من أقصى المغرب، اسمها راح، وقيل اسمها رداح.

نشأة صقر قريش

ولد عبد الرحمن بن معاوية المعروف بصقر قريش في عام 113 هجرية وهو ما يوافق عام 731 ميلادية، في زمن خلافة جده هشام بن عبد الملك الذي يُعدُّ آخر خلفاء بني أمية الأقوياء في المشرق، وكانت ولادته في قرية اسمها دير حنا وقيل إنَّه ولد في العليا في تدمر في سوريا، وفي عام 118 هجرية مات أبوه معاوية بن هشام مترديًا عن ظهر جواده، فكان موته سببًا في نشأة عبد الرحمن في بيت جده الخليفة الأموي في دمشق، وقد عامله جده هشام معاملة خاصة تختلف عن معاملة بقية إخوته، فعلمه شؤون السياسة منذ كان صغيرًا.

وقد جاء في الروايات أنَّه عمه مسلمة بن عبد الملك الذي كان عالمًا من علماء الحدثان قد تنبأ بعدو يأتي من المشرق ينهي خلافة بني أمية في المشرق، وتنبأ أنَّه رجلًا من بني أمية سوف يتمكن من تجديد حكم الأمويين في الأندلس بعد سقوط حكمهم في المشرق، وفي يوم من الأيام اجتمع مسلمة بن عبد الملك بعبد الرحمن بن معاوية في رصافة هشام في دمشق، فلمَّا رآه قال إنَّ هذا الصبي هو من سيجدد حكم الأمويين في الأندلس بعد زوال ملكهم في المشرق، وقد صدق مسلمة بن عبد الملك، فقد كتب الله تعالى لعبد الرحمن بن معاوية أن يقطع القفار والوديان والصحارى في رحلة استمرَّت ست سنوات ليصل إلى الأندلس ويقيم فيها ملك الأمويين هناك بعد زوال ملكهم في المشرق.

صفات صقر قريش

ورد في كتب السير أنَّ عبد الرحمن بن معاوية المعروف بصقر قريش كان رحلًا داهية حازمًا صارمًا في أمور الحكم والسلطان، وكان صاحب عزيمة كبيرة وهمة عالية مكَّنته من استعادة حكم الأمويين في الأندلس، وورد عنه أنَّه كان حذرًا لا يطمئن لأحد مهما بلغ عنده من شأن عظيم، وقد وصفه كثير من المؤرخين بصفات عظيمة، نذكر فيما يأتي وصف ابن زيدون ووصف ابن حيان القرطبي ووصف الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور:

قال ابن زيدون يصف صَقر قُريش: “كان أصهب، خفيف العارضين، بوجهه خال، طويل القامة، نحيف الجسم، له ضفيرتين، أعور، أخشم”.

قال ابن حيان القرطبي عن صَقر قُريش: “كان كثير الكرم، عظيم السياسة، يلبس البياض ويعتم به، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويصلي بالناس في الجمعة والأعياد، ويخطب بنفسه”.

قال أبو جعفر المنصور عن عبد الرحمن بن معاوية: “عبد الرحمن بن معاوية الذي تخلّص بكيده عن سنن الأسنة، وظُبات السيوف، يعبر القفر، ويركب البحر، حتَّى دخل بلدًا أعجميًا، فمصّر الأمصار، وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره، وشدة عزمه، إن معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان، وذللا له صعبه، وعبد الملك ببيعة تقدمت له، وأمير المؤمنين بطلب عترته، واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفردًا بنفسه، مؤيدًا برأيه، مستصحبًا عزمه”.

 

فرار صقر قريش إلى المغرب

بعد أن دخل العباسيون دمشق وقتلوا الخليفة الأموي وقتلوا من وجدوا من بين أمية، لاحق العباسيون كلَّ من بقي من بني أمية وأمروا جنودهم بقتل كل من يجدون من بني أمية، فكان الهدف من ذلك إنهاء حكم الأمويين إلى الأبد، وقد تمكن صقرُ قريش عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك من الفرار خفية مع ثُلة من خدمه يتقدمهم خادمه بدر الذي صاحبه طيلة الرحلة، ومن بلد إلى بلد، ومن صحراء إلى صحراء قطع فلسطين ووصل إلى مصر، وهناك التقى بأحد أبناء عمومته من الأمويين الذين نجوا من بطش العباسيين، ثمَّ تابع سيره عبر ليبيا وصولًا إلى المغرب.

وفي المغرب كان عبد الرحمن بن حبيب الفهري والي الأمويين على إفريقيا قد استغل سقوط الدولة الأموية في المشرق، وأعلن استقلاله بحكم إفريقيا، ولمَّا علم الفهري بقدوم الأمويين من المشرق فارين من بطش العباسيين، تتبع كلَّ أموي من نسل الخلائف وقام بقتله، فقتل اثنين من أبناء الوليد بن يزيد، ولهذا بقي عبد الرحمن بن معاوية يتنقل في بلاد إفريقيا خمس سنوات خلسة، حذرًا من غدر عبد الرحمن بن حبيب الفهري، وقد استمرَّ في المسير حتَّى وصل إلى ديار أخواله بني نفزة، الذي كانوا من بربر طرابلس، ثمَّ اتجه إلى مغيلة، وفيها آواه أبو قرَّة المغيلي، ثمَّ انتقل إلى قوم من مدينة اسمها زناتة، يعيشون قرب البحر في مدينة سبتة في المغرب، ليطل على شاطئ البحر الذي يفصل بينه وبينه حلمه القريب، شبه الجزيرة الإيبيرية المعروفة باسم الأندلس.

دخول صقر قريش إلى الأندلس

بعد أن وصل إلى سبتة في عام 136 هجرية، ارسل عبد الرحمن بن معاوية خادمه بدرًا ليدخل الأندلس قبله ويكون رسولًا له إلى موالي بني أمية في الأندلس، طالبًا منهم التمهيد له ومساندته لدخول الأندلس واستلام الحكم فيها، فقابل بدر زعماء الموالي وهم: أبو عثمان عبيد الله بن عثمان وعبد الله بن خالد وأبو الحجاج يوسف بن بخت، فوافقوا على نصرته، ثمَّ عرضوا أمر عبد الرحمن بن معاوية على الصميل بن حاتم فرفض الصميل مساندته وأخبرهم أنَّه أول من سيحاربه إذا دخل الأندلس.

وفي تلك الفترة كانت الأندلس ساحة صراع كبير بين القيسية واليمانية، لهذا انحاز اليمانية إلى صف عبد الرحمن بن معاوية، وقرروا نصرته ليثأروا لهزيمتهم في معركة شقندة أمام الفهرية والقيسية، فما كان منهم إلَّا أن بعثوا إليه بمركب حمله من سبتة في المغرب إلى الأندلس، حتَّى وصل إلى منطقة اسمها ثغر المنكب في شهر ربيع الثاني من عام 138 هجرية.[3]

صقر قريش في الأندلس

ما أن دخل عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس حتَّى أخذه زعماء الموالي إلى حصن طرش الذي كان منزل أبي عثمان، ليكون الحصن مركز تجمع أنصار عبد الرحمن بن معاوية، ولمَّا وصل خبره إلى يوسف الفهري جهَّز الجيوش وسار لملاقاة عبد الرحمن بن معاوية، ومن جهته جهَّز عبد الرحمن بن معاوية جيشه من الموالي وسار إلى إشبيلية واستولى عليها وكسب البيعة من أهلها، وجمع منها ثلاثة آلاف مقاتل، في العاشر من شهر ذي الحجة، أي في يوم عيد الأضحى من عام 138 هجرية التقى جيش الفهري بجيش عبد الرحمن بن معاوية ودارت معركة انتصر فيها عبد الرحمن ودخل قرطبة وصلَّى في مسجدها وأخذ البيعة من أهلها، وفيما سيأتي سوف نتحدَّث عن تأسيس الدولة الأموية في الأندلس:

تأسيس الدولة الأموية في الأندلس

لقد اتخذ عبد الرحمن بن معاوية الكثير من الخطوات التي أدَّت في نهاية الأمر إلى قيام الدول الأموية في الأندلس، ومن أشهر الأعمال التي قام بها لبناء الدولة:

تغلَّب عبد الرحمن بن معاوية على الثورات الكثيرة التي قامت ضدَّه والتي بلغت خمسًا وعشرين ثورة، قضى عليها جميعها وتمكن من توطيد حكمه وبناء دولته.
فصل عبد الرحمن بن معاوية دولته في الأندلس عن كلِّ الأحداث التي تدور في المشرق، وتمكن من القضاء على كل محاولات العباسيين في إيقاف دولته وإسقاط حكمه في الأندلس.
قام عبد الرحمن بإنشاء مركز الشرطة الذي ضبط البلاد ونشر الأمن بين العباد ووطد لبناء دولة آمنة مستقرة.
بنى جيشًا قويًا قادرًا على حماية الدولة الأموية في الأندلس من هجمات الأعداء الأوروبيين المتربصين بالمسلمين في شمال الأندلس.

نشر العيون في داخل دولته وخارجها ليكون على اطلاع بأيِّ أمر يُحاك ضد دولته

وفاة صقر قريش

بعد أربعة وثلاثين عامًا قضاها عبد الرحمن بن معاوية في الأندلس، يبني ويعمِّر لمن سيأتي بعده دولة قوية لا تهاب أعداءها، توفي عبد الرحمن بن معاوية في الرابع والعشرين من ربيع الآخر من عام 172 هجرية، وكان له من الولد أحد عشر ولدًا، أكبرهم ابنه سليمان ومن أبنائه أيضًا هشام والمنذر ويحيى وسعيد وعبد الله وكليب، وكان له من البنات تسع بنات، وقد تمَّ دفنه في قصر قرطبة، ليتسلم الحكم بعده ابنه هشام بعد أن عهد له أبوه عبد الرحمن بالحكم.

إلى هنا نصل إلى نهاية هذا المقال الذي سلَّطنا فيه الضوء على إجابة سؤال من هو صقر قريش وتحدَّثنا فيه عن نسبه ونشأته وصفاته وعن قصة فراره من الشام إلى المغرب وعن دخوله إلى الأندلس وعن تأسيسه للدولة الأموية في الأندلس وعن وفاته أيضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى