الفدائي أحمد عبد الحي كيرة.. أخطر أبطال الجهاز السري لثورة 1919
أسماء صبحي
يزخر التاريخ المصري بأشخاص وقامات كبيرة خاضت بطولات مجيدة، وساهمت في حفر أسمائهم بحروف من نور في التاريخ، حتى عرفتهم كل الأجيال، وفي المقابل، أدى آخرون نفس الأدوار الإيجابية، لكنهم لم ينالوا نصيباً كافياً من الشهرة، وأصبحوا في طي النسيان، ومن تلك الشخصيات الشهيد أحمد عبد الحي كيرة، واحد من أخطر أبطال الجهاز السري لثورة 1919.
قد لا يعرفه الجيل الحالي، ولا السابق وربما الأسبق، ولكن في التذكرة عبرة وعظة ووفاء واستحضاراً لنماذج طيبة وتجارب عظيمة في زمن اتسعت فيه مساحات القبح وتبددت معاني الوطنية والانتماء.
بطولاته
كان “كيرة” واحداً من الشباب الوطني الفدائى الذي باع عمره لوطنه بلا مقابل وبدون مساومة، حيث شارك الشاب الفدائي منذ دراسته بكلية الطب في عدة خلايا سرية للثورة، ونفذ مع زملاء آخرين عمليات لاغتيال جنود وضباط انجليز وسياسيين كانول من رجال الاحتلال في ظل اعتقال زعماء الوفد ونفيهم.
وكان كما يذكره مؤرخوا الثورة، يجيد التنكر والتخفي والتحدث بلغات مختلفة، يوما ما تجده نجاراً، ويوماً آخر شيخاً معمما، وتارة جندياً بريطانياً ومرة أخرى فلاحًا بسيطاً، وعندما اكتشف أمره في اعترافات قتلة السير لي ستاك عام 1924.
بدأت المخابرات البريطانية بعد ذلك في ملاحقته، وأصبح واحداً من أهم المطلوبين لديها، حتي أنها اصدرت منشوراً لجميع مكاتبها في العالم تقول فيه “اقبضوا عليه حيا او ميتا، اسمه احمد عبدالحي كيرة، كيميائي كان طالباً في مدرسة الطب، خطير في الاغتيالات السياسية، قمحي، قصير القامة وذو شارب خفيف وعمره 28 عاماً”، وتنقل «كيرة» من مخبأ الى آخر وعرف متعة العيش في خطر كما يقول نيتشه.
تهريبه إلى اسطنبول
وقتها اضطرت قيادات الجهاز السري للثورة أن تقوم بتهريب الفدائى العظيم إلى ليبيا ومنها إلى اسطنبول، وظل سنوات طويلة مطارداً، وقد قابله هناك الأديب الكبير يحيى حقي عام 1930، والذي كان يعمل موظفاً بالقنصلية المصرية في اسطنبول، وكتب عنه “بعبع” الانجليز، يبحثون عنه بعد أن فتلوا له حبل المشنقة، كنت لا ألقاه إلا صدفة وألح عليه ان نأكل معا فيعتذر قائلا: “قريباً إن شاء الله”، وظل هذا حالي معه أربع سنوات كلما أدعوه يعتذر بأدب، وقد رأيت فيه المثل الفذ للرجل الشريد، كانت ملابسه تدل على مقاومة عنيدة للفاقة وغلبت صفرته التحتانية على لونه الأصفر، يمشي على عجل ويحذر كأنه يحاول أن يفلت من جاسوس يتبعه، ويخلو كلامه من أي عاطفة، فلا تدري ان كان متعباً أم غير متعب، جيبه نظيف أم دافئ، معدته خاوية أم عامرة؟”.
ثم يكتب حقي: “حاولت ان أعرف أين يسكن فلم أنجح وقيل لي انه يسكن في ثلاث شقق كل منها في حي بعيد عن الآخر ولا ينام في فراش واحد ليلتين، إنه يعلم أن المخابرات البريطانية لن تكف عن طلبه حتي لو فر إلى أقصى الارض، إنها لا تنسى ثأرها البائت”.
اغتياله
بعد توقيع معاهدة 36 سافر إلى تركيا ثلاثة من عملاء الإنجليز في مصر، ثلاثة من القلم السياسي هم “جريفز ، ماركو ، اسكندر بورجوزافو”، واستطاعوا استدراج عبد الحى إلى إحدى ضواحى إسطنبول واغتالوا البطل ثم مثلوا بجثته وفروا عائدين إلى مصر، وعاد ثلاثتهم مزهوين بأنهم قتلوه، ويقولون: ” لقد ثأرنا لأروح جنودنا التى أزهقت في مصر”، وفيما بعد وجدوا جثة “كيرة” في حفرة بجوار سور اسطنبول القديم.
لقد نفذت فيه المخابرات البريطانية حكم الإعدام دون محاكمة ليبقي مثالًا للشباب الوطني بتضحياته وفدائيته.