تاريخ ومزارات

في مصر القديمة.. احتفلوا بليلة القدر وصنفوا «الصيام»

على غرار مقولة الشيخ محمد عبده، الذي قال عن الإسلام في الغرب: “رأيت في أوروبا إسلامًا بلا مسلمين، وفي بلادنا مسلمين بلا إسلام”، اكتشفت الكاتبة المصرية نعمات أحمد فؤاد؛ تعاليم الدين الإسلامي في أجزاء من الحضارة المصرية القديمة. ومن أبرز التشابهات بين الإسلام والحضارة المصرية القديمة؛ الصيام، تحقيقًا لما جاء في كتاب الله تعالى في سورة البقرة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.

في هذا التقرير نستعرض لتطور التاريخي للصيام في مصر القديمة، بجانب التعرف على تقسيمات الصيام عند المصريين القدماء واحتفالات مصر القديمة بليلة القدر.

نشأة الصيام

يقول الشيخ أبو بكر جابر الجزائري، في كتابه “رسالة رمضان”، الصادر عن مكتبة دار العاصمة، إن الصوم عبادة روحية قديمة. فرضها الله على أمم كثيرة قبل الأمة الإسلامية. وقد عرف الصوم عند قدماء المصريين والهنود، واليونان، والرومان. فتاريخ الصيام عميق الجذور، بعيد المدى، متغلغل في أعماق التاريخ.

واتفق الكاتب محيي الدين مستو، في كتابه “الصوم.. فقهه – أسراره”، الصادر عن دار القلم للنشر والتوزيع، مع ما جاء في كتاب “رسالة رمضان”، موضحًا أن الصوم عرف في الديانات؛ البرهمية، والمصرية القديمة، واليهودية، والمسيحية. فهو عبادة متكررة اقترنت بعقيدة التوحيد لدى جميع الأمم التي أرسل إليها رسول.

ولقد جاء في كتاب “الصيام في الحر والتدين المغشوش”، للكاتب مجاهد خلف، أن الباحثة هانم فتحي خاطر أكدت في دراستها المعنونة بـ”الصيام كعبادة وعيادة” أن الحقائق التاريخية والدينية والعلمية، وما أثبته الباحثون أن الصوم ضرورة من ضرورات الحياة. وقد كتب على أوراق البردي ونقش على معابد جدران الفراعنة أن المصريين القدماء مارسوا الصوم، خاصة أيام الفتن، كما مارس الهنود والبوذيون والبراهمة الصوم تبعًا لشعائرهم الدينية.

 

ويذهب عالم المصريات وسيم السيسي، في مقال له بعنوان “الفراعنة وصوم رمضان”، أن كلمة “صوم” مأخوذة من الكلمة المصرية القديمة “صاو”، والتي تعني امتنع أو كبح، بينما حرف الميم فمعناه من أو عن. ولذلك فمعنى كلمة “صوم” امتنع عن أو امتنع من؛ طعام، شراب أو كلام. متابعًا: أن المصريين القدماء صاموا شهر رمضان مستشهدًا بما قاله ابن حزم “والصابئة يصومون شهر رمضان”. موضحًا أن الصابئة هم حكماء مصر أتباع النبي إدريس المصري.

مواقيت الصيام وليلة القدر

ويتابع السيسي في مقاله موضحًا أن مصر الفرعونية وما قبلها من حضارات صامت من الفجر وحتى غروب الشمس، فامتنعوا عن الشراب والطعام ومباشرة النساء.

وفي بحث الطبيب رافد علاء الخزاعيا، المعنون بـ”التطور التاريخي للصيام”، أشار إلى أن ليلة القدر عرفت لدى قدماء المصريين، فقد وجد عيد عند حكماء المصريين يسمى “يشيشلام ربه” والذي يعني “عيد السلام الكبير”، مدته يومان، وتقع ليلة القدر في الليلة التي بينهما. متابعًا: أن معنى كلمة “شي” في اللغة الهيروغليفية “القدر”، بينما كلمة “ربه” تعني “عيد السلام الكبير الذي به ليلة القدر. مؤكدًا أن الفراعنة آمنوا أن ليلة القدر تحدد فيها أرزاق الناس في العام المقبل.

وللصيام أنواع

يشير أستاذ الفسلفة الإسلامية صلاح الدين عبد الله، في بحثه “الصيام عبر التاريخ”، إلى أن الديانة المصرية القديمة أذابت الحدود الفاصلة بين الدنيا والآخرة، فأضفت على مظاهر الحياة مقدارًا من قدسية الآخرة. كما نفثت في عالم الآخرة مقدارًا من صخب الحياة. وقد جاء الصيام عندهم معبرًا عن هذا الاتجاه. فقد عرف المصريون القدماء الصيام كفريضة دينية، يتقربون بها من أرواح الموتى، معتقدين أن صيام الأحياء يرضي الموتى؛ لحرمانهم من طعام الدنيا.

ويواصل أستاذ الفلسفة الإسلامية حديثه موضحًا أن قدماء المصريين عرفوا الصيام كفريضة دينية أيضًا يتقربون به إلى الإله، ولقد امتزج صيامهم بشيء من الطقوس المبهمة التي رسمها الكهنة، كما امتنعوا عن بعض المأكولات.

ويتابع عبد الله في بحثه أن الصيام قسم في مصر القديمة إلى نوعين؛ صيام الكهنة، وصيام الشعب. فالأول جمع بين كونه فرضًا أو استحبابًا، فحددت له مواعيد معينة، وتطلب من الكاهن خدمة المعبد لمدة سبعة أيام متتالية من غير ماء قبل أن يلتحق بالمعبد. ومن الممكن أن تمتد فترة الصيام إلى اثنين وأربعين يومًا، ويبدأ صيامهم من طلوع الشمس إلى غروبها؛ إذ يمتنعون عن تناول الطعام ومعاشرة النساء. وقد لوحظ أن الكهنة خلطوا صيامهم بالأسرار المبهمة؛ لاعتقادهم أنها تضفي القدسية عليهم.

ويتابع عبد الله في بحثه حديثه عن النوع الثاني؛ “صيام الشعب”، والذي قسم إلى عدة أنواع منها، صيام أربعة أيام من كل عام. تبدأ بحلول اليوم السابع عشر من الشهر الثالث من فصل الفيضان. بجانب صيام سبعون يومًا يحرّم فيها أكل كل شيء من الطعام، ما عدا الماء والخضر. مضيفًا أن القدماء المصريين صاموا في الأعياد الخاصة بهم منها؛ وفاء النيل، وموسم الحصاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى