الألوان في الفن المصري القديم ودلالتها: لغة رمزية خالدة عبر الزمن
كتبت شيماء طه
تُعدّ الألوان في الفن المصري القديم أحد أهم العناصر الفنية التي استخدمها المصريون للتعبير عن معتقداتهم الدينية والرمزية والاجتماعية. لم يكن اللون مجرد عنصر جمالي، بل كان لغة كاملة تحمل معاني محددة ترتبط بالحياة، والموت، والخلود، والآلهة، والسلطة. وقد برع الفنانون المصريون في استخدام اللون بأسلوب يعكس عمق الفكر والعقيدة.
أولاً: أهمية الألوان في الحضارة المصرية القديمة
فهم المصري القديم أهمية اللون كوسيلة رمزية، فكان يختار كل لون بدقة وفقاً لدلالته. واعتمد الفنان على ألوان مشتقة من مواد طبيعية مثل المعادن والنباتات، مما ساعد على بقاء الألوان نابضة بالحياة حتى اليوم. كما استخدمت الألوان في المعابد، والمقابر، والتماثيل، والبرديات، لتجسيد الحياة اليومية والطقوس الدينية.
ثانياً: دلالات الألوان في الفن المصري القديم
1. اللون الأحمر: القوة والحياة
كان اللون الأحمر يرمز إلى الحياة، الطاقة، والقوة، لكنه أيضاً رمز للخطر والغضب. استخدم في إبراز أجساد الرجال داخل الرسوم، مما يعكس الحيوية والقوة البدنية. كما ارتبط بالإله “ست” رمز الفوضى.
2. اللون الأزرق: السماء والخلق
الأزرق من أهم الألوان التي ظهرت في الفن الفرعوني، وهو رمز السماء، والخصوبة، والمياه، والخلق. استخدم المصريون الأزرق في تماثيل الآلهة ونقوشهم، وخاصة الإله آمون. كما ارتبط الأزرق بالحماية الروحية، لذلك استخدم في صناعة التمائم.
3. اللون الأخضر: التجدد والحياة
يرمز الأخضر إلى النمو، والخير، والبعث، ويُعد لون الإله “أوزوريس” سيد العالم الآخر. كان المصريون يعتقدون أن الأخضر يجلب الحماية والخصوبة، لذلك استُخدم في مناظر الطبيعة والزراعة، وفي زخرفة التوابيت طلباً للحياة الأبدية.
4. اللون الأصفر والذهب: الإلهية والخلود
يرمز الأصفر إلى الشمس، والذهب، والخلود. استخدم الفنانون اللون الذهبي لتجسيد الآلهة، لما له من ارتباط بالنور والقوة الإلهية. كما صُنع قناع توت عنخ آمون من الذهب إيماناً بأن جسد الملك يصبح إلهياً بعد الموت.
5. اللون الأسود: الخصوبة والبعث
على الرغم من أن الأسود يرتبط بالعتمة، فإن دلالته في مصر القديمة إيجابية. فهو لون الطمي الأسود الذي يجلب الحياة للنيل، ولون البعث والحماية. لذلك ظهر الأسود في تماثيل أوزوريس، وفي النصوص الجنائزية.
6. اللون الأبيض: النقاء والقداسة
الأبيض رمز النقاء، والصدق، والطهارة. ارتدى الكهنة الكتان الأبيض أثناء الطقوس الدينية. كما استخدم في التماثيل لإظهار الصفاء الروحي، وفي مداخل المقابر والمعابد للتعبير عن السلام والقدسية.
ثالثاً: تقنيات صناعة الألوان في مصر القديمة
اعتمد الفنان المصري على مصادر طبيعية متنوعة لصناعة ألوان ثابتة تدوم آلاف السنين، مثل:
الملكيت لإنتاج اللون الأخضر.
اللازورد للون الأزرق.
الهيماتيت للون الأحمر.
الأكاسيد المعدنية لتكوين الأصفر والأسود.
وقد امتازت هذه الألوان بثباتها لأنها كانت تُخلط بالصمغ والعسل والماء، ثم تُطبق على الجدران والبرديات بعناية شديدة.
إن الألوان في الفن المصري القديم تمثل نظاماً بصرياً متكاملاً يعكس روح الحضارة وأفكارها. فقد استخدم المصريون الألوان بدقة ووعي رمزي جعل فنهم خالداً ومؤثراً حتى يومنا هذا. ومن خلال دراسة هذه الألوان وفهم دلالاتها، يمكننا التعرف بعمق على المعتقدات الدينية، والنظرة للحياة والموت، والمعاني التي أراد الفنان الفرعوني نقلها للأجيال القادمة.
