“الرجال الزرق”.. كل ما تريد معرفته عن قبيلة “الطوارق”
أميرة جادو
اختلفت الآراء والروايات التي تبيّن أصل الطوارق ونشأتهم، فقال عنهم ابن خلدون في كتابه “تاريخ ابن خلدون” وأوضح أن أصلهم يعود إلى صنهاجة وهي قبيلة أمازيغية كبرى، ويستثنيها من نسبتها إلى الأمازيغ ويرجِّح نسبة صنهاجة إلى اليمن، ويؤكد ذلك عدد من المؤرخين إذ يروي بعض كبار السن من الطوارق اليوم أن أجدادهم رحلوا إلى أفريقيا بعد خراب سد مأرب، وبعضهم الآخر يحتفظ بشجرة نسبه التي ترجع إلى قريش وإلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم، وإلى أبو بكر الصدّيق، وعمر ابن الخطاب، وغيرهم.
فهم من الأمازيغ وفي حياتهم العديد من صفات وخصائص حياة البادية العرب من تنقل وترحال موسمي، إلا أنهم يفضلون الانعزال في الصحراء الكبرى بالرغم من المصاهرات التي بينهم وبين العرب في الشمال الأفريقي وبين الأفارقة الزنوج في جنوب القارة، وبذلك أصبحت أعراقهم اليوم تجمع العرب والأفارقة في قبيلة الطوارق ولذلك تأثير على ألوان بشرتهم ولغاتهم المحكية.
ديار الطوارق
أما عن موطنهم القديم، كانوا يعيشون بالقرب من شمال القارة الأفريقية، لكنهم ارتحلوا نحو الجنوب متعمقين في صحاري القارة الأفريقية إما هرباً بحريتهم من الجيوش الباغية كالرومان والفرنسيين، أو اقتراباً من أفريقيا رغبةً في نشر الإسلام وتوسيع تأثيرهم ونفوذهم.
كما يمتد موطنهم وديارهم وترحالهم على مساحة شاسعة من وسط صحراء قارة أفريقيا أو ما يعرف بالصحراء الكبرى، فمن الحدود الشمالية الغربية لجمهورية مالي، وموريتانيا، وحدود السودان، حتى جنوب شرق الجزائر مروراً بشمال النيجر، وتشاد، وجنوب غربي ليبيا.
سبب التسمية
اختلفت الروايات حول سبب تسميتهم بهذا الاسم، فهناك من يقول بأن اسمهم نسبة للقائد المسلم طارق بن زياد، وهناك من يرى أن اسمهم نسبة إلى إحدى القبائل التي قطنت الصحراء وكانت تدعى قبيلة تارغا، وهناك من ينفي هذه الآراء ويرجّح أن تسميتهم تعود بسبب سكنهم بوادي الآجال في الجنوب الليبي وهو بلغة الطوارق يقال له وادي “تارقا” وبذلك تعارف الناس على تسميهم بالتوارق ونسبتهم لهذا الوادي، حيث لا تزال توجد فيه مجموعات من قبيلة الطوارق.
كما يفضلون أن يطلق عليهم كلمة “إيماجغن” وتعني أمازيغ ومرادفها أيضاً كلمة “تماشق” التي تعني ذات المعنى أي الرجال الأحرار.
لغتهم ومعتقداتهم
تمسكوا “الطوارق” بهويتهم الأصلية، وبقي انتماؤهم للإسلام قائماً وراسخاً في معتقداتهم، فهم شعب مسلم، ويتكلمون لغة (التماشاك) وهي لغة نادرة لا زال يحافظ على نقاءئها الطوارق، وهي التي ما زالت آثار نقوشها في الصحراء الكبرى تدل على أنها لغة قديمة يرجع تاريخها إلى ثلاث آلاف سنة قبل الميلاد، وهي من اللهجات العربية القديمة التي تضائل استخدامها بعد أن وُحدت اللغة العربية بلغة القرآن الكريم. ومن الجدير بالذكر أن لغة الطوارق اليوم هي اللغة الأفريقية الوحيدة التي تحوي حرف الضاد الذي تمتاز به اللغة العربية أصلاً، كما أنهم يفهمون العربية ويحفظون القرآن الكريم.
عاداتهم وتقاليدهم
أطلق عليهم لقب “الرجال الزرق” في أوروبا و”الملثمين” عند العرب، حيث يرتدي رجالهم الألثمةٍ البيضاء أو السوداء، علاوة على أثوابهم الزرقاء الفضفاضة التي تقيهم من لهيب الصحراء صيفاً وبردها القارص شتاءً وغبارها المتناثر، ففي سن الرشد بعد الثامنة عشرة وفي أجواء احتفالية يرتدي الرجل لثامه الذي قد يصل طوله إلى خمسة أمتار ويرافقه بالحل والترحال.
يتمسك الطوارق بكافة العادات الإسلامية، ومنها الاحتفال بالأعياد، وكذلك يحتفلون بذكرى يوم مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك الاحتفال بحلول وانتهاء شهر رمضان المبارك لمدة شهر كامل من الولائم، والذبائح، وسباقات الإبل، والأهازيج، والصلوات، ومن أعيادهم ما يسمونه (عيد الاسم) ويستمر أسبوعاً واحداً بعد ولادة المولود حيث يسير الأقارب وهم يحملون الطفل حول خيمة الأم ويُعطونه اسماً سرياً بلغتهم، وفي اليوم التالي يذهبون به إلى المسجد ليعطيه والده وإمام المسجد أو شيخ القبيلة اسماً عربياً من القرآن الكريم.
أما فيما يخص عادات الزواج، يستمر الزفاف لمدة أسبوع يتخلّله السباقات، والولائم، والأهازيج، والموسيقى، حيث يأتي أهل العريس وأقاربه إلى قرية العروس ومسكنهم ليبدأ أقارب العروس ببناء خيمة العروس الخاصة بها.
ويعد التعليم في المدارس القرآنية والإسلامية من الأمور المهم والضرورية للغاية عند الطوارق، فمعظم أطفالهم يكملون تعليمهم الابتدائي الرسمي، وبعضهم يكمل تعليمه الثانوي، إلا أن فئةً قليلةً منهم يدرسون في الجامعات.
حياتهم الاجتماعية
اشتهروا الطوارق منذ القِدم بالتجارة ونقل البضاعة على القوافل عبر الصحراء، من جنوب أفريقيا إلى شمالها، حيث كانوا ينقلون البضائع التي لا تحتاج لمساحةٍ كبيرةٍ، وكذلك المقتنيات الكمالية التي تجني أرباحاً كبيرة، ولكن مع تحسين البنية التحتية ومد الطرق والسكك الحديدية قلّ عدد المشتغلين بهذه المهنة، ولكن لا يزال الطوارق يحفظون الصحراء ويعرفون مساراتها ومداخلها ومخارجها.
ينقسم مجتمع قبائل الطوارق إلى مجموعة طبقات بالاعتماد على الوظائف والمكانة الاجتماعية، وهم:
- السادة في أعلى الهرم الاجتماعي ويطلق عليهم بلغتهم (إماجغن)
- الطبقة المهتمة بالعلم والدين وهم (إنسلمن)
- طبقة الغارمين ويطلق عليهم (إيمغاد)
- والصناع والعمال، ويطلق عليهم (إينادن)
- وطبقة (بلاس) وهم الأرقاء الذين تم تحريرهم
- وأخر طبقة هم العبيد ويطلق عليها اسم (إكلان).
وتعتبر تربية المواشي، والإبل، والأبقار من المهن الأساسية عند أبناء القبيلة، حيث يتخذون من لحومها وحليبها طعاماً رئيسياً لهم، بالإضافة للتمر وبعض الحبوب.
أما عن مهنة الرعي والزراعة، فهي من المهن المخصصة للعبيد والخدم، فهم يرتحلون وفقاً لرعي مواشيهم وتوفر الماء والأمطار لهم.
تاريخ الطوارق ونضالهم
والجدير بالذكر، أشتهر الطوارق بقوتهم وشدتهم في الحرب ومنعتهم، ولذلك كان لهم دورهم البارز في مقاومة الاستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا، وكان نضالهم مشهوداً حتى أن المستعمر الفرنسي شيّد الحصون للتغلب عليهم ولحماية مقاتليه، ولكن بعد أن نالت الدول استقلالها بقي حرص الطوارق حاضراً لنيل استقلالهم أو انفصالهم وتمتعهم بحكم ذاتي، مما أشعل فتيل الخلاف لسنوات خاصة مع الحكومات المتعاقبة على النيجر ومالي بالرغم من الوساطة الجزائرية إلا أن المناورات والنزاعات لا تزال قائمة، فأماكن تواجد الطوارق في النيجر ومالي صعبة المسالك ومترامية الأطراف.