سقوط بخارى على يد جنكيز خان بين الخيانة والمقاومة حتى الرمق الأخير

في أواخر عام 616 هـ وتحت سماء مثقلة بالغيوم السوداء ظهرت جحافل جنكيز خان على أسوار بخارى تلك المدينة الإسلامية التي كانت منارة للعلم والحضارة ورمزًا للمجد الثقافي والفكري لكنها في عيون القائد المغولي لم تكن سوى فريسة جديدة بعد أن أحكم سيطرته على الصين وأقاليم واسعة من آسيا الوسطى نقض عهده مع الملك الخوارزمي محمد بن خوارزم شاه ودفع بجيوشه كالصواعق نحو قلب العالم الإسلامي.
قصة سقوط بخارى على يد جنكيز خان
حاصر المغول بخارى كأسراب الجراد التي لا تبقي ولا تذر، وكان داخل أسوارها عشرون ألف جندي خوارزمي يقاتلون بضراوة لكن الحصار الشديد أنهكهم وبعد ثلاثة أيام من القتال المتواصل انهارت خطوط الدفاع وتراجع الجنود إلى خراسان ليطاردهم المغول حتى نهر جيحون حيث أوقعوا بهم هزيمة ساحقة لم ينجُ منها إلا قلة قليلة.
داخل المدينة خيم اليأس على الأهالي فبعد أن غادر معظم الجنود بات المصير قاتمًا ولم يجدوا أمامهم سوى إرسال قاضي بخارى بدر الدين إلى جنكيز خان يطلب الأمان فوافق ودخل بخارى على صهوة جواده متأملًا شوارعها العريقة وعندما رأى مسجد هاشم الكبير ظنه قصر السلطان فلما علم أنه بيت من بيوت الله صعد منبره وصاح بصوت أجش قائلا لقد نضب العلف أطعموا الخيل، وكانت تلك الإشارة لبداية الفوضى.
تحولت بخارى إلى مسرح للخراب فقد جلب المغول الخمور والمغنين من المدن المجاورة وأقاموا مجالس الطرب وسط الأنقاض وأُجبر أعيان المدينة والأئمة على خدمتهم بل والرقص أمام الغزاة في مشهد من الإذلال لم تعرفه بخارى من قبل ثم فرضوا على الأهالي إخراج كنوزهم ووضعوا كل رجل تحت رقابة جندي مغولي كأنه سجين في مدينته.
ورغم ذلك اشتعلت شرارة المقاومة إذ تحصن أربعمائة فارس من الجيش الخوارزمي داخل القلعة وقاوموا ببسالة أحد عشر يومًا ملحقين بالمغول خسائر مؤلمة لكن جنكيز لم يعرف الرحمة فأمر باقتحام القلعة وأباد كل من فيها ثم أخرج سكان المدينة مجردين من أموالهم لا يملكون سوى ثيابهم الممزقة.
كالنار في الهشيم اجتاحت النيران بيوت بخارى الخشبية ولم تصمد إلا القلة من المباني الحجرية شاهدة على المأساة تشرد الأهالي ولجأ من نجا إلى خراسان تاركين خلفهم مدينة كانت درة الحضارة الإسلامية وقد تحولت إلى أنقاض يروي صمتها قصة السقوط على يد جنكيز خان.



